مرحلة انتقالية لمدة سنتين، عندما صدر هذا الإعلان لأول مرة من المجلس العسكري السوداني أثار سخرية المتابعين للشأن السوداني في العالم العربي نظرا لطول المدة، ولكن المفاجأة أن الحراك السوداني أعلن أنه يريد مرحلة انتقالية لأربع سنوات، فلماذا يريد الحراك تأجيل الانتخابات السودانية، وإطالة المرحلة الانتقالية؟
ومع أن هناك خلافات متعددة وقد تكون أكثر أهمية بين الجانبين، إلا أنها خلافات منطقية بين قوى ثورية يفترض أنها تسعى لحكم مدني وبين مجلس عسكري يرجح أنه يريد التشبث بالسلطة.
ومن هذه الخلافات من يسيطر على المجلس الانتقالي الحاكم، أو الموقف من الشريعة الإسلامية، والأحزاب الإسلامية.
لكن المفارقة الغريبة التي لا ينتبه لها الكثيرون في خضم هذه الخلافات، أن الحراك يصرُّ على مرحلة انتقالية لمدة أربع سنوات.
في المقابل فإن المجلس العسكري السوداني عندما اختلف مع الحراك لم يهدد بفضّ الاعتصام أو إعلان الأحكام العرفية بل هدد بإجراء انتخابات خلال ستة أشهر!
فلماذا يعتبر إجراء انتخابات مبكرة تهديداً لقوى يفترض أن هدفها الرئيسي هو الديمقراطية.
لماذا يريد الحراك تأجيل الانتخابات السودانية؟
هل يخشون تكرار التجربة المصرية؟
يمكن محاولة تفسير إصرار قوى الحراك السوداني على تأجيل الانتخابات بأنه محاولة لتجنب الوقوع في أخطاء التجربة المصرية، التي بدأت بتعديلات دستورية ثم انتخابات تشريعية ورئاسية أفضت لتولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة، بينما ظل فلول النظام مسيطرين كما يرى الثوار في مصر.
وبالتالي أصبح هناك اعتقاد شائع بين القوى الثورية في العالم العربي بعد فشل التجربة المصرية، أن المسار الثاني والذي كانت قد ألمحت له مصر قوى مدنية هو الأفضل.
أي تشكيل مجلس حكم انتقالي يتيح الفرصة لاستئصال القوى المؤيدة للنظام السابق ووضع دستور توافقي.
فهذا المسار يضمن عدم فوز الإسلاميين وإتاحة الفرصة لاستئصال القوى المؤيدة للنظام السابق.
المشكلة أن هذا المسار لم يجرب أصلاً حتى يحكم عليه إذا كان ناجحاً أم لا.
كما أن المسار التونسي اعتمد على فكرة الانتخابات ولم يفشل حتى الآن على الأقل.
كما أن مؤيدي مسار إطالة الفترة الانتقالية يتجاهلون إشكالية كيف تدار الخلافات بين أعضاء مجلس غير منتخبين، وأن الجيوش التي استغلت الظروف للإطاحة بقوى ديمقراطية منتخبة، سيكون من الأسهل بالنسبة لها الإطاحة بمجلس انتقالي غير منتخب.
هل هناك أسباب أخرى لرغبة الحراك في تأجيل الانتخابات السودانية.. يجب أن نعلم من يتزعم الحراك أولاً؟
الإجابة عن سؤال لماذا يريد الحراك تأجيل الانتخابات السودانية؟ تتطلب فهم طبيعة هذا الحراك ومن يقوده والأهم فهم التركيبة الاجتماعية والسياسية للسودان.
منذ استقلال السودان، تنازعته قوى متعددة، بين عسكريين وإسلاميين وقوى تقليدية وقوى يسارية.
ولكن في الأغلب عند إجراء أي انتخابات في المرات القليلة التي كان يوجد ديمقراطية في السودان، كانت الأحزاب التقليدية هي التي تفوز بها وكثيراً ما تشكل حكومة ائتلافية، ثم كان الإسلاميون ينالون النصيب التالي من الكعكة السياسية.
