كان إعلان أسرة وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، نبيل شعث، عن احتجاز السلطات المصرية نجله رامي، مفاجئاً للقراء سواء في مصر أو فلسطين. المفاجأة لا تتعلق بإلقاء القبض على هذا الناشط ضد التطبيع مع إسرائيل، ولا كونه يحمل الجنسيتين المصرية والفلسطينية، ولا كونه نجل أحد قيادات السلطة الفلسطينية.
لكن ما أثار الدهشة هو توقيت الإعلان الذي جاء بعد مرور قرابة شهر ونصف من لحظة اعتقال رامي شعث، مما أثار التساؤلات حول السبب وراء الكشف عن هذا الأمر الآن تحديداً، والسبب وراء انتظار أسرته لكل هذه الفترة.
في يوم 5 يوليو/تموز 2019، وفي تمام الساعة 1:45 صباحاً، اقتحم عدد كبير من رجال الأمن المدججين بالسلاح منزل الناشط السياسي رامي شعث. لم يكن مع هؤلاء أي وثيقة قانونية، لكنهم قاموا بتفتيش المنزل بدقة وصادروا كافة الهواتف المحمولة واللاب توبات الموجودة في المنزل، ثم اقتادوا كلاً من رامي وزوجته التي تحمل الجنسية الفرنسية، معهم.
وفي صباح اليوم التالي تم ترحيل زوجته سيلين ليبرون إلى بلادها على أول طائرة غادرت القاهرة، وظل رامي غير معلوم مكانه لمدة 36 ساعة، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة.
إذاً، لماذا اعتقل ابن وزير خارجية فلسطين السابق؟ ولماذا ظل الخبر قيد الكتمان طيلة هذه المدة؟ وما حقيقة الوساطات التي تدخلت لصالحه؟ هذه أسئلة نجيب عنها في التقرير التالي.
لماذا اعتقل رامي شعث؟
تحدث "عربي بوست" مع مختار منير، محامي رامي شعث، والذي كشف عن أن التهم الموجهة إلى رامي في القضية 930 المعروفة إعلامياً باسم تنظيم الأمل هي نشر أخبار كاذبة، والتنسيق مع جماعة محظورة.
وأوضح أن رامي حالياً قيد الحبس الاحتياطي لحين انتهاء التحقيقات.
لكن إذا كانت تلك هي التهم الرسمية الموجهة لشعث، فعلى الجانب الآخر يؤكد المقربين من رامي أن هذه التهم ليست حقيقة وأن "الأمن المصري يعلم هذا جيداً"، وإن اعتقال رامي جاء عقاباً له على نشاطه البارز هو وزوجته في "حركة مقاطعة إسرائيل" BDS.
وأوضحت سيلين ليبرون، زوجة رامي شعث، في حديثها مع "عربي بوست" أن علاقة رامي بالسياسة المصرية الداخلية متوقفة منذ مدة ليست بالقليلة، وأن نشاطه كله مركز على حركة مقاطعة إسرائيل.
وأضافت أنها هي الأخرى ناشطة في نفس حركة BDS، وأن كل ما كان يشغلها هي وزوجها مؤخراً هو ذلك الملف، ولذلك "لا يمكن لعاقل تصور أن عقابنا أنا وزوجي بالاعتقال والترحيل من قبل السلطات المصرية قد جاء لسبب آخر.
وأكدت في حديثها بشكل حاسم أن فكرة أن رامي كان على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين أو أنه كان يسعى لقلب نظام الحكم "محض عبث"، على حد تعبيرها.
واختتمت ليبرون حديثها بالقول إنها تعمل معلمة بمصر وزوجها رجل أعمال ناجح، لكن في لحظة "قرر الأمن الوطني المصري تدمير حياتنا، إبعاداً واعتقالاً ليس لشيء سوى أننا نطالب بمقاطعة إسرائيل".
ورامي شعث هو ابن نبيل شعث القيادي الفلسطيني البارز وعضو اللجنة المركزية في حركة فتح، والذي شغل وزير الخارجية الأسبق للسلطة الوطنية الفلسطينية، وعمل نائباً لرئيس الوزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية. وحالياً يشغل منصب مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية ورئيساً "لدائرة المغتربين".
ويبلغ رامي من العمر 48 عاماً، وكان يقيم في القاهرة مع زوجته الفرنسية، وشارك في العمل السياسي في مصر، حيث انضم إلى تحالف الناشطين الذين انخرطوا في ثورة "25 من يناير" عام 2011.
وعمل رامي أميناً عاماً لحزب الدستور قبل تأسيسه الرسمي. وفي عام 2015، شارك في تأسيس حركة مقاطعة إسرائيل في مصر.
كلمة السر: مؤتمر بيروت
ما قالته زوجة رامي يتماشى مع ما ذكرته إحدى عضوات حركة BDS المقربة منه، والتي رفضت التصريح باسمها لأسباب أمنية.
