خطة إيران للهيمنة الدينية على شيعة العراق تواجه تحدياً من المقربين إليها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/06 الساعة 22:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/07 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش
لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني مع المرجع الشيعي على السيستاني/Reuters

لطالما سعى الزعماء الدينيون الإيرانيون إلى توسيع نفوذهم على المؤسسة الشيعية بالعراق المجاور، في مقامرة تهدف إلى السيطرة على أكبر مجموعة دينية بالعراق، وتحقيق الهيمنة الإيرانية على شيعة العراق.

هذه الحملة الإيرانية كانت أكثر وضوحاً بمدينة النجف المقدسة، مقر الزعامة الدينية الشيعية في العراق والبوابة إلى السكان الشيعة على نطاق واسع والذين يمثلون ثلثي سكان العراق، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

مناورة لتنصيب بديل للسيستاني وتحقيق الهيمنة الإيرانية على شيعة العراق

في المناطق القديمة المكتظة بالسكان في النجف، مولت إيران المدارس والجمعيات الخيرية، وبَنَتْ مساجد متطورة، وأنشأت روابط قوية مع علماء الدين، في محاولة لتقويض رجال الدين المحليين، الذين ظلوا فترة طويلة مستقلين بشدة.

يقول نشطاء سياسيون عراقيون إن رجال الدين المرتبطين بإيران يروجون لنوع معين من اللاهوت الشيعي الذي ترعاه الدولة في المعاهد الدينية بالنجف، ويقومون بمناورة لتنصيب أحد رجال الدين التابعين لهم في موقع "المرجع الديني" أو السلطة الدينية العليا بالعراق.

ولا تزال ملصقات الشيخ محمود هاشمي شاهرودي، وهو سياسي إيراني بارز دعمته طهران لهذا المنصب القوي قبل وفاته، تغطي جدران النجف.

وقال غالب الشابندر، المحلل العراقي والسياسي الإسلامي السابق: "إيران تريد اختطاف النجف وجعلها خاصة بها. فهي تريد تعيين مرجع ديني تابع لها في العراق، والسيطرة على تحركاته".

لكن يبدو أن المحاولة جاءت بنتيجة عكسية

غير أن تقدُّم الثيوقراطية الإيرانية في النجف واجه مقاومة، وهو ما أثار غضب الشخصيات البارزة بهذه المدينة، وقد يؤدي في النهاية إلى تأجيج الاستياء بين الشيعة بالعراق. لقد سئم كثير من العراقيين مما يرون أنه تدخل إيراني كبير في شؤون العراق.

المفارقة أن مواجهة محاولات تحقيق الهيمنة الإيرانية على شيعة العراق يقودها رجل الدين الشيعي آية الله على السيستاني الذي يحمل الجنسية الإيرانية.

الهيمنة الإيرانية على شيعة العراق
متظاهرون يحملون صور للسيستاني/Reuters

يُذكر أن مبادرة إيران لتوسيع نفوذها الديني أمر يكمل جهودها المتزايدة لإبراز قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية في العراق، حيث تتنافس واشنطن وطهران على النفوذ.

و"داعش" ساعدها في مهمتها

تجدر الإشارة إلى أن إيران أصبحت قوية بشكل خاص بعد أن قامت الميليشيات التي تدعمها طهران بدور قيادي في دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي احتل مساحة واسعة من شمال العراق، واحتفظت القوات الإيرانية المحاربة بالوكالة بالسيطرة على أراضي عراقية واسعة.

 من ناحية أخرى، لعب حلفاء إيران، بمن فيهم رجال الميليشيات السابقين، دوراً مؤثراً في البرلمان العراقي.

ويتدخل المسؤولون الإيرانيون بشكل روتيني للتوسط في النزاعات بين الفصائل السياسية والعسكرية. وتعتمد العديد من وسائل الإعلام المحلية على الهبات الإيرانية. إلى جانب ذلك، تغمر الواردات الإيرانية – متنوعة مثل مستحضرات التجميل والبيض والصلب – الأسواق المحلية. كما أن إمدادات الطاقة الإيرانية تساعد في إنارة المدن العراقية.

في النجف، الوجود الإيراني لا تخطئه العين.

