التعديل الوراثي.. هل يجب أن نقلق؟ هذا أبرز ما يخبرنا به العلم عن الأمر بأكمله

تُعرف الكائنات المُعدلة وراثياً بأنَّها الكائنات التي تم التعديل حمضها النووي أو عُدِّل بطريقةٍ ما عن طريق الهندسة الوراثية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/18 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/18 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
الكائنات المعدلة وراثياً والأغذية المعدلة وراثياً

تُعرف الكائنات المُعدلة وراثياً بأنَّها الكائنات التي غُيِّر حمضها النووي أو عُدِّل بطريقةٍ ما عن طريق الهندسة الوراثية.

بحسب التقرير المنشور في موقع LiveScience، فإنه في غالبية الحالات تُعدَّل الأحماض النووية للكائنات المُعدلة وراثياً باستخدام أحماض نووية لكائنات أخرى، مثل البكتيريا أو النباتات أو الفيروسات أو الحيوانات، ويُشار إلى تلك الكائنات بأنها "مُعدلة جينياً". وعلى سبيل المثال، يُمكن إدخال جينات العنكبوت التي تساعد في إنتاج الحرير، على الحمض النووي الخاص بماعز عادية.

ويبدو ذلك المثال مُستبعداً، لكن هذه العملية هي التي تحدث تماماً لتوليد الماعز المنتجة للبروتين الحريري في ألبانها، بحسب ما أوردته مجلة Science Nation. بعدها يتم جمع اللبن، وعزل البروتين الحراري منه لصناعة المادة الحريرية خفيفة الوزن، وبالغة القوة، وذات الاستخدامات الصناعية والطبية المتعددة.

ويُعَدُّ النطاق الواسع لفئات الكانئات المُعدلة وراثياً أمراً يُصيب بالذهول. إذ مكّنت أداة التنقيح الجيني المبتكرة، كريسبر، علماء الوراثة من توليد خنازير معدلة وراثياً تُشِعُّ في الظلام، وذلك من خلال إدخال الشفرة الجينية الضيائية الحيوية الخاصة بقناديل البحر، في الحمض النووي للخنازير. وبهذا تفتح كريسبر الأبواب أمام تعديلاتٍ جينية لم يتخيَّلها قبل عقدٍ من الآن.

وهُناك أمثلة أخرى أكثر جموحاً، لكن الكائنات المعدلة وراثياً شائعةٌ بالفعل في قطاع الزراعة. وأكثر التعديلات الجينية انتشاراً هي تلك المُصممة لخلق محاصيل ذات ثمارٍ أكبر، ومنتجات أكثر ثباتاً، ومقاومة الآفات، ومبيدات الحشرات، والأسمدة.

الأغذية المعدلة وراثياً

قالت المكتبة الوطنية للطب (وهي جزءٌ من "المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية")، إنَّ الأغذية المعدلة وراثياً هي الأغذية التي تحوي جينات دخيلة من نباتات أو حيوانات أخرى، وُضعِت داخل شفراتها الوراثية. ونتج عن ذلك أغذية مُنكَّهة، ومقاومة للأمراض والجفاف.

لكن "المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية" يحتفظ بقائمةٍ من المخاطر المحتملة المرتبطة بالأغذية المعدلة وراثياً، ومنها التغيير الجيني الذي قد يتسبب في ضررٍ بيئي. ومن المحتمل تحديداً أن تتكاثر الكائنات المعدلة مع الكائنات الطبيعية، مما يُؤدِّي إلى إمكانية انقراض الكائنات الأصلية. ففي شجرة الموز مثلاً، التي تكاثرت بالكامل من خلال أساليب الاستنساخ، يُصبح الموز نفسه عقيماً.

وحتى الآن، تُستخدم تكنولوجيا التعديل الوراثي بشكلٍ أساسي في المحاصيل الزراعية الكبرى. وتصل نسبة التعديل الوراثي في محاصيل مثل فول الصويا والقطن والكانولا والذرة وبنجر السكر، التي تُباع داخل الولايات المتحدة، إلى 90% على الأقل. وقد تسارعت نسبة زراعة محاصيل الذرة المقاومة للمبيدات لتصل إلى 89% في عامي 2014 و2015، بعد أن كانت أبطأ من ذلك في السنوات السابقة، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية.