والأحزاب التقليدية في السودانية ممثلة في حزب الأمة الذي يتزعمه حالياً الصادق المهدي رئيس وزراء السودان السابق، والذي يعتبر عن طائفة الأنصار، وهي الطائفة التي تقودها تاريخياً عائلة المهدي ولها دور في تشكيل هوية السودان الحديث من خلال الثورة المهدي التي قامت ضد الحكم التركي المصري للسودان، وحاولت التصدي لغزوه من قبل الإنجليز، وهذه الطائفة نفوذها يتركز في غرب السودان.
وهناك أيضاً الحزب الاتحادي المعبر عن الطائفة الختمية التي تتركز شعبيتها في شمال السودان.
في مقابل الإسلاميين والأحزاب التقليدية، كان هناك ما يسمى الأحزاب والقوى الحديثة، وهو مصطلح كان يقصد في الأغلب القوى اليسارية.
وكانت هذه القوى تعتبر نفسها هي الأجدر بقيادة السودان.
ولكن أدائها في الانتخابات في بلد مسلم وعربي وقبلي ومحافظ لم يكن جيداً في أغلب الأحوال.
لماذا قال النظام إن الشيوعيين يقودون الحراك؟
منذ بداية الحراك تخوّف النظام السوداني الحاليّ من أن يكون الشيوعيّون هو من يقف خلف الاحتجاجات الأخيرة.
ولا تستند هذه المخاوف لمجرّد حسّ تآمري أو "فوبيا" من الحركات اليساريّة باعتبار الاختلاف الأيديولوجي بين النظام السوداني "الإسلامي" الحاكم وبين الشيوعيين فقط، بل يستند أيضاً إلى التاريخ النضالي الطويل للحزب ونفوده القويّ الذي تمتع به طوال سنوات خلت داخل الحركة الطلابية والنقابات العمالية، وتصدّره النضال ضد الأنظمة السودانية المتعاقبة طوال تاريخه.
وبينما يتهم الإسلاميين دوماً بالتحالف مع حكم البشير، فإن التاريخ يشير إلى أن الشيوعيين في السودان كان لها نصيب في الانقلابات العسكرية، مثل محاولة الانقلاب الشيوعي الفاشل الذي جرى في يوليو/تموز 1971.
وقبل ذلك عندما استولى الجنرال عبّود على السلطة بانقلاب العسكري على حكومة عبدالله جليل في سنة 1958، أعلن "الحزب الشيوعي" في بيان واضح وصريح رفضه لهذا الانقلاب بحجّة أن من قاموا به هم "من الضباط التقليديين وليسوا من الثوريين" ووصفوا عهده بـ "العهد الأسود"، وخرجت المظاهرات التي حرّكها الحزب في صفوف الطلبة والنقابات العمّالية والحركات النسويّة، وهو ما أدّى بحكومة عبّود إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف الحزب والمتعاطفين معهم ونفيِهم إلى جنوب السودان.
وفي عام 1964 قامت ثورة شعبية ضد نظام الجنرال عبّود، شارك "الحزب الشيوعي" وأعضاؤه في الحشد لها وتعبئة الجماهير للمشاركة فيها، ونجحت في إنهاء حكم الجنرال.
كانت للحزب تجربة قصيرة في الحكم بالمشاركة بمقعد وزاري في الحكومة الانتقالية التي حكمت البلاد في سنة 1964، وذلك اعترافاً بدور الحزب في النضال ضد حكم الجنرال عبود العسكري، لكن ذلك لم يستمر بسبب اعتراض الأحزاب السياسية على تواجد "الحزب الشيوعي" الذي اعتبروا أنه يهيمن على قرار الحكومة وعلى سياسة البلاد.
وطالبوا بإجراء انتخابات في أسرع وقت، والتي أسفرت عن اكتساح "حزب الأمة" بـ75 مقعداً و "الوطني الاتحادي" بـ54 مقعداً فيما لم يحصل الشيوعي سوى على 11 مقعداً.
من يقود تجمع المهنيين السودانيين؟
أثبت الحراك الشعبي السوداني كفاءة نادرة في التعامل مع أقوى نظام مستبد حكم البلاد، ولعب تجمع المهنيين السودانيين دوراً مهما في قيادة هذا الحراك.
وحتى سقوط البشير لم يكن معروفاَ من يتزعم تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك.
ولكن بعد تنحية البشير تم الإعلان أن الأستاذ الجامعي محمد يوسف المصطفى باعتباره زعيم الحراك.
وبعد ذلك أكد التجمع عدم وجود منصب للرئيس بين مكوناته.
