الغاردين: إثيوبيون يواجهون الضرب والرصاص مع تنشيط «آلة الترحيل» السعودية

كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، عمَّا وصفته بـ "تنشيط آلة الترحيل" السعودية للإثيوبيين من المملكة، وقالت إنّ الرياض تقوم بترحيل 10 آلاف إثيوبي كل شهر منذ عام 2017.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/16 الساعة 21:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/16 الساعة 21:53 بتوقيت غرينتش
إثيوبيون ينتظرون الترحيل في السعودية/ رويترز

كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، عمَّا وصفته بـ "تنشيط آلة الترحيل" السعودية للإثيوبيين من المملكة، وقالت إنّ الرياض تقوم بترحيل 10 آلاف إثيوبي كل شهر منذ عام 2017.

تقول الصحيفة البريطانية، في تقرير نشرته، الجمعة 16 أغسطس/آب 2019، إنه حين اعتقلت الشرطة طيب محمد على الحدود الجنوبية للمملكة السعودية، صادرت جميع ممتلكاته وأشعلت فيها النيران.

كان المهاجر الإثيوبي غير المسجل ابن الخامسة والأربعين يحاول العبور من اليمن بعد رحلةٍ عبر الأحراش استمرَّت خمسة أيامٍ. وبعد عدة أسابيع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قال مسترجعاً القصة وهو يرتدي صندلاً ومنامةً: "أمروني بخلع ثيابي، أخذوا مني كلّ ما كان بحوزتي؛ الهاتف والملابس والنقود، وأحرقوها أمامي" .

ترحيل آلاف الإثيوبيين من السعودية كل شهر

وطيب هو واحد من نحو 10 آلاف إثيوبي يرُحَّلون كل شهر من السعودية منذ عام 2017، حين شنَّت السلطات هناك حملةً مشددةً للتخلص من المهاجرين غير المسجَّلين. وقد رجع 300 ألف شخص تقريباً إلى وطنهم، منذ شهر مارس/آذار من ذلك العام، وفقاً لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، إذ تحمل الطائرات الخاصة المرحَّلين إلى مطار أديس أبابا كل أسبوعٍ.

ولا يعرف عدد الإثيوبيين المقيمين في السعودية، لكن قبل بدء الحملة كان هناك ما يقرب من نصف مليون، غالباً ما يعملون بوظائف بسيطةٍ بخسة الأجر، في البناء والخدمة المنزلية. ويصل معظمهم إلى المملكة بعد خوض رحلة محفوفة بالمخاطر لعبور البحر الأحمر من جيبوتي إلى اليمن الذي مزَّقته الحرب، والذي لا يلقى كثيراً من الاهتمام الدولي، ولكنه يستقبل عدداً من المهاجرين غير المسجلين أكبر بكثيرٍ ممَّن يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبا. ومعظمهم يهربون من الفقر والبطالة في وطنهم.

وقد رُحِّل مئات آلاف الإثيوبيين في حملةٍ مشدَّدةٍ أخرى نُفِّذت بين عامَي 2013 و2014. ومع أن الأرقام أعلى هذه المرة، فلم يلقَ الموقف اهتماماً كبيراً. قال آدم كوغل من منظمة هيومن رايتس ووتش: "لقد منهجوا آلة الترحيل الآن" .

والمملكة لا تفرق بين المجرمين والمهاجرين

يعود المرحَّلون أمثال طيب إلى ديارهم صفر الأيدي، ويبلغون عن وقوع انتهاكاتٍ خطيرةٍ بحقهم من الشرطة السعودية وحراس السجون. وعاد بعضهم بحالةٍ صحيةٍ سيئةٍ للغاية، حتى إنهم توفُّوا بُعَيد وصولهم إلى المطار في أديس أبابا. وعانى بعضهم من جروح رصاصٍ لم تُعالَج.

والسعودية هي واحدة من دولٍ قلائل لم توافق على المعاهدات الدولية الرئيسية المرتبطة باحتجاز المهاجرين. ووفقاً لمركز Global Detention Project للأبحاث في جنيف، غالباً ما يكون الخط الفاصل بين احتجاز المهاجرين واعتقال المجرمين في السعودية مبهماً.

