حذَّر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اليوم الثلاثاء 20 أغسطس/آب 2019، نظام بشار الأسد من "اللعب بالنار"، بعد استهداف رتل عسكري تركي شمال سوريا، مشيراً إلى أن أنقرة لن تسحب النقطة العسكرية التي كان الرتل يتوجه نحوها.
وقال أوغلو إن "على النظام السوري ألا يلعب بالنار وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا"، وأشار إلى أن بلاده تُجري اتصالات على كافة المستويات مع روسيا، بعد الهجوم الذي تعرَّض له الرتل التركي.
وأمس الإثنين، هاجمت قوات نظام بشار الأسد رتلاً عسكرياً تركياً أثناء توجهه إلى إدلب، ما أسفر عن وقوع ضحايا بين المدنيين.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان لها، إن 3 مدنيين قُتلوا وأُصيب 12 آخرون، جراء قصف جوي على رتل تابع للجيش التركي، أثناء توجهه إلى نقطة المراقبة التاسعة في إدلب، وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول.
وشدد الوزير التركي على أن بلاده لن تسحب نقطة المراقبة التاسعة التي كان الرتل المُهاجَم يتجه نحوها، وقال إن النقطة باقية في مكانها ولن تُنقل لمنطقة أخرى.
وأقامت تركيا، التي تدعم بعض جماعات المعارضة في شمال غرب البلاد، أكثر من عشرة مواقع عسكرية في المنطقة بموجب اتفاقات مع روسيا. ويأتي على رأس أولوياتها منع تدفق مزيد من اللاجئين السوريين، والذين يعيش نحو 3.6 مليون منهم بالفعل في تركيا.
وأرسلت تركيا الرتل العسكري في وقت تحتدم فيه المعارك بين النظام وحلفائه من جهة، وقوات المعارضة السورية من جهة أخرى عند مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وفي معاقل المعارضة بريف حماه الشمالي.
وتضاربت الأنباء، اليوم الثلاثاء، بشأن حقيقة السيطرة الفعلية للنظام على خان شيخون، فبينما قال نظام الأسد إنه وسَّع نطاق سيطرته على خان شيخون، كما ذكرت وسائل إعلام تابعة له طرد المعارضة منها، إلا أن هيئة "تحرير الشام" قالت إن مقاتليها لا يزالون في المدينة.
ويسعى النظام للسيطرة على المدينة من أجل محاصرة مقاتلي المعارضة في الرقعة الوحيدة التي يسيطرون عليها في محافظة حماة المجاورة، وانتشرت أنباء اليوم الثلاثاء أن مقاتلي المعارضة انسحبوا بالفعل من مناطقهم بريف حماة خشية محاصرتهم، بعد تقدم النظام في خان شيخون.
كما تسعى قوات النظام من خلال السيطرة على خان شيخون لفتح طريق حلب – دمشق الدولي الذي يمر من جانب المدينة، فيما تتزامن محاولات تقدم النظام وحلفائه مع قصف شديد تشنه طائرات النظام وروسيا على مدينة خان شيخون وبلدات ومدن أخرى بريف إدلب الجنوبي.
وكشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في تقرير، عن مقتل 781 مدنياً على الأقل، بينهم 208 أطفال، جراء غارات للنظام وحلفائه على خفض التصعيد، خلال المدة الواقعة بين 26 أبريل/نيسان 2019، وحتى 27 يوليو/تموز الماضي.
وسبق أن استهدف نظام الأسد في 4 أبريل/نيسان 2017 خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، ما أسفر عن مقتل 100 مدني على الأقل.
المنطقة الآمِنة شمال سوريا
وتأتي هذه التطورات، في وقت تواصل فيه تركيا وأمريكا مباحثاتهما لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وفي هذا السياق، قال أوغلو إن المسؤولين الأمريكيين بدأوا بالتوافد إلى تركيا وأن المحادثات جارية بشأن المنطقة الآمنة في الشمال السوري.
وأوضح أوغلو أن تركيا "لن تسمح لأمريكا بتكرار مسار المماطلة الذي حصل في اتفاق منبج"، وأضاف: "محادثاتنا مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة في سوريا ستستمر ولدينا خطة حال لم نتوصل إلى اتفاق"، دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل حول ذلك.
وجدَّد الوزير التركي انتقاده لواشنطن في دعمها قوات كردية في سوريا تعتبرها أنقرة إرهابية، وقال أوغلو: "لن نقبل بإلهاء الولايات المتحدة لتركيا وتقديمها السلاح لتنظيم ي ب ك /بي كا كا الإرهابي" .
رؤيتان متعارضتان للمنطقة الآمنة
وتختلف أمريكا وتركيا في رؤيتهما لحدود المنطقة الآمنة، فوفقاً للرؤية التركية، فإن المنطقة الآمنة تشمل المساحة الجغرافية الواقعة شمال الطريق الدولي M4 الاستراتيجي، الذي يربط الشمال السوري بعضه ببعض، وتضم هذه المنطقة مدناً وبلدات من ثلاث محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة، وتمتد على طول 460 كم، بعمق 32 كم على طول الحدود التركية السورية.
وأبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، وفقاً للرؤية التركية، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة).
كما تضم مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة). وكذلك ستضم المنطقة كلا من عين العرب (محافظة حلب)، وتل أبيض (الرقة).
لكن لا يبدو لدى الطرف الأمريكي الرغبة في منح تركيا هذه التفوق الاستراتيجي، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
وأضافت الوكالة "أن أمريكا عرضت على تركيا بعض المناطق المنفصلة عن بعضها البعض، بذريعة أن سكان تلك المناطق عرب وتركمان، مثل مدينة تل أبيض، ومدينة عين العرب، وبعمق 6 كم فقط" .
وأشارت إلى أن تركيا رفضت العرض الأمريكي جملةً وتفصيلاً، ليس لأنه لا يلبي حاجتها في حماية أمنها الاستراتيجي وحسب، بل لأن من شأنه إبقاء خطوط الدعم اللوجيستي بين بؤر الإرهاب، في قنديل (العراق) وشرق الفرات (سوريا) ومناطق جنوب شرق تركيا، سالكة مفتوحة.