قلق كبير أصاب الجيش الإسرائيلي من عملية "دوليف" التي وقعت الجمعة الماضية بالضفة، إذ يخشى أن تكون بداية لمرحلة جديدة، فمن يقف وراء هذه العملية؟، ولماذا تختلف عن العمليات الأخرى السابقة.
كان واضحاً أن الضفة الغربية تعيش على صفيح ساخن مع بداية هذا العام، لاسيما منذ فبراير/شباط الماضي حين أوقفت الحكومة الإسرائيلية دفع أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، التي هددت بتخفيف قبضة أجهزتها الأمنية على المنظمات الفلسطينية، وإمكانية تضرر التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وشهدت الضفة الغربية منذ أشهر عديدة تنفيذ سلسلة عمليات مسلحة وهجمات فدائية، استهدفت جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، تنوعت بين طعن بالسكاكين ودهس بالسيارات وإطلاق النار، أوقعت قتلى وجرحى إسرائيليين، غلب عليها الطابع الفردي، دفعت بالمخابرات الإسرائيلية لتصف منفذيها بـ"الذئاب المنفردة".
جاء يوم الجمعة 22 أغسطس/آب 2019، ليشهد تنفيذ عملية مسلحة نوعية وغير مسبوقة منذ سنوات طويلة، تمثلت بتفجير عبوة ناسفة عن بعد في سيارة للمستوطنين بمستوطنة دوليف قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، أسفرت عن قتل مستوطنة وإصابة اثنين بجروح متفاوتة.
وقد نشرت قوات الاحتلال بعدها تعزيزات كبيرة بالمنطقة، وشرعت في مطاردات واسعة في محاولة للقبض على من قاموا بتنفيذ هذه العملية.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول في الأجهزة الأمنية، قوله إن العبوة الناسفة تم زرعها على نحو لا يثير الشبهات في الطريق المؤدية إلى عين الماء الطبيعية قرب مستوطنة "دوليف"، من قبل خلية فلسطينية، ولم يتم إلقاؤها على الإسرائيليين كما تحدثت التقارير الأولية.
وأوضح أن العبوة دفنت في الطريق، وانفجرت عندما كانت العائلة داخل المركبة قبيل الوصول إلى عين الماء القريبة.
ولفت المسؤول الأمني إلى مخاوف الاحتلال من استلهام وتنفيذ عمليات مشابهة، أو من احتمال أن تكون الخلية المزعومة قد زرعت بالفعل عبوات ناسفة أخرى في مواقع استجمام طبيعية في أرجاء الضفة الغربية.
وأشارت التحقيقات الأولية للجيش، في وقت لاحق، إلى أن زراعة العبوة الناسفة في المنطقة المؤدية إلى عين الماء تمت بواسطة خلية تتكون من عدة أشخاص.
وبحسب التحقيقات، فإن الخلية فجّرت العبوة الناسفة عن بعد عشرات الأمتار، قبل أن تنسحب من المكان.
لماذا أقلقت عملية "دوليف" الجيش الإسرائيلي لهذا الحد؟
شكلت عملية دوليف مفاجأة إسرائيلية ثقيلة العيار، لعدة أسباب.
بسبب دقتها وخطورتها.
لأنها استخدمت أسلوباً غير معهود.
لأنها لم تترك بصمات المنفذين خلفها.
توقيتها أصاب الدعاية الانتخابية لمعسكر اليمين وقائده بنيامين نتنياهو في مقتل.
موقف الحركات الفلسطينية
فور تنفيذ عملية دوليف، باركتها حماس، واعتبرتها "مؤشراً على برميل البارود الذي يتفجر بسبب القدس، وتدلل أن الشعب الفلسطيني لن يعدم وسائل المقاومة: بالسلاح والسكين والدعس والتفجير".
وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن "العملية تجعل المقاومة بكل أشكالها بتصاعد مستمر، وأن خيار المقاومة باق ويتمدد"، ورأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن "العملية النوعية استمرار لخط المقاومة المسلحة، والقدرة على اختراق العمق الإسرائيلي، رغم الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المعقدة، واستمرار التنسيق الأمني".