اللافت أن المصطفى هو قيادي بازر في الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، وهي الفصيل المسؤول عن إنفصال الجنوب بعد حرب أهلية دامت لسنوات.
ما هي أفكار الحركة الشعبية لتحرير السودان؟
تتسم أيديولوجيا الجبهة الشعبية لتحرير السودان، بغرابة نسبية.
إذ تقدم الجبهة نفسها على أنها ذات جذور يسارية وتهدف لتحرير السودان من الحكم الاستبدادي وتحقيق المساواة بين أبنائه والحكم الذاتي للجنوبيين.
ولكن هذه الحركة ذاتها تعاونت مع أجهزة مخابرات غربية وإفريقية ومؤسسات كنسية في حربها ضد النظام في الشمال.
وبينما تؤكد الجبهة دوماً ديمقراطيتها والهجوم على استبداد الإسلاميين في الشمال، فإنه بعد انفصل الجنوب تحت قيادتها، تبين أن حكمها لا يقل استبدادية عن الإسلاميين.
وفي حين اتهمت السودانيين الشماليين لا سيما الإسلاميين بالعنصرية والتمييز ضد الجنوبيين، فمع انفصال الجنوب تبين أن الحركة تسيطر عليها قبيلة الدينكا أكبر قبائل الجنوب.
وهو الأمر الذي استفز القبائل الأخرى واندلعت حرب أهلية في الجنوب بعد انفصاله عن الشمال أودت بحياة نحو 400 ألف شخص، وقد توقفت الحرب بفضل إتفاق سلام تم إبرامه بين سيلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان و بين نائبه السابق ريك مشار، ولكن المفاوضات حول تشكيل الحكومة واستكمال ترتيبات السلام تتعثر.
وتتبنى الحركة موقفاً مختلفاً تجاه السودان وهويته
إذ تقول تلميحاً أحياناً، وصراحة أحياناً أخرى، إن العرب في السودان غزاة أو مهاجرون.
ويرى البعض أن الحركة تحاول تغيير خطوط الانقسام التقليدية في السودان بين شمال وجنوب إلى عرب وأفارقة.
واستمرَّ هذا النهج حتى بعد أن حسمت قرارها بانفصال الجنوب، وحاولت التمييز بين سكان شمال السودان على أساس إثني بين عرب وغير عرب، ولعبت الحركة دوراً في اندلاع التمرد في دارفور، عبر حركة تحرير السودان المقربة منها، ودعم باقي الحركات المتمردة، وهذا التمرد قام على أساس ادعاء تعرض القبائل الإفريقية في دارفور للاضطهاد مقابل محاباة النظام للقبائل العربية.
كما شارك قطاع الشمال في الحركة في حركات تمرد مسلحة ضد النظام، وفي مناطق ذات أغلبية غير عربية، مثل ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
الخلاف حول الشريعة الإسلامية واللغة العربية
يعتقد الكثيرون في السودان أن المجلس العسكري يحاول أن يلعب بورقة تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي هذا الإطار ظهرت دعوات لمليونية الشريعة الإسلامية، أطلقها بعض السلفيين، وإن كان لم يتم تنظيمها على الأرض.
كان أحد الردود المثيرة للجدل التي قدَّمها المجلس العسكري السوداني لقادة الحراك بشأن الوثيقة الدستورية التي تنظم المرحلة الانتقالية، أنها لم تتضمن التأكيد على أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع، وكذلك ما يتعلق باللغة العربية.
وكان رد الحراك بأن المجلس العسكري قام "بإثارة قضايا غير ذات صلة، مثل اللغة ومصادر التشريع، في تكرارٍ ممل لمزايدات النظام القديم".
وقال خالد محمد يوسف، الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني، إن قضايا مثل الشريعة ولغة الدولة هي أسلحة فكرية استخدمها النظام السابق لتقسيم الشعب.
وقد يكون مفهوماً موقف الحراك من مسألة الشريعة، في ضوء أن الاحتجاجات قامت ضد نظام طبّق الشريعة الإسلامية بشكل متعسف، ولكن الموقف من اللغة العربية يثير التساؤل، هل يعني هذا أنها ليست من الثوابت السودانية.
عندما يأتي هذا الموقف في ضوء أن الرجل الأول في التجمع هو قيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، هل الأمر مجرد صدفة؟.
