طرف ثالث هو الذي أطلق النار على المتظاهرين، كانت هذه خلاصة رواية الجيش السوداني بشأن حادثة إطلاق النار على المعتصمين السودانيين.
وأصبحت هناك حالة من التوتر والقلق تسيطر على المشهد السوداني، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها شوارع العاصمة الخرطوم، يوم الإثنين 13 مايو/أيار 2019، وتحديداً محيط القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، التي يعتصم بها المحتجون منذ أكثر من شهر.
واللافت أن تصاعد وتيرة العنف يأتي عقب إعلان قوى الحرية والتغيير التوصل لاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي، الحاكم في البلاد منذ الإطاحة بحكم البشير في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019.
وتطوّرت الأحداث التي بدأت الإثنين بمحاولة قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فتح المتاريس التي وضعها الثوار في الطرق الرئيسية المحيطة بساحة الاعتصام، رغم إعلان المجلس عدم نيّته فضّ الاعتصام بالقوة، لينجرف الأمر لاحقاً لحالة من الفوضى والعنف بحلول المساء، وبإطلاق نار كثيف سقط في إثره ستة قتلى، بينهم ضابط برتبة رائد، بحسب بيان لجنة الأطباء المركزية، إضافة للعديد من الجرحى، الذين تجاوزا الخمسين جريحاً.
الجيش ينفي إطلاق النار على المعتصمين السودانيين
وعلى الرغم من إعلان قوات الدعم السريع عدم مسؤوليتها عن الحادث، في بيان رسمي، واصفةً المعتدين بالمندسّين الذين تسللوا إلى ساحة الاعتصام، ودعا البيان المواطنين "للانتباه لهذه المجموعات التي تسعى للنَّيْل من قواته والقوات النظامية الأخرى".
وأكد البيان ذاته "هذه المجموعات تعمل جاهدةً على إفشال أهداف الثورة، وتسعى للإيقاع بين المعتصمين وقوات الدعم السريع، التي تقوم بدورها القومي كاملاً للحفاظ على مكتسبات الثورة المجيدة"، مشدِّدة على أنها لن تنساق وراء دعوات هذه المجموعات الساعية للإيقاع بينها والمعتصمين".
ومن جانبه نفى الجيش السوداني صلته بالأحداث، مبرِّئاً في الوقت ذاته ساحة قوات الدعم السريع، كما جاء على لسان رئيس أركانه الفريق أول هاشم عبدالمطلب، خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في ساعة متأخرة من مساء أمس: "الجيش وقوات الدعم السريع لم ولن تُطلق رصاصة على الشعب".
ولكنه يتحدَّث عن تعرُّض الضباط للاستفزاز
وتابع: "الجيش لن يسمح بالفوضى، ولن نطلق الرصاص إلا في حالة حسم الفوضى"، مضيفاً: "هناك استفزاز واضح لضباط الجيش والدعم السريع بشكل فوضوي".
وأردف: "اليوم استشهد الرائد كرومة أحمد من الجيش، بعد أن تعرَّضت القوات لوابل من الرصاص، هناك نقيب مصاب بجروح خطيرة، إضافة إلى عدد من الجرحى وسط منسوبي القوات المسلحة".
ورغم النفي القاطع فإن رئيس أركان الجيش عاد ليطالب المحتجين بضرورة فتح المعابر، التي أدَّت لتكدُّس السيارات في الكثير من الطرق الرئيسية بالعاصمة الخرطوم.
وقال: "هناك مندسّون داخل الاعتصام ولديهم سلاح، ونطالب بفتح الشوارع والكباري"، وزاد: "اعتصِموا كما تريدون، لكن لا تعطلوا حياة الناس".
والحراك يطالب بتشكيل لجنة للتحقيق
وطالبت قوى الحرية والتغيير من جانبها، المجلسَ العسكري الانتقالي، بالقيام بواجباته في حماية المتظاهرين من الانفلات الذي يحدث من وقت لآخر في شارع القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة.
وأشارت القوى في بيان لها أن ساحة الاعتصام في الخرطوم بجانب مناطق متفرقة من العاصمة شهدت أحداث عنف واعتداءات "تستوجب الردَّ الصارم".
