تلقى مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية أوامر بالتخطيط لردودٍ محتملة على الهجوم الذي ضرب منشآتٍ نفطية سعودية، في اجتماع أُقيم الإثنين الماضي (16 سبتمبر/أيلول 2019)، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنَّ البيت الأبيض ينتظر حكام المملكة للاتفاق على ردٍّ مناسب قبل المضي فيه قُدُماً، وفقاً لما ذكره بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية ومصادر مُطَّلِعة على المشاورات، حسبما نشرت شبكة CNN الأمريكية.
وقال اثنان من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية إنَّ الوزارة تلقت تعليمات بـ "التخطيط" في اجتماع البيت الأبيض، لكنه أضاف أنَّ الاجتماع لم يشهد طرح خياراتٍ مُفصَّلة.
في حين قال مصدرٌ مطلع على مناقشات البيت الأبيض، إنَّ الإدارة تشعر بأنَّ الوقت في مصلحتها بينما تجمع أدلةً ضد إيران، التي نفت مسؤوليتها عن الهجمات.
هذا ومن المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى المملكة العربية السعودية، اليوم الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول 2019، للتشاور مع القادة السعوديين، وقال المصدر إنَّ الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراء حتى يعود بومبيو ويجتمع فريق الأمن القومي الأمريكي.
واشنطن لن تتخذ ردود فعل انفعالية
وقال المصدر: "لن تُتَّخَذ ردود فعل انفعالية على ذلك -بل ستكون منهجيةً للغاية- فالصبر يمنع الخطوات الغبية".
غير أنَّ هذا النهج يتعرَّض لانتقاداتٍ بالفعل، إذ كتب ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية الذي يؤيد توجيه ضربةٍ إلى إيران رداً على الهجوم على السعودية، يوم أمس الثلاثاء، تغريدةً قال فيها إنَّ "الرد الموزون المعتدل الذي اتخذه ترامب على إسقاط طائرة أمريكية من دون طيار، من الواضح أنَّ النظام الإيراني اعتبره علامة ضعف".
ورد ترامب عليه بتغريدةٍ قال فيها: "كلا يا ليندسي، لقد كان علامة قوة لا يفهمها بعض الناس".
ويبدو أنَّ مسؤولي الإدارة الأمريكية فكروا في أنَّ انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، الأسبوع المقبل، سيتيح للمسؤولين الأمريكيين فرصةً للقاء قادة دول العالم ومناقشة الخطوات التالية.
وقال المصدر المطلع على مناقشات البيت الأبيض، إنَّه من المستبعد أن يُتَّخَذ أي إجراءٍ قبل ذلك.
جديرٌ بالذكر أنَّ الهجوم، الذي أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عنه، أجبر شركة أرامكو السعودية الحكومية على تخفيض إنتاجها إلى النصف، وهو ما جعل السوق العالمية تفقد أكثر من 5% من كمية النفط الخام المتاحة للاستهلاك اليومي.
وقال المصدر إنَّ الإدارة الأمريكية فكَّرت في شنِّ هجماتٍ سيبرانية على مصافي النفط الإيرانية بعد إسقاط طائرة أمريكية من دون طيار بمضيق هرمز في يونيو/حزيران الماضي، لكنَّه أكَّد عدم وجود أي تفكير جدِّي بالوقت الراهن في إعادة طرح هذه الخيارات.
وقد ذكر ترامب مراراً أنَّ المملكة العربية السعودية هي المسؤولة عن تحديد الإجراءات المُقبلة، مضيفاً أنَّه ليس في عجلة من أمره.
إذ قال للصحفيين يوم أمس: "علينا أن نجلس مع السعوديين ونتوصل إلى قرارٍ ما. لقد كان هذا هجوماً على المملكة العربية السعودية، وليس هجوماً علينا".
وأضاف: "لدينا كثير من الخيارات، لكنني لا أنظر إلى الخيارات الآن. نريد أن نتيقن من هوية مُنفذي الهجمات. نعمل الآن مع المملكة العربية السعودية… وسنرى ما سيحدث".
وقال بعض مسؤولي وزارة الدفاع كذلك، إنَّ القيادة المركزية الأمريكية لم تقدم أي طلبات إضافية لتعزيز القوات بالمنطقة في أعقاب الهجوم، وإنَّ وضع القوات الأمريكية في المنطقة لم يشهد تعديلات.
لكنَّ نائب الرئيس الأمريكي، مايك بِنس، أوضح يوم أمس أنَّ الرد العسكري هو أحد الخيارات.
إذ قال: "في أعقاب الهجوم غير المبرر الذي وقع في نهاية الأسبوع الماضي، على عديد من المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، أؤكد لكم أنَّنا مستعدون. وكما قال الرئيس، لا نريد حرباً مع أي طرف، لكنَّ الولايات المتحدة مستعدة، ونحن على أهبة الاستعداد"، في حين وصف الجيش الأمريكي بأنَّه أفضل قوة قتالية تجهيزاً وتدريباً، والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم".
وفي خطابٍ ألقاه بمؤسسة Heritage Foundation الفكرية، قال بنس إنَّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعمل على "مراجعة أدلة" الهجوم، وأعلن أن بومبيو سيسافر إلى المملكة العربية السعودية في وقتٍ لاحق من اليوم، للتشاور مع حكام المملكة.