ومن أهم أسباب الاعتماد على المحاصيل المُعدلة وراثياً أنَّها مقاومةٌ للآفات. إذ إنَّه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنَّ الطريقة الأكثر انتشاراً لإدخال مقاومة الآفات في النباتات هي البكتيريا المُمرضة للحشرات، وهي بكتيريا تُنتج بروتينات طاردة للحشرات. وأظهرت المحاصيل المُعدلة وراثياً بتلك البتكيريا مقاومةً منيعة ضد الآفات الحشرية، مما قلَّل الحاجة إلى الاستخدام واسع النطاق للمبيدات الحشرية الصناعية.

هل الكائنات المعدلة وراثياً آمنة؟

يقول النشطاء المناهضون للتعديل الوراثي، إنَّ الكائنات المُعدلة يمكن أن تضر بالبيئة وتُسبب مشكلات صحية للمستهلكين.

ويُعَدُّ "مركز سلامة الغذاء" من بين تلك المؤسسات المناهضة للتعديل الوراثي، إذ ترى هذه المنظمة أنَّ الهندسة الوراثية على النباتات والحيوانات ربما تكون "أحد أكبر التحديات البيئية وأكثرها استعصاءً في القرن الحادي والعشرين".

وأفاد معهد Institute for Responsible Technology، الذي يضُمُّ مجموعةً من النشطاء المناهضين للتعديل الوراثي، بأنَّ "الأغذية المُعدَّلة وراثياً يمكن أن ترتبط بالتفاعلات التحسسية والتسممية في الماشية، وإصابتها بالمرض والعقم والموت، وتدمير جميع الأعضاء التي خضعت للدراسة في مختبر الحيوانات تقريباً".

وذكرت منظمة Non-GMO Project أنَّ "غالبية الدول المتطورة لا تعتبر الأغذية المُعدلة وراثياً آمنة. وهناك قيودٌ شديدة -أو حظر صريح- على إنتاج وبيع الكائنات المعدلة وراثياً في أكثر من 60 دولة حول العالم، منها أستراليا واليابان وجميع دول الاتحاد الأوروبي".

أما As You Sow، فهي وكالةٌ رقابة بيئية تركز أبحاثها على تأثير أفعال الشركات على بيئتنا، ومن ذلك إنتاج الأغذية. فوفقاً لكريستي سبيز، مديرة البرامج في وكالة As You Sow، فإنَّ ما يجعل الأغذية المعدلة وراثياً خطرةً هو "أنَّ التعديلات تتركز حول مقاومة المواد السامة، مثل مبيدات الآفات وبعض الأسمدة بعينها. وحين توضع المواد الكيميائية الخطرة، تستخدمها النباتات في النمو، وهكذا يصير الطعام نفسه ضاراً بصحتنا".

ما الذي يجعل الأغذية المعدلة وراثياً نافعة

يتفق عدد من المنظمات العلمية ودوائر الصناعة على أنَّ ذلك الخوف الذي يتأجج عند الحديث عن الأغذية المعدلة وراثياً، هو خوفٌ عاطفي أكثر منه حقيقي. إذ نشرت "الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم" في تصريحٍ عام 2012: "العلم واضح في هذا الشأن حقيقةً: تحسُّن المحاصيل من خلال استخدام التقنيات الجزيئية في التكنولوجيا الحيوية هو أمرٌ آمن".

وذكرت "الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم" أنَّ "منظمة الصحة العالمية، والجمعية الطبية الأمريكية، والأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، والجمعية الملكية البريطانية، وجميع المنظمات المرموقة الأخرى التي فحصت الأدلة، كلّها انتهت إلى النتيجة نفسها: وهي أنَّ استهلاك الأغذية التي تحتوي على مكونات مُستمدة من المحاصيل المعدلة وراثياً ليس أكثر خطراً من استهلاك نفس الأغذية حين تحتوي على مكونات من محاصيل مُعدلة بالطرق التقليدية في تحسين النباتات".  