هل يمكن أن ينفرد تجمع المهنيين السودانيين بقيادة الحراك؟
رغم عدم وضوح ديناميكيات الحراك على أرض الواقع، فإنه يبدو أن القائد الفعلي هو تجمع المهنيين السودانيين، وبحسب ما قاله محمد يوسف المصطفى لـ "عربي بوست"، فإن جموع المهنيين أصبحت تطيع التجمع.
إذ يقول إن تجمع المهنيين انعقدت له كل ألوية الولاء والطاعة من جميع المهنيين في أنحاء السودان، ككل الأطباء وكل المهندسين.
ومع ذلك فقد شكَّل هذا التجمع قوى إعلان الحرية والتغيير للتفاوض مع المجلس العسكري بشكل جماعي، وتضم هذه القوى عدداً كبيراً من الأحزاب السودانية التقليدية والسياسية.
ففي الأول من يناير/كانون الثاني 2019، أُطلق "إعلان الحرية والتغيير" برعاية أربع قوى رئيسية: "تجمع المهنيين السودانيين"، "الإجماع الوطني"، "نداء السودان"، "التجمع الاتحادي المعارض"، وهذه التجمعات تضم الأحزاب المعارضة التقليدية في السودان.
ولكن يبدو أن العلاقة ليست على ما يرام بين تجمع المهنيين وباقي أطراف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وعكست بياناتٌ متلاحقة لقوى رئيسية في تحالف إعلان الحرية والتغيير المعارض بالسودان، حالةً من الشقاق والتنافر الكبير حيال أهم التطورات على الساحة السياسية، خاصة بعد تدخل لجنة وساطة للتقريب بين التحالف المعارض والمجلس العسكري الانتقالي.
والمتابع لهذه الخلافات، يلاحظ أن هناك ما يشبه الصقور والحمائم داخل التحالف، فيما يتعلق بالموقف من المجلس العسكري.
والحمائم كما يبدو هي الأحزاب التقليدية كحزب الأمة، بينما الصقور هي تجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي.
فعلى سبيل المثال فإن الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة يتحدث عن الأحداث في السودان كأنه مراقب وليس طرفاً بها، ويبدو أقرب للحياد بين العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير، الذي يفترض أن حزبه عضو فيه.
وسبق أن أعلن رفضه للتصعيد ضد المجلس العسكري، متخوفاً من ردة فعله.
كما أن القيادي بتجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف المصطفى، قال في تصريح لـ "عربي بوست": نتوقع أن يتخاذل البعض في قوى إعلان الحرية والتغيير، أو أن يُعلن البعض تمردهم عليه، بل نتوقع أن يذهب البعض أبعد من ذلك ليعلنوا ابتعادهم تماماً عن إعلان تجمع الحرية والتغيير كله، هذا متوقع بالنسبة لنا.
ومع ذلك سبق أن استبعد الأمين العام للمؤتمر السوداني خالد عمر يوسف في تصريح للجزيرة، أن يجنح أي طرف داخل التحالف لاختيار طريق مختلف عن البقية، مشيراً إلى أنه "لا نداء السودان ولا تجمع المهنيين ولا قوى الإجماع تعبر عن الشارع منفردة. الشارع الآن تعبر عنه وحدة التحالف، وإذا تفكَّكت فالشارع سيبحث عن بدائل".
يبدو هذا الخلاف في حدة الخطاب تجاه المجلس العسكري مفهوماً.
فالأحزاب في السودان، لاسيما التقليدية مثل الأمة، تلعب سياسة كأي أحزاب في العالم، وبالتالي لديها استعداد للمساومة، وعدم التصعيد، بينما القوى الثورية في الشارع تميل للتصعيد والحسم، ولاسيما إذا كانت هذه القوى تقودها شخصيات تنتمي لتيارات ثورية بطبيعتها، مثل الحزب الشيوعي السوداني والجبهة الشعبية وغيرها من القوى اليسارية.
مَن يفوز في الانتخابات إذا أُجريت خلال ستة أشهر كما وعد المجلس العسكري؟
وعد المجلس العسكري بإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، يدفع للتساؤل: مَن سيفوز في الانتخابات إذا أُجريت؟
رغم أن سنوات من الحكم الاستبدادي غيّرت على الأرجح التركيبة السياسية السودانية، بل وحتى السكانية، فإنه يظل الماضي وسيلة لمعرفة المستقبل.
