مسألة زيادة متوسط أعمار البشر ترتبط بعوامل كثيرة، أبرزها ما يؤثر بشكل مباشر على الصحة العامة للإنسان، لكن الأشخاص الذين نسميهم معمرين، أي أولئك الذين يعيشون أكثر من مائة عام يمثلون مادة دسمة للباحثين في علوم الإنسان، لماذا؟
الإجابة تصدى لها باحثون من جامعة جنوب الدنمارك هما أنتوني ميدفورد، باحث في مرحلة ما بعد درجة الدكتوراه، وجيمس ووبيل، أستاذ الديموغرافيا وعلم الأوبئة، وكاري كريستنسن، مدير مركز أبحاث الشيخوخة الدنماركي، ونشرها موقع صحيفة هافينغتون بوست البريطانية، تحت عنوان "كم يمكن أن يعيش البشر؟" .
في جميع أنحاء العالم يعيش الناس أعواماً أكثر وأكثر
على الرغم من وجود حالات زيادة وانخفاض، إلا أن متوسط العمر المتوقع كان دائماً في ازدياد مطرد، وقد تضاعف في القرنين الأخيرين، ونتجت هذه الزيادة عن انخفاض معدل وفيات الرضع، ومع ذلك، منذ خمسينيات القرن العشرين، كان السبب الرئيسي هو تخفيض معدل الوفيات في الأعمار المتقدمة.
على سبيل المثال، في السويد، حيث تم جمع البيانات الديموغرافية منذ منتصف القرن السادس عشر وكانت شاملة للغاية، زاد متوسط العمر المتوقع منذ حوالي 150 عاماً.
لوحظت زيادة العمر المتوقعة في أماكن أخرى كثيرة، مثل أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان.
من هم المعمرون؟
وقد ساهم ذلك في الزيادة السريعة في عدد المعمّرين (أولئك الذين يصل عمرهم إلى 100، أو حتى 110 أعوام أو أكثر).
كان خِيرت أدريان بومبانارد، التي توفي في عام 1899 في عمر 110 سنوات وأربعة أشهر، أول من تجاوز حاجز المائة (أكثر من 110 أعوام)، وقد تجاوز البعض الآخر هذا الرقم.
توفيت مارغريت آن نيف، أول امرأة تخطت حاجز المائة في عام 1903 في عمر 110 أعوام و10 أشهر، وحافظت على الرقم القياسي لمدة 23 عاماً تقريباً، حتى توفيت ديلينا فيلكينز في عام 1928 في عمر 113 عاماً وسبعة أشهر، ولم يُحطَّم رقمها على مدار 52 سنة.
والآن، تحتفظ الفرنسية جين كالمنت بالرقم القياسي؛ إذ توفيت في 4 أغسطس/آب 1997 عن عمر 122 عاماً و5 أشهر.
على الرغم من الزيادة الهائلة في عدد الأشخاص الذين تجاوزوا المائة منذ سبعينيات القرن الماضي، ومازالوا، لكن من المحتمل ألا يستمر ذلك لفترة أطول.
البقاء حتى عمر المائة
على الرغم من أن هذا الاتجاه لزيادة العمر المتوقع واسع الانتشار، إلا أنه لا يمكن اعتباره أمراً مُسَلّماً به؛ إذ تشير آخر التحسينات في معدلات الوفيات في الدنمارك، بعد فترة من التراجع، إلى زيادة متوسط العمر المتوقع.
وفي المقابل، كان هناك انخفاض في عدد الأشخاص ذوي الأعمار الأكبر في السويد.
درسنا 16931 شخصاً مُعمّراً (10955 سويدياً و5976 دنماركياً) من مواليد 1870 و1904 في الدنمارك والسويد، والبلدان المجاورة ذات الروابط التاريخية والثقافية الوثيقة، للتأكد مما إذا كانت شكوكنا حقيقية.
على الرغم من أن معدل الوفيات في السويد أقل عموماً من الدنمارك في معظم الأعمار، إلا أننا لم نجد أدلة على أنه قد ارتفع في السنوات الأخيرة.
على العكس من ذلك، لاحظنا في الدنمارك أن المعمّرين يموتون بشكل متزايد، وأن العمر الذي يعيش فيه 6% فقط من المعمرين قد زاد بشكل مطرد خلال فترة الدراسة.
تتشابه الدنمارك والسويد في جوانب عديدة، على الرغم من الاتجاه المختلف فيما يتعلق بالعمر المتوقع، هذا التباين قد يرجع لأسباب مختلفة، ليس من السهل استكشافها.
أنظمة الصحة
أولاً، هناك اختلاف في الأحوال الصحية بين السكان المسنين، وتُظهر أحدث الأبحاث التي أجريت على نساء معمرات في الدنمارك تحسينات صحية، تقاس بأنشطة الحياة اليومية ADLs (المهام الأساسية اللازمة لحياة مستقلة، مثل الاستحمام أو ارتداء الملابس).
وعلى النقيض من ذلك، فإن هذا الاتجاه لدى كبار السن أقل مدعاة للتفاؤل في السويد، ووجدت إحدى الدراسات عدم وجود تحسِّن في مؤشر ADL، مع تراجع الحركة والإدراك والأداء.
لذلك، فإن الفرق بين النظامين الصحيين، وخاصة في الآونة الأخيرة، يمكن أن يفسر الفرق إلى حد ما.
انخفض الإنفاق على الخدمات العامة في السويد في أوائل التسعينيات، بسبب سلسلة من الأزمات الاقتصادية، وتأثرت الخدمة الصحية للمسنين.
على سبيل المثال، علاج كبار السن في المستشفيات؛ إذ نُقلوا من المستشفيات إلى دور رعاية المسنين، وتم تقليل عدد الأَسرّة في دور الرعاية.
كل هذا يعرّض بعض كبار السن للخطر، وخاصة أولئك الذين يعانون من ظروف اجتماعية اقتصادية أقل.
بالإضافة إلى ذلك، اتبع البَلَدان منذ ذلك الحين مسارات مختلفة في رعاية المسنين؛ إذ تميل السويد إلى التركيز على الأشخاص الأكثر ضعفاً، بينما يمتد تركيز الدنمارك إلى نطاق أوسع إلى حد ما.
ما المطلوب لكي تكون معمراً؟
تشير بعض الدراسات إلى أن النهج السويدي قد أسفر عن حرمان الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى الرعاية، وأن الفئات الأفقر من كبار السن تعتمد بدرجة أكبر على رعاية الأسرة، والتي قد تكون ذات جودة منخفضة.
الأشخاص الذين يصلون إلى أعمار عالية للغاية هم مجموعة مختارة، وهم معمّرون بطبيعة الحال، ربما، نظراً لقدرتهم على الصمود والبقاء المتأصلة في تكوينهم وطريقة عمل أجسادهم، ولهم فرص أكبر في الاستفادة من التحسينات في الظروف المعيشية والتكنولوجيا.
تقترح دراستنا المقارِنة بعضَ الأشياء المثيرة للاهتمام بالنسبة لبلدان أخرى، خاصة ذات الاقتصادات الناشئة أو النامية.
توضح هذه النتائج أنه من الممكن إطالة متوسط العمر المتوقع إذا كان هناك تحسن في صحة كبار السن وإذا كان هناك نظام رعاية جيد متاح.
في الواقع، إذا كان الأمر كذلك، فستستمر ثورة زيادة العمر البشري لفترة من الوقت.