وقالت في حديها لـ"عربي بوست" إن نشاط رامي في الـ10 أيام الأخيرة قبل القبض عليه يكشف بوضوح عن سبب ضيق الأمن المصري منه".
رامي سافر إلى بيروت للمشاركة في "منتدى السيادة من أجل السلام والازدهار حول المؤتمر الخياني في البحرين الممهد لصفقة القرن" والذي عقد يوم 24 يونيو/حزيران 2019، أي قبل حوالي 10 أيام من إلقاء القبض عليه.
يذكر أن مستضيف المؤتمر هو "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية"، وهو تنظيم سياسي إسلامي بحريني محسوب ضمنياً على حزب الله اللبناني.
وبحسب ما تشير اللقطات المصورة التي نشرت من داخل المنتدى، فقد تحدث شعث بأريحية شديدة في هذا المنتدى عن صفقة القرن، ووجه اتهامات واضحة للأنظمة المشاركة في مؤتمر البحرين، ومن ضمنها مصر، بالخيانة.
وشجع رامي خلال كلمته بالمؤتمر على توسعة الكفاح المسلح في البلاد العربية ضد إسرائيل.
وعلى هامش المؤتمر تحدث رامي بوضوح وصوت مرتفع عن نقطتين أساسيتين: صفقة الغاز المصري الإسرائيلي، ودعم النظام المصري لخطوات جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبعد 9 أيام تقريباً، وعقب عودته لمصر، تم اعتقال رامي هو وزوجته.
هنا كان يبدو أن الرسالة واضحة، كونك ابن نبيل شعث هذا لا يعني أننا سنسمح لك في الاستمرار بمهاجمتنا أو مهاجمة سياساتنا بهذه النبرة العالية. ومن غير المقبول وجود أصوات عالية في القاهرة أصلاً، حتى وإن كان هجومك منصباً على سياستنا صوب الملف الفلسطيني – الإسرائيلي لا الداخل المصري.
لماذا صمتت العائلة كل هذه المدة؟
اعتقال رامي وقع في 5 يوليو/تموز، بينما إعلان أسرته عن ذلك الخبر تم في 22 أغسطس/آب، أي أننا نتحدث عن قرابة الشهر ونصف التزمت فيها الأسرة الصمت التام، وأحاطت خبر اعتقال نجلها بالسرية التامة.. فلماذا؟
أكثر من مصدر مقرب من دوائر أسرة شعث، أوضح لـ"عربي بوست" أن تلك السرية كانت قراراً مباشراً من والده نبيل شعث، مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية.
الوالد كان يرى أن ابنه شخصية لها مكانة إقليمية، فضلاً عن مكان نبيل نفسه كوزير خارجية سابق ومستشار حالي للرئيس الفلسطيني، وهو ما يجعل من الأفضل إخفاء الموضوع إعلامياً لتجنب إحراج النظامين المصري والفلسطيني.
بمعنى آخر فإن نبيل شعث كان يريد إفساح المجال للوساطات المباشرة لإخراج ابنه من السجن.
هذا بالفعل هو ما استجابت له الأسرة، وتحرك نبيل في هذا الاتجاة مرسلاً وزير المخابرات الفلسطيني "ماجد فرج" إلى القاهرة في 7 يوليو/تموز، ليلتقي باللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة المصرية في محاولة منه لتسوية الأمر ودياً.
وبالفعل التقى ماجد فرج بعباس كامل، الذي وعده بأن رامي سيعود إلى منزله خلال ساعات، وأن الأمور لن تتعقد.
لكن الأيام أخذت تمر، والجانب الفلسطيني يحصل على وعود وجمل من نوعية "إن شاء الله" و"ربنا يسهل".
حتى جاء يوم 20 أغسطس/آب، الذي كان موعد جلسة التجديد لحبس رامي، فوعدت المخابرات العامة المصرية الجانب الفلسطيني قبلها مباشرة أنه لن يجدد قرار الحبس لرامي، وأنه سيعود إلى منزله.
لكن الأسرة تفاجأت بقرار تجديد الحبس 15 يوماً أخرى، وهنا أيقن الجميع أن وعود مصر لنبيل شعث لم تكن سوى تسويف، لذا قررت الأسرة نقل المعركة إلى مربع آخر وهو الإعلام بإعلانها عن اعتقال ابنهم في محاولة للضغط على النظام المصري على أمل إخراج ابنهم.
وعلاقة أسرة نبيل شعث بمصر قديمة وتمتد إلى زمن جمال عبدالناصر حيث عمل في عهدة كأستاذ في المعهد القومي للإدارة العليا بالقاهرة والذي كان تابعاً بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية، وقد كرمه ناصر بمنحه الجنسية المصرية، والتي انتقلت منه لأبنائه الثلاثة: علي شعث، رائد البرمجيات في مصر ومؤسس "مؤسسة التعبير الرقمي العربي – أضف"، ورانده شعث المصورة الفوتوغرافية، بالإضافة إلى رامي.
ويذكر أن الثلاثة مقيمون بالقاهرة، وهم نشطاء بارزون في اليسار المصري.