كشفت صحيفة The Guardian البريطانية أن إحدى أبرز أسيرات تنظيم الدولة الإسلامية وهي السيدة نسرين أسعد إبراهيم، والمعروفة باسم أم سياف، ساعدت ضباط جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية، والمخابرات الكردية، في رسم صورة تفصيلية عن تحركات البغدادي ومخابئه وشبكاته، بحسب ما كشف المحققون، حتى أنها حددت مكانه في الموصل.
داعشية تتبع أبو بكر البغدادي بتكليف من CIA
وحسب الصحيفة البريطانية، فقد أكدت أم سيَّاف هذه المزاعم في أول مقابلة لها منذ أن تم احتجازها قبل أربعة أعوام بعد مقتل زوجها، وزير نفط داعش في ذلك الوقت.
وتُعَدُّ أم سيَّاف، البالغة من العمر 29 عاماً، شخصيةً مثيرة للجدل إلى حدٍّ كبير، وقد اتُّهِمَت بالتورُّط في بعضٍ من أبشع جرائم المجموعة الإرهابية، بما في ذلك أسر عاملة الإغاثة الأمريكية كايلا مولر، والعديد من النساء والفتيات الإيزيديات، اللاتي تعرّضن للاغتصاب على أيدي كبار قادة داعش.
وأصدرت محكمة في أربيل بالعراق حكماً على أم سيَّاف بالإعدام، ومن محبسها في أحد السجون بالمدينة، تحدّثت إلى صحيفة The Guardian البريطانية، جزئياً من خلال مترجم، وكانت برفقة ضابط مخابرات كردي لم يقم بأي محاولة للتدخل في سير المقابلة.
وطلبت محامية حقوق الإنسان آمال كلوني نقل أم سيَّاف من العراق إلى الولايات المتحدة للمثول أمام العدالة بسبب جرائمها. وقالت لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2019، إن أم سيَّاف "احتجزت الأسيرات في غرفة وحرضت على ضربهن وزيّنتهن بالمكياج لتُحضِّرهن للاغتصاب".
وقد تزوجت هذه الداعشية احد المقربين من أبو بكر البغدادي
وكانت أم سيَّاف زوجة فتحي بن عون بن جيلدي مراد التونسي، وهو صديق مقرب للبغدادي ومُقاتل قديم في المجموعة التي كان يتولّى أحد أهم مهامها وقت موته.
ففي فبراير/شباط 2016، حددت أم سيَّاف مكان منزلٍ في الموصل يُعتقد أن البغدادي كان يقيم فيه، ومع ذلك، وفقاً للمسؤولين الأكراد، رفض القادة الأمريكيون الدعوة إلى شنِّ غارة جوية على المنزل، فقط ليعترفوا لاحقاً بأن الرجل الذي يُعد واحداً بين أكثر الأشخاص المطلوبين في العالم ربما كان بداخله؛ حيث نجا بحياته من الضربات الجوّية المحمومة في سماء العراق في تلك الليلة، بين مخاوف وقوع إصابات بين المدنيين في الحي المكتظ بالسكان.
وقالت أم سيَّاف: "لقد قلت لهم أين كان المنزل، وعرفت أنه كان هناك لأن هذا كان أحد المنازل التي أُتيحت له، وهو أحد الأماكن التي كان يحبّها أكثر من غيرها".
وقد منحها زواجها، ونَسَبها الجهادي -إذ كانت عائلتها جزءاً لا يتجزأ من قيادة داعش- مكانة مقرّبة من البغدادي أكثر من جميع نساء داعش. وبصفتها إحدى أهمّ الزوجات في التنظيم، كانت لديها فرصة نادرة لحضور الاجتماعات والمناقشات الشخصية، وكانت حاضرة عدة مرات عندما سجل البغدادي رسائل دعاية صوتية في المنزل الذي تشاركه مع زوجها.
وقالت: "لقد كان يفعل ذلك في غرفة جلوسنا في بلدة التاجي الواقعة وسط العراق"، وأضافت قائلة: "كان زوجي هو مسؤول الإعلام لدى داعش في ذلك الوقت، وكان البغدادي يزور منزلنا كثيراً".
ولكن تم اعتقالها في 2015
وكانت غارة مايو/أيَّار 2015، التي أسفرت عن مقتل التونسي، الشهير باسم أبو سيَّاف -والتي تم خلالها القبض على أم سيَّاف- نقطة تحول في الحرب التي استمرت خمس سنوات ضد داعش، والتي بلغت ذروتها قبل شهرين بإلحاق الهزيمة بالتنظيم في آخر معقل له في بلدة باغوز، التي تبعد نحو 60 ميلاً (95 كيلومتراً) من المكان الذي شهد إلقاء القبض عليها في حقل العمر النفطي، الذي كانوا يتمركزون فيه.
وقد تولّى أبو سيَّاف قيادة القوات التي استولت على مُنشآت إنتاج النفط في سوريا، والتي كانت تستخدم العائدات لتمويل تدعيم الجماعة الإرهابية وتوسعها في جميع أنحاء شرق سوريا وغرب العراق، وأدّى موته إلى شل التدفق النقدي للجماعة الإرهابية وتباطؤ زخمه.
