أشعلت أنباء عن اعتقال شاب سوداني في مصر، متهم بالمشاركة في الاحتجاجات الأخيرة ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مظاهرات بالعاصمة السودانية الخرطوم هذا الأسبوع.
كان وليد عبدالرحمن حسن واحداً من أكثر من 2000 شخص اعتقلتهم قوات الأمن المصرية خلال الأسبوع الماضي، ومِثل كثيرين آخرين، فهو متهم بالمشاركة في الاحتجاجات التي جرت بميدان التحرير في القاهرة على حكم السيسي، وفقاً لما ذكره موقع Middle East Eye البريطاني، السبت 28 سبتمبر/أيلول 2019.
واتُّهم حسن بالمشاركة في "مؤامرة لقلب نظام الحكم الدستوري المصري"، وهي تهمة يمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام بموجب القانون، ويزعم النشطاء المصريون أنها تُستخدم للفت الانتباه بعيداً عن المظالم المشروعة للحركة الاحتجاجية.
وبدأت المظاهرات، أول مرة في 20 سبتمبر/أيلول، وأشعلتها فيديوهات لرجل الأعمال والفنان المصري محمد علي، أحد العاملين السابقين مع الجيش، والذي كشف عن فسادٍ في مستويات عليا وإهدارٍ لموارد الدولة، في الوقت الذي يعاني فيه كثير من المصريين الفقر في ظل تدابير التقشف الصارمة.
وأخذ المتظاهرون السودانيون ينظمون احتجاجات في المناطق السكنية بالخرطوم، في حين تقدمت أسرة حسن بعريضةٍ إلى وزارة الخارجية السودانية، تطالبها بالتدخل لإطلاق سراح الشاب البالغ من العمر 22 عاماً.
وفي الوقت الذي اصطف فيه النشطاء السودانيون دعماً لحسن، يتأمل المحللون في الكيفية التي قد تكوّن التطورات الأخيرة في مصر، التي تشهد الآن أول حركة احتجاجية كبيرة منذ تولي السيسي السلطة في عام 2013.
صدمة وتحدٍّ
وقالت عائلة حسن في حديثها إلى Middle East Eye، إن اعتقاله شتَّت الأسرة بين مشاعر الحزن والتحدي، فهي لا تزال عازمة على إعادته، وهي في الوقت ذاته تحمّل السلطات المصرية المسؤولية عن أي ضرر قد يصيبه في أثناء احتجازه.
ويوم الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول، بثت قناة MBC المصرية مقطعاً صرّح فيه المذيع البارز بالتلفزيون المصري عمرو أديب، علانية، بهوية عدد من الأجانب الذين اعتُقلوا خلال الأسبوع الماضي، وعرض عدة مقاطع فيديو يعترف فيها هؤلاء الأفراد، ومن ضمنهم حسن، في مواجهة الكاميرا، بالمشاركة في تنظيم الاحتجاجات.
وقالت والدة حسن، خديجة أبو الزاكي، للموقع البريطاني: "أنا لا أستطيع النوم أو تناوُل الطعام منذ أن شاهدتُ مقطع الفيديو هذا. إنه لأمر مؤلم للغاية أن أرى ابني الوحيد يُتهم بارتكاب مثل هذه الجرائم الخطيرة، في حين أني أعرف أنه بريء منها".
وأضافت: "هذا الفيديو جرى إعداده وتنظيمه ليُعرض بهذا الشكل، والمذيع المصري يكذب. أنا أعرف ابني جيداً، لقد أدلى بهذه الاعترافات إما تحت التعذيب وإما تحت التهديد".
ووفقاً لعمّ حسن، محيي الدين أبو الزاكي، وصل طالب الاقتصاد السوداني الشاب إلى مصر أول مرةٍ بحياته في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، لدراسة اللغة الألمانية بمعهد في القاهرة، إذ أُغلقت الجامعات بالسودان منذ أن بدأت الانتفاضة في البلاد أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018.
وقال محيي الدين: "لقد كنت أتحدث مع وليد بشكل متكرر منذ أن انتقل إلى مصر، وهو ليست له أي علاقة بما يحدث في مصر. لقد فوجئنا وصُدمنا عندما شاهدناه في هذا الفيديو، الذي يزعم أن وليد يدعم جماعة الإخوان المسلمين بمصر (…)، وأغلب المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام عنه الآن غير صحيحة".
الأم فخورة بابنها
وحاولت الحكومة المصرية صرف الأنظار عن الاحتجاجات الأخيرة في مصر، من خلال إلقاء اللوم فيها على التدخل الأجنبي وجماعة الإخوان المسلمين.
وبينما تؤكد أن ابنها لم يشارك في الأحداث التي جرت بمصر، قالت خديجة بفخرٍ إن ابنها كان له تاريخ من المشاركة في العمل العام ببلده، مشيرةً إلى أن قوات الأمن السودانية اعتقلته في سبتمبر/أيلول 2013 وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، لمشاركته في مظاهرات ضد الحكومة السودانية.
وأضافت خديجة: "على الرغم من الألم والحزن، فأنا فخورة به، لأنه شجاع يناضل من أجل التغيير، ويريد الأفضل لبلاده، ويكافح من أجل مستقبله ومستقبل الديمقراطية".