شركات تابعة للحرس الثوري واللغة الفارسية في قلب النجف

يسافر مئات الآلاف من الإيرانيين إلى النجف كل عام لزيارة ضريح الإمام علي ذي القبة الذهبية، الذي يقدسه المسلمون الشيعة. ومولت إيران وساعدت في الإشراف على مشروع طموح لتوسيع الضريح، بما في ذلك بناء متحف ومكتبة وقاعات دراسية للطلاب الدينيين في ملحق منفصل. وتشارك شركة خاتم الأنبياء، شركة هندسية مملوكة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، في المشروع.

 على الجانب الآخر، ينفق السياح الإيرانيون مبالغ هائلة من المال في أسواق النجف، وغالباً ما توجد لافتات على المتاجر والمطاعم باللغة الفارسية.

محاكمة عناصر داعش العراق
خطر داعش عزز نفوذ الإيرانيين في العراق

كما أن أرفف المكتبات المحلية غزيرة بالنصوص والكتيبات الدينية الإيرانية. وتساعد إيران في دفع تكاليف وسائل الراحة بما في ذلك العيادات الطبية، من بينها مستشفى الإمام علي بالنجف، وخدمات الدعم للحجاج. وهناك شركة إيرانية لديها عقد لنقل القمامة.

وفي الوقت نفسه، تدفع إيران أيضاً رواتب للطلاب الدينيين من خلال مكاتب يديرها رجال دين إيرانيون وحلفاؤهم، وفي بعض الأحيان، استخدمت إيران تلك الروابط لتجنيد العراقيين للقتال مع الميليشيات الموالية لإيران.

ولكن هناك غضب على محاولتها تنصيب مرشحها ليصبح المرجع الشيعي الأعلى

لكن الإيرانيين ليسوا موضع ترحيب شامل في النجف. فهناك مخاوف بشكل خاص حول ما يراه بعض رجال الدين العراقيين على أنه جهد طهران لتنصيب مرشحها ليصبح المرجع الديني الأعلى المقبل. يشغل هذا المنصب الآن آية الله الأكبر علي السيستاني، الذي يحرص على استقلال العراق ويقف ضد التدخل الإيراني.

 وُلد السيستاني، البالغ من العمر 88 عاماً، في إيران، لكنه يعارض مبدأ "ولاية الفقيه" الذي يعزز نظام الحكم الإيراني.

تدعو هذه العقيدة، التي هي محل خلاف بين علماء الشيعة، لوجود زعيم ديني وسياسي أعلى يكون الحكم في جميع شؤون الدولة، الأمر الذي أثار جدلاً بين طلاب المعاهد الدينية في النجف وإيران لعقود من الزمن. لكن السيستاني يدعم دوراً استشارياً أكبر لرجال الدين.

لطالما كان للسيستاني تأثير مهيمن في النجف وخارجها. فقد ألهمت مراسيمه ملايين العراقيين لتبني أنشطة بما في ذلك التصويت في الانتخابات وحمل السلاح ضد جهاديي تنظيم داعش.

فالسيستاني عزز استقلال النجف وساعد على تهدئة الطائفية

وقد أثنى عليه المراقبون العراقيون لأنه عزز استقلال النجف وساعد على تهدئة بعض أسوأ أعمال العنف الطائفية في البلاد. لكن السيستاني كبير في السن، وليس من الواضح ما سيحدث بمجرد رحيله.

 وقال عماد الشرع، وهو طالب سابق في علوم الدين، وهو الآن باحث في معهد صحافة الحرب والسلام في العراق: "إذا مات السيستاني، سيكون هناك صراع كبير على من يحل محله، بما في ذلك بين رجال الدين الذين تربطهم صلات بإيران.

لقد حاولت إيران التأثير على النجف من خلال إقامة علاقات مع كبار رجال الدين، وجرى إضعاف النجف نتيجة لذلك".

لكنه أضاف: "لا أحد يستطيع أن يحكم النجف من خارج النجف".

ولكن طريقة استقبال العلماء لمرشح خامنئي كانت مفاجئة

لقد حاولت إيران من قبل. في وقت سابق من هذا العقد، أرسل المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي كبير قضاة الجمهورية الإسلامية السابق شاهرودي إلى مسقط رأسه في النجف لفتح مكتب وتأسيس شبكة من الأتباع.