وترامب يرفض مقابلة روحاني
وجاءت تصريحات بِنس، في الوقت الذي تراجع فيه ترامب، وهو في طريقه إلى كاليفورنيا، عن تصريحاتٍ سابقة تشير إلى استعداده للقاء مسؤولين إيرانيين، إذ أخبر الصحفيين بأنَّه لم يعد مهتماً بلقاء الرئيس حسن روحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال ترامب: "لا أستبعد أي شيء أبداً، لكنني أفضِّل عدم مقابلته".
وكذلك استبعد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي تحدث يوم أمس أيضاً، هذا الاحتمال، قائلاً إنَّه لن تكون هناك "مفاوضات مع الولايات المتحدة على أي مستوى". ولم يترك المرشد الأعلى الإيراني سوى احتماليةٍ ضئيلة لإجراء محادثات متعددة الأطراف في المستقبل "إذا تبرَّأت الولايات المتحدة من أفعالها، وتابت وعادت إلى المعاهدة النووية التي انتهكتها"، وإلَّا فالحكومة الإيرانية لن تجتمع مع أي من المسؤولين الأمريكيين، "لا في نيويورك ولا في أي مكان آخر"، على حد قوله.
وفي السياق نفسه، اتهم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف نظيره بومبيو بممارسة "الخداع الأقصى"، وقال إنَّ المسؤولين الأمريكيين في "حالة إنكارٍ للواقع" إذا كانوا يعتقدون أنَّ الحوثيين اليمنيين لن يردوا على المملكة العربية السعودية بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب التي دفعت ملايين المدنيين اليمنيين إلى حافة المجاعة.
أمريكا تمتلك أدلة عن منفّذ الهجمات
ومن جانبه صرَّح هوغان غيدلي، نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، للصحفيين يوم أمس، بأنَّ الإدارة الأمريكية "لا تستطيع أن تؤكِّد تأكيداً قاطعاً" أنَّ إيران كانت وراء الهجوم على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، وأنَّها ما زالت تحاول إقناع الشعب الأمريكي بذلك.
في حين صرَّح مسؤولٌ دفاعي لشبكة CNN الأمريكية، بأنَّ الولايات المتحدة لديها صورٌ تشير إلى أن الهجوم انطلق من داخل إيران، وضمن ذلك أدلةٌ على وجود أسلحةٍ داخل البلاد جرى تجهيزها للإطلاق. ولم تعرض شبكة CNN هذه الصور.
وبينما تتعافى المملكة العربية السعودية من عواقب الهجوم، قال مسؤولٌ دفاعي أمريكي لشبكة CNN إنَّ الولايات المتحدة لديها فريق من خبراء الأدلة الجنائية يعملون على الأرض وفي مسرح الحادث، للمساعدة في تحليل موقع الهجوم والصواريخ غير المنفجرة التي لم تصل إلى أهدافها المقصودة.
في حين قال مسؤولٌ أمريكي آخر على درايةٍ مباشرة بأحدث المعلومات، إنَّ المملكة العربية السعودية حصلت على لوحات دوائر إلكترونية سليمة تماماً من أحد الأسلحة المستخدمة في الهجوم، وإنَّ الهجوم شهد استخدام طائراتٍ من دون طيار وصواريخ كروز. ولم تشاهد شبكة CNN أدلةً تدعم هذه الادِّعاءات.
وأضاف المسؤول أنَّ السعوديين والولايات المتحدة يتوقعون أن يستطيعوا تتبُّع منشأ لوحات الدوائر الالكترونية والتيقن من أنها جاءت من إيران، مشيراً إلى أن المسارات التي اتخذتها الصواريخ أو الطائرات من دون طيار تجنَّبت المناطق التي تزداد فيها قوة تغطية أنظمة الرادار الأمريكية والسعودية، وأنَّ الهجوم كان متطوراً.
الحوثيون "لديهم القدرة"
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إنَّ الحوثيين ليست لديهم القدرة على الوصول إلى ذلك المدى من اليمن.
وأضاف: "لم يستخدم الحوثيون قَط هذا النوع من الطائرات من دون طيار، فضلاً عن أنَّ الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز المستخدمة في الهجوم لا تستطيع الوصول إلى هذه المنشآت من اليمن. هذا مستحيل".
غير أنَّ الأمم المتحدة تقول خلاف ذلك، إذ أصدر مسؤولو الأمم المتحدة تقريراً في يناير/كانون الثاني الماضي، يقول إنَّ قدرات الطائرات من دون طيار التي يستخدمها الحوثيون يبدو أنَّها أصبحت أكثر تطوراً بشكلٍ ملحوظ في العام الماضي، وصارت قادرة على الانتقال مسافاتٍ تضع أهداف المملكة العربية السعودية في نطاقها، وعلى إلحاق ضررٍ أكبر بكثير من طائراتهم السابقة التي يصل مداها الأقصى إلى 150 كيلومتراً فقط.
وقال التقرير عن الطراز الجديد للطائرات من دون طيار التي يستخدمها الحوثيون: "الميزة الأكثر تميُّزاً لطائرة طراز UAV-X هي قدرتها المرتفعة على التحمل وزيادة المدى الذي يمكن أن تصل إليه"، مضيفاً أنَّ "مداها الأقصى قد يتراوح بين 1200 كيلومتر و1500 كيلومتر، وفقاً لظروف الرياح. وهذا سيُضفي مصداقيةً على مزاعم الحوثيين بأنَّ لديهم القدرة على ضرب أهدافٍ مثل الرياض وأبوظبي ودبي".