"احتفظ بأموالك"، كان هذا رد رجال الأعمال الفلسطينيين على صفقة القرن، معلنين رفضهم العرض الاقتصادي المغري الذي قدمه ترامب.
فقد وعدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقديم عشرات المليارات من الدولارات في هيئة استثمارات أجنبية، كجزء من خطتها للسلام في الشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين ومشرِّعين أنهم أُخبروا بأن الهدف هو تأمين 68 مليار دولار للفلسطينيين ومصر والأردن ولبنان، في إطار ما يمكن وصفه بالشق الاقتصادي لصفقة القرن، التي تهدف لتحقيق تسوية للقضية الفلسطينية، يراها دبلوماسيون مخضرمون والمسؤولون الفلسطينيون غير عادلة.
كيف ردَّ رجال الأعمال الفلسطينيون على صفقة القرن والدعوة لمؤتمر البحرين؟
أعلنت الإدارة عن "ورشة عمل اقتصادية" في البحرين، الشهر المقبل، لتُظهر لكبار رجال الأعمال الفلسطينيين المكاسب المحتملة التي قد يجنونها من الخطة الأمريكية، التي لم يكشف عنها علناً حتى الآن.
لكن رجال أعمال فلسطينيين بارزين، قالوا إنَّهم تلقَّوا بالفعل دعوات لحضور ورش العمل بالبحرين، وآخرين من المرجح دعوتهم رفضوا تلبية الدعوة، معتبرين أنَّها مهينة وستؤدي إلى نتائج عكسية.
وقال إبراهيم برهم، الرئيس التنفيذي لشركة صفد للهندسة والإلكترونيات، إحدى أكبر شركات التكنولوجيا في الضفة الغربية، الذي صرَّح بأنَّه تلقَّى الدعوة لحضور ورشة البحرين: "إنَّهم يدمّرون شهية أي مستثمر يأتي إلى فلسطين، لأنَّه لا يوجد أي دليل على أي حل".
وأضاف: "شكراً جزيلاً على دعوتنا، لكننا لن نذهب".
ورفض المسؤولون الحكوميون الفلسطينيون، الذين لم تجر دعوتهم لحضور ورشة العمل، الحضور أيضاً.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية، إنَّ حكومته لم يجر التشاور معها حول المؤتمر الاقتصادي، وإنَّ إنهاء النزاع "لن يأتي إلا من خلال حلول سياسية تُنهي الاحتلال وتلبي حقوق شعبنا".
وأضاف إشتية في اجتماع للحكومة، يوم الإثنين 20 مايو/أيار: "(إننا) لا نبيع حقوقنا الوطنية بالمال".
وكانت إدارة ترامب قدَّمت وعوداً بخطة للسلام منذ الانتخابات، لكنها أجَّلت إطلاقها مراراً. ورفض المسؤولون الفلسطينيون، الذين يرون أنَّ الإدارة منحازة كلياً للإسرائيليين على نحوٍ ميؤس منه، التحدث مع الولايات المتحدة منذ اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017.
رشوة فاضحة.. يرفضون تقديم الاستثمارات على حساب حقوقهم
ووصف المسؤولون في إدارة ترامب ورشة العمل بالبحرين بأنَّها الخطوة الأولى في الشق الاقتصادي من الخطة، وتهدف إلى إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، ثم يتبعها الشق السياسي، الذي سيتضمَّن مقترحات لقضايا مثل الحدود ووضع القدس واللاجئين الفلسطينيين.
لكن ترتيب صفقة السلام بهذه الطريقة، بتقديم الاستثمارات على التغيير السياسي، لا يناسب قادة الأعمال الفلسطينيين.
ووصف زاهي خوري، وهو رائد أعمال فلسطيني أمريكي يملك فرعاً لشركة كوكاكولا في الضفة الغربية وقطاع غزة، الحديثَ عن الاستثمارات في الاقتصاد الفلسطيني قبل الاعتراف بتطلعات الشعب الفلسطيني، بأنَّه مهين.
وقال خوري: "وضع هذا أولاً هو رشوة فاضحة"، مضيفاً: "إنك تهين الناس بالحديث عن نوعية حياتهم، بينما تُبقيهم محاصرين" في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي، وشبّه ذلك بـ "محاولة خنق امرأة بينما تضع لها طلاء أظافر".
وأضاف: "في بناء الأمة تبدأ بالكرامة والحرية، لا تبدأ برشوة الناس وشرائهم".
والإدارة تعد بأن يأتي المكون الاقتصادي لاحقاً
وقال جيسون غرينبلات، المبعوث الخاص لإدارة ترامب في المفاوضات، عبر منشور على موقع تويتر يوم الإثنين، إنَّ هناك جزءاً سياسياً في اتفاق السلام سيأتي لاحقاً.
وكتب: "لقد كنا واضحين بأنَّ الرؤية الاقتصادية التي نقدمها لا يمكن أن تكون موجودة دون المُكوِّن السياسي، والمكون السياسي لا يمكن أن ينجح من دون (المكون) الاقتصادي".