واعتبرتها لجان المقاومة الشعبية العملية "نقلة نوعية في أداء المقاومة بالضفة الغربية، وضربة أمنية وعسكرية لمنظومة الأمن الإسرائيلية"، ولاذت حركة فتح التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالصمت إذ لم تؤيد العملية ولم تدنها!.
تفاصيل تظهر الطبيعة المعقدة للعملية
وأظهر التحقيق أن الخلية مكونة من أكثر من شخص، زرعت العبوة في الطريق المؤدية للمستوطنة، وعند مرور مركبة المستوطنين من فوقها، فجروها عن بعد عشرات الأمتار، وانسحبوا من المكان، مما يعني أن المخططين لم يعتمدوا على الحظ، بل عرفوا المكان جيداً، وعلموا بالاختناقات المرورية، وأدركوا مستوى الأمن بطريقة تمكنهم من الانسحاب بسلام.
وكشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية أوائل 2018 أكثر من 12 عبوة ناسفة كبيرة وضعت على طريق بمدينة طولكرم شمال الضفة، لتشغيلها عن بعد، ومن خلال معاينتها اتضح أن خلية مدربة وضعتها، اختارت المكان جيداً، وأجرت فحصاً ميدانياً له، لمعرفة متى يمكن لدوريات الجيش الإسرائيلي أن تمر بالطريق
هل أثرت على فرص نتنياهو في الانتخابات؟
تأثير العملية على الساحة السياسية الإسرائيلية ليس كبيراً، حسب قال علاء الريماوي، المحلل السياسي الفلسطيني، والمدير السابق لقناة القدس الفضائية، لـ"عربي بوست".
فما زال معسكر اليمين متماسكاً، ويمنح نتنياهو زمام المبادرة في إدارة الملف الأمني، ورغم أن الانتخابات تبقى لها أقل من 25 يوماً، فما زالت استطلاعات الرأي تفضله، رغم أن الأوضاع الأمنية القادمة مرشحة لأن تشهد مزيداً من العمليات الفردية أو التنظيمية الموجهة".
رجحت التقديرات الإسرائيلية أن العملية تمت على بعد عشرات الأمتار، مما يجعلنا أمام هجوم دقيق احتاج تخطيطاً مسبقاً، ومعاينة للموقع، ومراقبة حثيثة، وتجربة وتدريباً لمراعاة التوقيت.
صفعة لنتنياهو المشغول بإيران
وتعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بمواصلة تعميق الاستيطان في الأراضي المحتلة رداً على العملية.
فقد اعتبرها وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان صفعة في وجه نتنياهو وحكومته، أما بتسلئيل سموتريتش وزير المواصلات فقال أنه بينما نحن مشغولون في إيران وغزة، فإن اليهود يستهدفون أسبوعاً تلو الآخر في الضفة.
وبدأ الأمن الإسرائيلي بتفريغ ومعاينة تسجيلات كاميرات المراقبة، فيما عزز الجيش تواجده العسكري في الضفة، وكثف من عمليات مداهمات واقتحامات واسعة، ونصب الحواجز، وممارسة ضغوط ميدانية قد تتسبب بارتكاب الخلية الفلسطينية لأخطاء تؤدي لتحديد مكانها.
من يقف وراء العملية؟
العملية وقعت في ذروة الجهود التي تبذلها حماس بالضفة لتنفيذ عمليات مسلحة، حسبما قال علاء الريماوي.
ولفت إلى مؤشرات عديدة قد تشير لدور لحماس أهمها حملات الاعتقالات في صفوفها، والكشف عن مجموعاتها العسكرية المنتشرة بعدة مناطق من الضفة، كما وضعت السلطة الفلسطينية يدها على خلايا مسلحة للحركة وأسلحة ومواد تفجيرية، ومنها قذائف آر بي جي وأحزمة ناسفة، متزامنا مع الضخ الإعلامي الذي تبثه حماس للتشجيع على تنفيذ العمليات".