يقول زملاؤه إنه سافر إلى العراق، في البداية في عام 2012، بهدف أن يصبح في نهاية المطاف السلطة الدينية العليا في العراق، وهي مغامرة كان من شأنها أن تعزز قبضة إيران على النجف.

قال مساعد مقرب من السيستاني، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة دوافع السياسي الإيراني البارز: عندما جاء شاهرودي إلى العراق، "كان يعد نفسه ليصبح المرجع الديني للعراق بعد وفاة السيستاني".

قال الشيخ جاسم المندلاوي، أحد شركاء شاهرودي في العراق: كان لديه القدرة على القيام بذلك، فقد ولد في العراق ولكنه كان يعمل بهدوء، احتراماً للسيستاني.

وأضاف "لكن استقبال شاهرودي من قبل كبار رجال الدين العراقيين لم يكن كما كان يأمل. لقد صُعق بالترحيب الضعيف الذي تلقاه. لهذا غادر العراق".

عاد شاهرودي إلى إيران، حيث شغل بعد ذلك منصبين حكوميين رفيعي المستوى قبل وفاته في ديسمبر/كانون الأول في سن السبعين. والآن، أصبحت قاعة الاجتماعات المزينة بالفسيفساء التي أمر ببنائها في النجف خالية وغير مكتملة، باستثناء وجود حارس وحيد عليها.

وهناك من يريد للعراق أن يحكم على الطريقة الإيرانية

غير أن هناك آخرين ممن يرغبون في رؤية العراق يحذو حذو إيران.

فهناك الشيخ علاء الدين الجزري، واعظ قوي البنية يرتدي عمامة سوداء، وهو رجل دين له علاقات وثيقة مع إيران ويدافع علناً عن الحكومة الإيرانية الثيوقراطية، التي يقول إنها يمكن أن تحل محل "الدولة السياسية الفاسدة" الحالية في العراق.

وقال الجزري في مقابلة في مكتبه المُضاء بإضاءة خافتة في وسط النجف" طموحي هنا في العراق هو أن يكون هناك نظام قائم على الدين. كرجل دين، أعتقد أن ديننا قادر على إدارة جميع أجزاء الحياة والدولة".

يعمل الجزري كمسؤول ديني كبير في حركة النجباء، وهي ميليشيا شيعية تدعمها إيران وقد صنفتها الحكومة الأمريكية كمنظمة إرهابية في مارس/آذار، وهو مسؤول اتصال رئيسي في مكتب المرشد الأعلى لإيران.

وقال الجزري "بعض الناس يعتقدون أنه يجب أن تكون هناك فتوى تدعو إلى ثورة للإطاحة بالدولة. لكن آخرين يقولون إن هذه الفتوى ستكون انتحارية"، في إشارة واضحة إلى ردود الفعل العنيفة التي يمكن أن تثيرها بين العديد من العراقيين.

إن تحركات إيران العلنية للسيطرة على اتجاه المؤسسة الدينية قد تثير الغضب العراقي.

ويحذر أتباع السيستاني من أن أي خليفة موالي لإيران بعد السيستاني سيضعف من استقلال المؤسسة الدينية العراقية ويؤدي إلى قلب التوازن الدقيق بين القوى السياسية والدينية في البلاد.

اجتماع برلمانات دول الجوار العراقي/ رويترز
اجتماع برلمانات دول الجوار العراقي/ رويترز

وقال الشيخ خالد البغدادي، وهو رجل دين مقيم في النجف ومساعد مقرب من السيستاني: "كان للسيستاني دور رئيسي في الحفاظ على السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في العراق. لقد كان هذا هدفه منذ البداية".

في مكتب في منزله في المدينة، كان البغدادي، المحاط بالنصوص الدينية، قدم لنا الشاي المحلى بالسكر ومعجنات فيلو المحلية المخفوقة في العسل. عندما سئل عن محاولات إيران للترويج لحلفائها في النجف، وضع البغدادي يده على بطنه وضحك ضحكة مكتومة.

 وقال "ليس لديهم [الإيرانيون] سلطة هنا. لا يمكن لأي سلطة فرض إرادتهم علينا".

تحميل المزيد