وفي البداية رفضت أم سيَّاف التعاون مع مُحتجزيها وظلت متجهّمة وأحياناً في حالٍ طبيعية في زنزانتها شمال العراق. ولكن بحلول أوائل عام 2016، بدأت تكشف عن بعض أسرار المنظمة الأكثر حساسية، ولكن ليس أكثر من تحرّكات وعمل البغدادي.
وعلى مدار ساعات طويلة، كانت أم سيَّاف تعلق على الخرائط والصور الموضوعة على طاولة أمامها، إلى جانب رجال أمريكيين قائلة: "لقد كانوا مهذبين جداً وارتدوا ملابس مدنية"، و"قد أطلعتهم على كل ما أعرفه".
لكنها تعاونت بعد ذلك مع ضباط المخابرات الأمريكيين للبحث عن البغدادي
وسرعان ما أصبحت أم سيَّاف جزءاً لا يتجزأ من جهود جمع المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب الضباط الأمريكيين والأكراد، والتي قادتهم إلى مخبأ في غرب المدينة أعدّته عمّتها من أجل البغدادي، وقالت إن "اسمها سعدية إبراهيم، وقد مات اثنان من أبنائها مع داعش، وكانت مع البغدادي منذ البداية؛ حيث كانت تدير شبكة المنازل الآمنة له، وهي أخت أبي".
وفي حديثها عن البغدادي، قالت: "لقد زارنا كثيراً في سوريا، قبل أن ننتقل إلى حقل العمر النفطي، وكنا نعيش في منزل في بلدة شدادة القريبة".
هناك احتُجزت كايلا مولر لمدة شهر في أواخر عام 2014، إلى جانب نحو تسع نساء وفتيات إيزيديات تم أسرهن في أغسطس/آب من ذلك العام واستعبدهن داعش. وتتهم الحكومة الأمريكية أم سيَّاف باحتجاز عاملة الإغاثة كرهينة، إلى جانب الإيزيديات، وبأنها طرف في الاعتداء الجنسي الذي وقع بحق كايلا مولر على أيدي البغدادي. ويُعتقد أن كايلا قد توفيت في الرقة في فبراير/شباط 2015.
أم سيَّاف نفت هذه المزاعم؛ وقالت عن البغدادي: "مهما كان ما يفعله فأنا لم أتورّط"، وأضافت: "في بعض الأحيان كان يأتي لبضع ساعات، في بعض الأحيان كان يبقى لفترة أطول. كان مجرد منزل عادي، وكنت أقدّم له ولزوجي الشاي، وكنا نذهب أيضاً إلى الرقة معه، وأتذكر الذهاب بصحبته مرتين، وقد أخبرت الأمريكيين بمكان المنزل. كانوا يعصبون أعيننا في كل مرة ندخل فيها إلى الشارع، لكنني ذهبت إلى هناك من قبل، وكنت أعرف كيف يبدو الطريق".
وهو التعاون الذي أكده أحد ضباط المخابرات الكردية
حيث قال مسؤول مخابرات كردي رفيع المستوى بشأن تعاون أم سيَّاف: "لقد أعطتنا صورة واضحة حقاً عن تكوين عائلة أبو بكر البغدادي والأشخاص الذين يهمّونه، وعرفنا بشأن زوجات الناس الذين كانوا يحيطون به على وجه الخصوص، وهذا كان مفيداً للغاية بالنسبة لنا. وقد أخبرتنا أم سيَّاف بشأن الكثير من الناس ومسؤولياتهم. وأطلعتنا على المشاعر الحقيقية لزوجات القادة".
وقال ضابط مخابرات كبير آخر إنه في حالة الموصل، بدأت المعلومات التي أدلت بها أم سيَّاف عن إحدى مناطق غرب الموصل توضّح نمطاً غير عادي من الحركة، وأضاف: "لقد اعتادوا وضع حراسهم في الشارع، وكان هؤلاء رجال الأمن الداخلي الذين يتجولون فقط عندما يتواجد شخص مهم. وبعدها، سُرعان ما ركزنا على المنزل، وكنا واثقين جداً من أن البغدادي كان هناك، وأخبرنا الأمريكيين وطلبنا منهم التحرك، وقالوا إن لديهم مهام أخرى. وبدّل البغدادي المنازل بسرعة كبيرة وفقدناه. في وقت لاحق، عاد الأمريكيون وقالوا إننا كنا على حق".
وبشأن مكان وجود البغدادي حالياً، تُرجح أم سيَّاف أنه عاد إلى العراق، فقد كان يشعر دائماً بالأمان هناك، وقالت: "لم يشعر قط بالرضا في سوريا، وكان يريد دوماً أن يكون في العراق. وكان فقط يذهب إلى هناك للقيام بشيء ثم يغادر. وكان آخر ما سمعته عنه هو أنّه أراد الذهاب إلى القائم وبوكمال، لكن ذلك كان منذ بعض الوقت".
وتتلقى أم سيَّاف زيارة شهرية من عائلتها، ويتسنّى لها الوصول إلى الأطباء وعمال الإغاثة. وعلى الرغم من تعاونها مع السلطات، فمن غير المرجح أن تحظى بتغييرٍ في الحكم الصادر ضدها. وقال رئيس المخابرات: "لن نسمح لها بالرحيل". "إنها من بيئة متطرّفة للغاية، وإذا عادت إليها، ستصبح مثلهم".