وأضاف أن "غالبية منفذي العمليات الأخيرة في الضفة ينتمون لحماس، لكن عملية اليوم شديدة التعقيد، وليست عادية، فهي دقيقة التنفيذ، لم تترك خلفها آثاراً تدل على الفاعلين".
رامي أبو زبيدة، الخبير العسكري بالمعهد الفلسطيني للدراسات الاستراتيجية، قال لموقع "عربي بوست" إن "العمليات الأخيرة في الضفة لا تزال تتسم بالطابع الفردي، لكنها تتسبب بقلق كبير للقيادة الإسرائيلية، بسبب صعوبة عمل إجراءات استباقية ضدها.
ويقول "يبدو أن حماس تستثمر هذه العمليات، وتوظفها بشكل مناسب، لإعادة دورها لصدارة العمل المقاوم بالضفة، واسترجاع بنيتها التحتية، كي ترفع كفاءة المقاوم الفرد، ومن حسّه الأمني ووعيه العسكري، وحسن اختياره للأهداف، وصولاً للتطور من الخلية الفرد إلى الخلية المكونة من أفراد" حسب قوله.
وأضاف أن "الضفة تمثّل قنبلة موقوتة دائماً ما تفاجئ الاحتلال، وعملية دوليف تعني أننا أمام تطور نوعي في أداء مقاومة الضفة، يخشى الاحتلال انتشاره، لذلك سيسعى لتركيز عمله الاستخباري، وتقوية تعاونه الأمني مع السلطة الفلسطينية.
وقال "من دلالات العملية أن منفذيها يطورون أداءهم يوماً بعد يوم، وعملية بعد عملية، ويستمدون قدراً أكبر من الشجاعة، ويستفيدون من الأخطاء السابقة، ويفكرون بطرق ووسائل جديدة.
ولفت إلى أن استخدام العبوات الناسفة يحمل بعداً عسكرياً وتنظيمياً في نواحي التخطيط والرصد، ودقة التنفيذ وتحديد الهدف، مما يعطي نتائج ميدانية كبيرة في استنزاف قدرات الاحتلال، يصعب عليه تحمل استمرارها".
حماس تحاول نقل تجربتها من غزة إلى الضفة
عماد أبو عواد، خبير الشئون الإسرائيلية بمركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، قال لموقع "عربي بوست" إن "غالبية العمليات في الضفة فردية يبادر إليها الفلسطينيون، دون توجيه من تنظيمات بعينها، لكن جزءاً كبيراً منهم ينتمي فكرياً لحماس.
وقال إن عمليات الضفة منذ ٢٠١٤ لم تتوقف، بل هناك عملية تقع شهرياً يقتل فيها إسرائيلي، لكن استخدام عبوة ناسفة تطور كبير، مما يشجع الحديث عن خلية مسلحة تقف وراء العملية، وكل ذلك يؤكد أن ساحة الضفة غير هادئة، ويتوقع لها المزيد من العمليات".
وتضمنت العمليات التي شهدتها الشهور السابقة محاولات لاختطاف جنود، وعمليات استشهادية، وزرع عبوات ناسفة، وتنفيذ عمليات دعس وطعن، وإلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة على الجيش والمستوطنين.
ورغم أن إسرائيل لم توجه حتى الآن اتهاماً محدداً لحماس بتنفيذ العملية، لكنها وضعت يدها مؤخراً على خلايا لها عملت بتوجيه من غزة للتخطيط لعمليات اختطاف وإطلاق نار وطعن، ووضع عبوات ناسفة على جوانب طرق الضفة، وهي عبوات ممتلئة بالمسامير والقطع الحديدية لتوقع أكبر عدد ممكن من الإصابات والقتلى الإسرائيليين.
وتم تدريب عناصر حماس بالضفة على تركيبها وتشغيلها عبر مهندسي حماس بغزة عبر الإنترنيت والواتساب، وحاولت حماس في غزة إرسال أحد خبرائها التنفيذيين لإنتاج عبوات ناسفة، تحضيراً لجولة جديدة من العمليات القادمة.