عاملات إثيوبيات في شوارع إحدى المدن السعودية/ رويترز
عاملات إثيوبيات في شوارع إحدى المدن السعودية/ رويترز

لا يوجد إشرافٌ مستقلٌّ على ممارسات الاحتجاز، وكانت آخر زيارة أجرتها منظمةٌ مستقلةٌ لحقوق الإنسان إلى أحد السجون في عام 2006، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش. ويقول كوغل إن هناك 10 منشآتٍ على الأقل، منها سجون تُستَخدَم لاحتجاز المهاجرين داخل السعودية، لكن الرقم المحدَّد غير معروفٍ.

وقال أحد العاملين في مجال تقديم المعونة: "يُعامَلون مثل الحيوانات في تلك السجون" .

وقد أنكر مسؤولٌ سعوديٌّ هذه الادعاءات

 وصرَّح مسؤولٌ لصحيفة The Guardian البريطانية، بأنه "لا يُرحَّل أي مريضٍ إلا بعد علاجه وتعافيه"، وبأنه "لا مخالف يُرحَّل بالقوة" .

وأضاف المسؤول: "تُنفَّذ جميع الإجراءات المتبعة في التعامل مع حالات المرض ورعاية الأطفال وترحيل المخالفين بإشراف البعثات الدبلوماسية لدولهم" .

لكن طيب قال إنه في المنشأة الأولى -حيث مكث لخمسة أيامٍ- لم يُقدَّم له طعامٌ ولا شرابٌ خلال أول 24 ساعةً. وحين شرع هو وسجناء آخرون يشتكون، أُخِذ بعضهم إلى الخارج وأوسعوا ضرباً، وحين جاء الطعام في النهاية كان مجرَّد طبق أرزٍ ليتشاركوه هم الستة.

وقال أيضاً إنّ الضرب كان أمراً عادياً: "حتى دون أن تقول أو تفعل شيئاً، يضربونك. لم نعرف السبب، كانوا يكيلون لنا اللكمات بأيديهم، وحين يتعبون كانوا يبدأون بركلنا، كأنها رياضة" .

وروى محتجزون سابقون آخرون قصصاً مشابهة لصحيفة The Guardian قصصاً مشابهةً من محتجَزين سابقين آخرين، وكان الأمر مماثلاً بالنسبة لمن أجرت معهم منظمة Human Rights Watch مقابلاتٍ صحفيةً لأجل تقريرٍ جديدٍ.

أسوأ منشآت احتجاز سعودية للمهاجرين

توجد أسوأ منشآت الاحتجاز سمعةً في الداير، في منطقة جازان الجنوبية السعودية. وقال كوغل: "هذه بعض أسوأ الحالات التي سمعت عنها يوماً، حقاً (الأسوأ) إلى أقصى حد" .

وأبلغ محتجَزون سابقون عن انتهاكاتٍ مثل سَلسَلة السجناء معاً، وزنزانات ذات مراحيض تالفة، وإرغام السجناء على الجلوس في البول والبراز، وإلقاء الطعام عبر نوافذ الزنازين لكي يتقاتل السجناء على نيل قضمةٍ منه، ومنع المسلمين من الصلاة، ونزع الصلبان من قلادات السجناء المسيحيين، وعدم وجود مياه نظيفة أو مرافق صرف صحي.

ونقلت صحيفة The Guardian عن المحتَجَز السابق عبدالرحيم سفيان قوله إن الحراس كانوا يمشون على ظهره كنوعٍ من العقاب، وكثيراً ما لقَّبوه والمحتَجزين الآخرين بـ "الكلاب" أو "الحيوانات" .

ومثله مثل الطيب، صودرت جميع ممتلكاته، بما في ذلك ثيابه، إذ قال وهو يضع بطانيةً من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية على كتفيه مثل الشال: "تركنا كل شيءٍ هناك".

أوضاع سيئة يمر منها المهاجرون قبل ترحيلهم
أوضاع سيئة يمر منها المهاجرون قبل ترحيلهم

وهذا ليس كل شيء، فالسلطات السعودية متَّهمةٌ أيضاً باحتجاز القُصَّر وترحيلهم، مع أن الدولة قد وقّعت ووافقت على اتفاقية حقوق الطفل، التي تحظر احتجاز الأطفال بناءً على كونهم مهاجرين.