ففي آخر انتخابات ديمقراطية في السودان التي أجريت بعد سقوط نظام النميري، تصدَّر حزب الأمة النتائج وشكّل عدة حكومات ائتلافية، ضمَّت الحزب الاتحاد (أحد أبرز الأحزاب التقليدية)، والجبهة الإسلامية.
يمكن التوقع أن هذه الأحزاب قد ضعفت تماماً جراء حكم البشير، ولكن يظل السؤال: مَن هو البديل، هل هناك قوى سياسية تستطيع أن تنافسها في الانتخابات؟
كما تجارب الربيع العربي تشير إلى أن القوى التي تظهر نشاطاً أكبر خلال فترة الحراك الثوري، لاتستطيع في الأغلب أن تترجم ذلك في الانتخابات.
فهي تظل حركات نخبوية مرتبطة بالعاصمة أو حتى بحي مركزي فيها مثل وسط البلد في القاهرة.
الدعوة لانتخابات أبكر من اقتراح الجيش
زعيم تجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف المصطفى (أو القيادي بالتجمع كما يُفضل أن يطلق على نفسه)، ردَّ على تهديد المجلس العسكري بالإسراع في الانتخابات خلال ستى أشهر بتهديد مضاد، بالدعوة لإجراء انتخابات خلال أربعة أشهر، على أن تكون تحت إشراف دولي.
وقال المصطفى في حديثه مع "عربي بوست"، إنه مع الجو العام المشحون ضد حزب الرئيس السابق، فلن يكون لهم أي دور في الحياة السياسية القادمة.
ولكن يجب ملاحظة أنه في الانتخابات التي أجريت بعد سقوط الرئيس الأسبق جعفر النميري عام 1986 كانت الظروف متشابهة، إذ كان الإسلاميون متحالفين مع النميري، حتى لو ابتعدوا قليلاً عنه قبل سقوطه.
كما أن الحراك الذي استهدف النميري لم تلعب الأحزاب التقليدية دوراً كبيراً فيه، ومع ذلك تصدّرت الانتخابات.
الأهم أن إطالة الفترة الانتقالية قد يعني تبريد العداء للإسلاميين، وإعطاء فرصة للأحزاب التقليدية لاستعادة شارعها، وبالتالي فإنه لن يكون بالضرورة في مصلحة تجمع المهنيين السودانيين.
من الواضح أن تجمع المهنيين السودانيين يمثل تحالفاً لقوى جامعة، ليس لها لون سياسي محدد، بل هي تطالب بمطالب عامة لكافة السودانيين، مثل الحرية وإنهاء الاستبداد والحكم العسكري.
ولكن هذا لا يمنع أنه قد تكون هناك قوى أيديولوجية مؤثرة أكثر نفوذاً داخل التجمع، خاصة أنه في مثل هذه التجمعات فإن المؤدلجين والتنظيميين يكونون أكثر تأثيراً من المستقلين حتى لو كانوا أقلية.
في الأغلب، فإن رغبة تجمع المهنيين السودانيين في إطالة الفترة الانتقالية وتأجيل الانتخابات نابعة من دافعين:
دافع كقوى ثورية متأثرة بتجربة الثورة المصرية، وكيف فشلت يناير بعد أن سارت في مسار التعديلات الدستورية والانتخابات.
وبالتالي يرى ثوار السودان ضرورة السيطرة على الحكم لاستئصال فلول النظام.
ولكن قد يكون هناك دافع آخر وراء هذا الموقف الغريب المطالب بفنرة انتقالية لمدة أربع سنوات.
دافع أيديولوجي يرى أن الأحزاب التقليدية والإسلاميين والعسكر هم الشر الذي أصاب السودانيين لعقود، وبالتالي يراهن أصحاب هذا الدافع على أن يتولوا السلطة بشكل غير ديمقراطي لإضعاف ثلاثي العسكر والإسلاميين والأحزاب التقليدية، وإتاحة الفرصة لما يوصف بالقوى التقدمية لقيادة البلاد.
ولكن، ألم يكن هذا مطلب كل الطغاة في أول الأمر؟ بضع سنوات من الاستبداد لإصلاح ما أفسده السابقون.