كذلك رفض أصدقاء وأقارب حسن بشدةٍ، الادعاءات المصرية بأن الشاب السوداني كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، مستدلين بمعارضته السابقة القديمة لحكم الإسلاميين بالسودان في عهد البشير.
وتساءل صديقه محمد صالح مستنكراً: "لقد قدَّم وليد تضحيات عديدة في ثورة السودان، لأنه يعارض الإخوان المسلمين بالسودان، فكيف كان سيدعمهم في مصر؟! وأن يتهمه أحد بدعم الإخوان المسلمين المصريين، بعد كل ذلك، لهو أمر لا يصدَّق".
تضامن مع الطالب السوداني
ودفع اعتقال حسن آلافاً من المتظاهرين السودانيين المؤيدين للديمقراطية إلى تنظيم مسيرات، وشن حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "أنقِذوا وليد"، داعين السلطان المصرية إلى إطلاق سراحه فوراً.
وانتشرت الاحتجاجات التي بدأت يوم الخميس الماضي، في بعض المناطق السكنية بالخرطوم، مثل الحاج يوسف وحي اركويت وحي المعمورة وحي بُري، لتصل إلى خارج السفارة المصرية في الخرطوم.
وخرج "تجمُّع المهنيين السودانيين"، أحد التنظيمات البارزة في الانتفاضة السودانية، لإدانة اعتقال حسن، وانضم إلى دعوات الأسرة للحكومة السودانية الانتقالية إلى التدخل بالقضية، وقال في بيانٍ إن الفيديو الذي بثته وسائل إعلام مصرية بشأن حسن خطوةٌ "مشينة" وستكون لها عواقب.
وشدَّد على أنه "يؤكد أن عهد إذلال السودانيين قد ولَّى، وأن كرامة المواطن السوداني يجب أن تكون مصونة تحت أي سماء وفوق كل أرض".
وتعهَّد صلاح بأن يواصل السودانيون دعم صديقه حسن طالما بقي مسجوناً، وقال: "لن نتوقف عن تنظيم المسيرات والاحتجاجات التي تطالب بالإفراج الفوري عنه. وقد أخبرنا الحكومة الانتقالية: لقد أتينا بكم إلى هذا المكان من خلال تضحياتنا، لذا فأقلُّ الأمر أن تحمونا، وتصونوا كرامتنا، وتعيدوا وليد إلى بلاده دون مزيد من التأخير".
استلهام متبادل
ومع إثارة قضية حسن المشاعرَ في السودان، كان تعليق عدد من الناشطين والمحللين المصريين على أثرٍ من الانتفاضات في كل من السودان والجزائر هذا العام، بأن هذه الانتفاضات ربما تكون قد أثرت في الحركة الاحتجاجية الناشئة بمصر.
وقال الناشط المصري عصام شعبان لـ "ميدل إيست آي": "إن الأمم تتعلم دائماً دروس التحرر بعضها من بعض"، وأضاف: "لقد ألهمت الحركات الاجتماعية بأوروبا الشباب في منطقة الشرق الأوسط برمته، والآن ينظر المصريون أيضاً إلى حركات التحرر في منطقتهم، وكيف نجحت هذه الثورات بمعارك الكرامة والديمقراطية".
ومع ذلك، فقد سلط شعبان الضوء على أن "هناك عديداً من العوامل المحلية الأخرى في مصر ستؤدي إلى توسُّع الاحتجاجات مثل الأزمة السياسية والاقتصادية، إضافةً إلى مسائل العدالة والفساد، وما إلى ذلك".
وأضاف: "لقد تأثر الشباب المصري بشدة بالثورة في تونس في عام 2011، وقاد ذلك إلى اشتعال الربيع العربي. لذا فمن المحتمل جداً أن تكون الثورة السودانية مصدر إلهام للشعب المصري".
أما المحلل السياسي المصري خالد يوسف، فقال من جانبه إن المصريين دائماً ما تأثروا بما يجري في الدول المجاورة لهم.
وأشار يوسف إلى أن المتظاهرين المصريين المؤيدين للديمقراطية تابعوا من كثبٍ تطورات الثورة في السودان، وكانوا حريصين للغاية على إرسال المشورة إلى المحتجين هناك، خصوصاً عدم الثقة بالجيش، لكيلا يكرروا تجربة مصر.
ورأى يوسف أن المصريين بذلك "قدموا الكثير لثورتي السودان والجزائر".
وقال الموقع البريطاني إن الجهود التي تبذلها السلطات المصرية لحجب المعلومات عن الانتفاضات في السودان والجزائر من الوصول إلى المواطنين العاديين، قد فسرها بعض المحللين بأنها مؤشر على أن الحكومة في القاهرة تدرك جيداً التأثير المحتمل لهذه الأخبار على الشعب المصري.
ويبدو أن التأثير قد تحرك في كلا الاتجاهين، فقد عُرف عن المتظاهرين السودانيين والجزائريين هتافهم بشعارات يتعهدون فيها بعدم السماح للجيوش الخاصة بهم، بحرف حركاتهم عن طريقها وأهدافها كما حدث في مصر.