وقال محمد مرشد، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في إثيوبيا: "هناك أطفال ضمن آلاف الأشخاص القادمين كل أسبوعٍ من السعودية، ونحن قلقون عليهم بالتحديد، لأنهم يتطلَّبون حمايةً ومساعدةً اجتماعيةً خاصةً" .

وأنكر مسؤولٌ سعوديٌّ هذا الادعاء قائلاً: "لا يُرحَّل الأطفال إلا برفقة آبائهم، ولا يُعرَّض الأطفال لأي جزاءٍ" . وأكمل: "يوضع الأطفال ذوو الآباء مجهولي الهوية في منشآت رعاية اجتماعية مع أطفال سعوديين" .

يحدث كل هذا بينما وطّدت إثيوبيا علاقتها مع الرياض

وتوضِّح أرقام المنظمة الدولية للهجرة أن 6% من العائدين منذ مارس/آذار 2017، كانوا قُصَّراً، لكن العاملين في مجالة تقديم المعونة قالوا إن الرقم قد يكون أعلى بسبب انتشار الوثائق الزائفة. وتحدَّثت صحيفة The Guardian إلى اثنين من المرحَّلين قالا إن عمرهما 15 سنة، إلا أن جواز مرور الأمم المتحدة الصادر من السلطات السعودية يزعم أنهما بالغان.

ولا يوجد في العاصمة الإثيوبية كثيرٌ من المنظمات القادرة على الاعتناء بالقصَّر، أي أن معظمهم تؤول بهم الحال إلى الشوارع بُعَيد عودتهم إلى إثيوبيا.

يُذكَر أن إثيوبيا قد وطَّدت علاقتها بالسعودية، منذ أن جعل آبي أحمد علي أولى زياراته الخارجية إلى السعودية -وقبل عروض المعونة المالية- بعد توليه منصب رئيس الوزراء العام الماضي.

وقال أحد العاملين على تقديم المعونة: "من الواضح أن الحكومة الإثيوبية لا ترغب في إحداث أي مشكلةٍ مع السعوديين بشأن هذا" .

وقد ذكر برهانو أبيرا، مدير قسم العمالة الخارجية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإثيوبية، إن حكومته تعمل "مع الجهات السعودية المختصة لاحترام كرامة مواطنينا وحقوقهم وسلامتهم وحمايتهم"، ولضمان أنهم جميعاً "يُعامَلون بطريقة آمنة حتى عودتهم إلى الوطن" .

وقد أثنت الحكومة الإثيوبية كذلك على شراكتها مع السعودية، منوِّهةً بأنها تتكفَّل بمصاريف نقل المرحَّلين. لكن وكالات المعونة أوضحت أنها بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الدعم.

لكن رغم كل ذلك، الإثيوبيون يواصلون التوجه للمملكة

وتقدر المنظمة الدولية للهجرة، أنَّ هناك حاجة إلى 23.8 مليون دولار لمساعدة العائدين في إعادة دمجهم بالمجتمع. وأوردت التقارير أن السعودية قد وعدت بالمساعدة بمبلغ 30 مليون دولار، لكن لم يتحقَّق هذا الوعد بعد. وقد رفض الاتحاد الأوروبي عرض تمويلاتٍ لمساعدة العائدين إلى إثيوبيا من الخليج.

وفي أثناء ذلك، ورغم المخاطر، يواصل المهاجرون من إثيوبيا والقرن الإفريقي الارتحال إلى السعودية بأعدادٍ كبيرةٍ دون توقف.

وأشار دانييل بوتي من مركز الهجرة المختلطة إلى أن أعداد الوافدين إلى اليمن في أبريل/نيسان ومايو/أيار -التي تبلغ على الأقل 18 ألفاً في الشهر- هي أعلى أعدادٍ مسجَّلةٍ منذ عام 2006. ويقدِّر مركز الهجرة المختلطة أن ما يزيد عن 10% من هؤلاء قد يكرِّرون رحلاتهم إلى هناك.

وقال أحد العاملين بتقديم المعونة: "ما يحتاجون إليه هو الدعم الاجتماعي. وإلا ذهبوا مراراً وتكراراً" .

تحميل المزيد