كشفت صحيفة The Guardian البريطانية أنه أُلقي القبض على مئات الأشخاص بكازاخستان في أثناء احتجاجهم على انتخاباتٍ موجَّهة سلفاً من وراء الكواليس، قائلين إنَّها ستحرمهم من صوتهم السياسي.
اعتقال مئات الأشخاص في كازاخستان بسبب رفضهم تزوير الانتخابات
حيث توجَّه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيسٍ يخلُف نور سلطان نزارباييف (78 عاماً)، الذي حكم البلاد ثلاثة عقود قبل أن يُعلن تنحِّيه عن المنصب في العام الماضي (2018).
لكن مع تنحِّي آخر الرؤساء المتبقِّين من الحقبة الشيوعية في المنطقة تحت ضغوطٍ مجبَراً، هناك مخاوف من أنَّ كازاخستان لم تتحرر من الماضي بعد. إذ يستعد لتولي المنصب قاسم جومارت توكاييف، الرئيس المؤقت والمساعد الوفي لنزارباييف، والذي عرض على 18 مليون كازاخي برنامجاً انتخابياً سيجعل مستقبلهم نسخةً من ماضيهم.
وحصل توكاييف، البالغ من العمر 66 عاماً، على أكثر بقليل من 70% من الأصوات، وفقاً لاستطلاعٍ أُجري على الناخبين فور خروجهم من اللجان، ونُشِر مساء الأحد 9 يونيو/حزيران 2019. وكان أقرب منافسيه أميرشان كوسانوف، الذي حصل على نحو 15% من الأصوات.
لكنَّ إصرار الزمرة الحاكمة، على فرض توكاييف على المواطنين من أعلى هيكل الحُكم أثار الغضب. وقالت امرأة شابة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في مظاهرةٍ نشبت يوم الانتخابات بمدينة ألماتي، التي تعد العاصمة التجارية لكازاخستان: "أريد تغيير هذا النظام الذي يحكمنا من 30 عاماً".
حيث اتهموا الفائز الجديد في انتخابات الرئاسة بالتزوير
وقال نائب وزير الداخلية مارات كوزاييف، إنَّ ثلاثة من رجال الشرطة أُصيبوا في الاشتباكات، في حين اعتُقِل 500 متظاهر ونُقِلوا إلى مراكز الشرطة. ولم تكن هناك تقارير فورية عمَّا إذا كانت هناك أي اتهاماتٍ قد وُجِّهَت إليهم.
وكان من بين المعتقلين كريس ريكلتون، وهو صحفي بريطاني يعمل لدى وكالة France Press. احتُجِز ريكلتون وقتاً قصيراً، وأُصيب بكدمةٍ بعينه في أثناء اعتقاله.
ومن جانبه حاول توكاييف التقليل من أهمية الاحتجاجات، إذ قال بعد إدلائه بصوته في العاصمة الكازاخية نور سلطان -التي كانت تُسمَّى أستانا حتى شهر مارس/آذار 2019، قبل أن يأمر توكاييف بإطلاق اسم نزارباييف عليها- إنَّ "الشعب اختار" الاحتجاج، مع أنَّ الانتخابات يجب ألا تكون "ساحة معركة". هذا وشهدت العاصمة إلقاء القبض على عشرات المتظاهرين في يوم الانتخابات.
وجديرٌ بالذكر أنَّ النظام سعى إلى تقديم الانتخابات على أنَّها قوةٌ دافعة نحو الاستقرار.
وصحيحٌ أنَّ بعض الناخبين يؤيِّدون بسعادةٍ تعهُّد توكاييف بمواصلة سياسات نزارباييف، لكن هناك مخاوف من أنَّ نزارباييف قد يظل محتفظاً بالسلطة وراء الكواليس، مع اعتقاد كثيرين أنَّ خطته على المدى البعيد، هي تنصيب ابنته داريغا رئيسةً للبلاد.
إذ قالت إيرينا، وهي مهندسة معمارية متقاعدة رفضت ذكر اسمها الثاني، بعد الإدلاء بصوتها في ألماتي: "لقد وثقت برئيسنا السابق سنواتٍ عديدة، ونظراً إلى أنَّه أوصى بانتخاب توكاييف، فأعتقد أنَّ ذلك هو الخيار الصحيح".
هذا ومن المتوقع ظهور نتائج الانتخابات الإثنين 10 يونيو/حزيران 2019. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فقد حصل توكاييف على أكثر من 70% من الأصوات، وهذا أقل من النسبة الساحقة البالغة 98% والتي حصل عليها نزارباييف في الانتخابات السابقة، التي كانت مزوَّرة على الأرجح، على غرار كل التصويتات الأخرى التي أُجريت في كازاخستان، وفقاً لمراقبين دوليين.
ويعاني نشطاء حقوق الإنسان في البلاد تضييقات واضحة على عملهم
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الانتخابات الحالية طرحت للناخبين خياراتٍ أكثر بقليل من المعتاد، إذ يخوضها سبعة مرشحين، من ضمنهم كوزانوف زعيم المعارضة المخضرم.
وقال مواطنٌ كازاخي يُدعى زاخيب، ويبلغ من العمر 27 عاماً: "لقد صوتُّ لكوزانوف، لأنَّني ضد الحكومة"، رافضاً الشائعات التي تقول إنَّه قد أبرم صفقةً مع الحكومة للترشُّح في الانتخابات. وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه هي المرة الأولى التي تتضمَّن فيها الانتخابات الرئاسية مرشحاً يدَّعي تمثيل المعارضة منذ عام 2005. لكنَّ عديداً ممَّن يتوقون إلى التغيير يقولون إنَّهم وجدوا أنَّ حملته معتدلة و "أليفة" أكثر من اللازم.
وفي إطار سعي النظام الكازاخي إلى كبح جماح المعارضة، يتعرض الناشطون المدافعون عن الديمقراطية للمضايقات والاعتداءات والسجن، ومن بينهم شابٌ وشابة قبعا في السجن أسبوعين، لعرضهما لافتةً تطالب بإجراء انتخابات نزيهة، في سباقٍ ماراثون بمدينة ألماتي. وكانت اللافتة تقول: "لا يمكنك الهروب من الحقيقة".
وظهرت كذلك حملةٌ تدعو إلى التغيير، على شبكات التواصل الاجتماعي، باستخدام هاشتاغ #qazaqkoktemi (ربيع كازاخستان) وهاشتاغ #menoyandim (لقد استفقت). وانبثقت منها حركةٌ جديدة تسمى "Wake Up, Qazaqstan" أو "أفيقي يا كازاخستان"، تدعو إلى إصلاحاتٍ ديمقراطية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ اسم الحركة مستمد من قصيدةٍ كُتبت في أثناء الحكم الاستعماري الروسي في عام 1909، تقول: "أفيقي يا كازاخستان. فكَّري يا كازاخستان. كوني يا كازاخستان. فنحن أمة صارت حريتها في غياهب النسيان".
وقال أنور نوربيسوف، وهو ممثلٌ يقف وراء الحملة الأصلية التي ظهرت على إنستغرام، إنَّ الحركة تستمد إلهامها من "التوق إلى الحرية". وأضاف: "لقد سئم هذا الجيل العيش تحت قيادة أشخاصٍ نشأوا في الاتحاد السوفييتي".