ويشير آخرون إلى فوائد المحاصيل الأكثر ثباتاً ذات المردود الأعلى. فوفقاً لتصريحٍ على موقع شركة Monsanto، أكبر منتج للأغذية المعدلة وراثياً: "يُمكن أن تُحسِّن المحاصيل المعدلة وراثياً من غلات المزارعين، وتُقلِّل الاعتماد على المصادر الطبيعية والوقود الحفري، إلى جانب أنَّ لها فوائد غذائية".

تملك شركة Monsanto والشركات الزراعية الأخرى حصصاً مالية في الأبحاث والرسائل المتعلقة بالأغذية المعدلة وراثياً، ولديها الموارد اللازمة لتمويل الأبحاث التي تدعم كلامها. لكن على الرغم من توافر البيانات العلمية التي تثبت أمن المحاصيل المعدلة وراثياً، وفاعليتها ومقاومتها، يظل التعديل الجيني مجالاً علمياً جديدًا إلى حدٍّ ما.

الجدل حول توسيم الأغذية المعدلة جينياً

تحوَّل الجدل الدائر حول تطوير الأغذية المعدلة وراثياً وتسويقها إلى معضلةٍ سياسية في السنوات الأخيرة.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، أصدرت إدارة الغذاء والدواء قراراً يُوجب التوسيم الإضافي فقط في حال كانت الأغذية المُستمدة من مصادر معدلة وراثياً تختلف جوهرياً عن نظيرتها غير المعدلة في الخصائص الغذائية مثلاً. وصادقت الإدارة كذلك على سمكة السلمون الجديدة من فصيلة "أكوا أدفانتج" المعدلة لتنمو أسرع من نظيراتها.

ووفقاً لشركة Monsanto "ليست هناك مسوغات علمية للتوسيم الخاص على الأغذية التي تحتوي على مكونات معدلة وراثياً. نحن ندعم هذه المواقف وندعم نهج إدارة الغذاء والدواء".

وذكرت مجموعة GMO Answers، وهي مجموعةٌ صناعية تجمع شركات Monsanto وDuPont وDow AgroSciences وBayer وBASF وCropScience وSyngenta، أنَّ المنتجات الزراعية المعدلة وراثياً "هي الأكثر انضباطاً وخضوعاً للاختبارات على الإطلاق في التاريخ الزراعي".

بالإضافة إلى ذلك، ينصّ موقعها على أنَّ "عدداً من العلماء والمنظمات المستقلة حول العالم –مثل الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والجمعية الطبية الأمريكية، والجمعية الأمريكية لتقدم العلوم- اطلعت على آلاف الأبحاث العلمية، وتوصَّلت إلى أنَّ الأغذية المعدَّلة وراثياً لا تشكل خطراً على البشر أو الحيوانات أو البيئة، أكثر من الأغذية الأخرى".

وأضحت المشكلة السياسية التي آلت إليها الأغذية المعدلة وراثياً مُتواصلةً بدرجةٍ تُشبه الجدل العلمي الدائر حولها. غير أنه بعد مناقشات بين عددٍ من المُشرعين في أنحاء الولايات المتحدة، جرى إقرار المعيار الوطني للإفصاح عن الأغذية المعدلة وراثياً في بداية عام 2019.

ووفقاً للمعيار السابق والقوانين الفيدرالية الحالية، ينبغي وضع وسم BE على جميع الأطعمة التي تحتوي على مواد مُعدلة وراثياً بنسبةٍ تزيد عن 5%، بدايةً من العام 2020. ويُسمح للولايات بفرض قوانين التوسيم الخاصة بها كذلك، على الرغم من أنَّ جميع المحاكم القضائية تبدو في انتظار تطبيق القوانين الفيدرالية قبل العمل على التشريع الجديد. وهناك أمرٌ واحدٌ مؤكد، وهو أن المناقشات العلمية والسياسية حول الأغذية المعدلة وراثياً لن تنتهي قريباً.

تحميل المزيد