وقال عدة رجال أعمال إنَّهم ببساطة لا يثقون في إدارة ترامب، التي يبدو أن أفعالها في الشرق الأوسط يخطط لها اليمين الإسرائيلي.
واعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت السفارة الأمريكية، وأغلقت القنصلية التي كانت تتعامل مع رام الله مقرّ وزارات السلطة الفلسطينية، وقطعت المساعدات عن الفلسطينيين، وعن وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وضغطت لحرمان ملايين الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين.
لو جاء هذا العرض من إدارة أخرى لقبِلناه
وقال طارق العقاد، وهو رجل أعمال سعودي يرأس مجلس إدارة الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار (أبيك)، التي توظف حوالي 1900 شخص في مجال العقارات، والتصنيع، وغيرها من الأعمال في الأراضي الفلسطينية والأردن والسعودية والإمارات: "إذا كانت الدعوة من أي إدارة أخرى فسنذهب إلى البحرين، ولن ندّخر أي جهد في سبيل تحقيق نتيجة إيجابية".
وأضاف: "لكن هذا (الرفض) لا يأتي من فراغ، الأمر يتعلق بمن يوجه الدعوة، لا شيء سيئاً في الذهاب والاستماع، إلا أنَّها تأتي من المصدر نفسه الذي أصدر بيانات أفرغت عملية السلام من محتواها، يبدو الأمر وكأنك تقول: (سآخذ كل حقوقك، لكن تعال، لنناقش اقتصادك)".
فهذه ليست أول مرة يتم الترويج فيها لسلام اقتصادي
إنَّ فكرة الترويج لما يُدعى السلام الاقتصادي، باعتباره مدخلاً لحل سياسي، لها تاريخ طويل، يعود إلى عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان.
لكن المصطلح اكتسب وقعاً سلبياً بعد عام 2009، عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعدادَه التفاوض على حلّ الدولتين، لكنه دعا الدول العربية إلى التعاون مع الفلسطينيين والإسرائيلين لتحقيق "سلام اقتصادي" أثناء ذلك.
حديثه عن حل الدولتين أصبح عددٌ من الفلسطينيين ينظرون إليه على أنَّه خدعة، والحديث عن ترتيبات اقتصادية باعتبارها مقدمة للتسوية فقد مصداقيته تبعاً لذلك، كما يقول كثيرون.
وكتب بشار المصري، المطور العقاري الذي بنى روابي، أول مدينة مخططة في الضفة الغربية، على موقع فيسبوك يوم الإثنين: "فكرة السلام الاقتصادي هي فكرة قديمة، تُقترَّح الآن بطريقة مختلفة"، مضيفاً: "كما رفضها شعبنا من قبل، فإننا نرفضها الآن".
وقال المصري إنَّه دُعي لحضور فعالية البحرين، يومي 25 و26 يونيو/حزيران، لكنه لن يحضره هو أو أي من موظفيه.
ويرى آخرون أنَّ أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل، ما دامت مستمرة في احتلال الأراضي الفلسطينية، هو بمثابة "تطبيع" غير مقبول للوضع الراهن.
وحذَّر صائب عريقات، كبير المفاوضين في منظمة التحرير الفلسطينية، من أنَّ "محاولات تشجيع التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سوف تُرفض".
ومن الناحية العملية يستحيل جذب استثمارات مع استمرار الصراع وسرقة الأرض والمياه
وقال بعض رجال الأعمال، إنَّه من الناحية العملية سيكون من المستحيل جذب أي استثمارات كبيرة للأراضي الفلسطينية، بغضِّ النظر عن عدد قادة الشركات متعددة الجنسيات الذين قد يظهرون في البحرين، لأنَّ احتمال انتهاء الصراع يبدو على بعد سنوات.
وأشار عدة مديرين تنفيذيين إلى أنَّ الفلسطينيين يستوردون مليارات الدولارات من البضائع الإسرائيلية سنوياً، لكنهم يبيعون في المقابل أقل من ذلك بكثير للإسرائيليين.
وقال سام بحور، وهو مستشار أعمال فلسطيني أمريكي في رام الله: "البقعة العمياء في منظور الإدارة الأمريكية هي أنَّهم لا يدركون أنَّ إسرائيل مدمنة لاقتصادنا".
وأضاف أنَّ المال ليس هو العائق أمام الفلسطينيين، وإنما الحل السياسي الذي سيخلق ظروفاً يمكن أن تزدهر فيها المشروعات الخاصة بحرية.
وتابع بشار: "لا ينقصنا المال، ولا المعرفة، ولا الرغبة"، مضيفاً: "تنقصنا الموارد: الأرض، والمياه، والتحرك، والقدرة على الوصول، والسلاسة. لا يتطلب ذلك خطة كبرى، ولا ورشة عمل كبرى، وإنما يتطلب أن تبعد إسرائيل نعلها عن الجزء الاقتصادي من رقبتنا على الأقل".