وأدان البيان العنف الذي يستهدف المواطنين العزَّل، وقال: "ما حدث من عنف هو محاولة بائسة لاختراق ما أنجزته قوى الثورة في جبهة التفاوض والوصول لاتفاق حول تسليم مقاليد الحكم لسلطة انتقالية مدنية، وفقاً لإعلان الحرية والتغيير".
وطالبت قوى إعلان الحرية والتغيير بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لمعرفة ما حدث، وتقديم المسؤولين للمحاسبة.
محاولة لقطع الطريق على الثورة، والمهلة ستنتهي غداً
وحمَّل القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير خالد سلك، المجلسَ العسكري مسؤولية ما حدث كاملة، خاصة أن الرصاص الذي كان يُطلق على المتظاهرين يأتي من فوقهات بنادق قوات الدعم السريع.
وقال سلك خلال المؤتمر الصحفي المفاجئ الذي أعلنت عنه قوى التغيير يوم الثلاثاء 14 مايو/أيار 2019: "يتحمّل المجلس العسكري مسؤولية ما حدث، حتى وإن كانت هناك جهة ثالثة كما يدعون، لكن المؤكد أنها كانت ترتدي زيّ قوات الدعم السريع، وهو ما يعني أنه يتحمَّل المسؤولية كاملة في معرفة تلك الجهة التي تنتحل صفة قوات الدعم السريع".
ووصف سلك حادثة إطلاق النار بالنكسة الكبيرة، مبيناً أن هناك جهات تحاول قطع الطريق على الثورة، مشدداً على ضرورة حسم نقل السلطة عبر المفاوضات.
وقال: "هذه المفاوضات محكومة بفترة زمنية محدَّدة تنتهى يوم الغد، وعلى المجلس العسكري نقل السلطة، وإلا فإنه قد اختار قيادة البلاد للمواجهات من جديد".
شهود عيان يروون ما حدث خلال المذبحة
ويروي شهود عيان لـ "عربي بوست"، أن بعض المهاجمين كانوا يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع، دون التأكد مما إذا كانوا يتبعون فعلاً لتك القوات أم لا.
وتحدَّث آخرون عن رصد قنَّاصة يتمركزون في عدد من المباني القريبة من ساحة الاعتصام، وتحديداً في شارع البلدية، المؤدي للساحة من الجهة الغربية، بالقرب من مباني المحكمة الدستورية.
وتسود حالة من الغضب والاحتقان الشارع السوداني، إذ خرج المئات صبيحة أمس الثلاثاء مندِّدين بما وصفوه انقلاباً على الاتفاق المبرم بين المجلس العسكري وقوى التغيير، فيما أغلق البعض عدداً من الطرقات الرئيسية بمدن العاصمة المثلثة (أم درمان، بحري، الخرطوم)، بحسب ما رصدته جولة لمراسل "عربي بوست" في المدينة.
ما بعد الثامن من رمضان ليس كما قبله
في الوقت الذي ضجَّت فيه مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، مندَّدة بالحادثة الأليمة، التي وصفها كثيرون بمجزرة الثامن من رمضان، فيما اتهم ناشطون المجلس العسكري بالتقاعس عن أداء مهامه بالشكل المطلوب في حماية المعتصمين، الذي أكد مراراً توفير أقصى درجات الحماية لهم.
ومن المؤكد أن أحداث الإثنين الدامي ستزيد من مخاوف السودانيين، الذين يعتصم آلاف منهم أمام مقر قيادة الجيش منذ السادس من أبريل/نيسان الماضي، من التفاف المجلس العسكري على مطالب الحراك الشعبي في تسليم السلطة للمدنيين، وهو المطلب الرئيسي لقوى إعلان الحرية والتغيير.
وكانت الاحتجاجات انطلقت في الـ19 من ديسمبر/كانون الأول 2018، ما قادَ للإطاحة بالرئيس عمر البشير إثر انحياز الجيش للمحتجين، حيث تم تشكيل مجلس انتقالي لقيادة مرحلة انتقالية، تحدَّدت مدتها بعامين كحدٍّ أقصى.
ويُطالب تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، الذي يتزعم الثورة، بمجلس رئاسي مدني، بتمثيل عسكري محدود، يضطلع بالمهام السيادية خلال الفترة الانتقالية، ومجلس تشريعي مدني، ومجلس وزراء مدني مصغر من الكفاءات الوطنية، لأداء المهام التنفيذية.