"عندما علمت من التلفاز صباحاً بخبر إلغاء الإعفاءات على الدول التي كانت ما زالت تشتري النفط من إيران، بدَّلت ملابسي بسرعة، ونزلت إلى السوق لكي أشتري كمية كبيرة من الطعام والخضراوات، خشية أن تتعرض الأسعار للارتفاع مرة أخرى".
هكذا استقبلت المعلمة آيدا، البالغة من العمر 40 عاماً، خبر إلغاء واشنطن الإعفاءات لثماني دول من مستوردي النفط الإيراني.
تقول آيدا لـ "عربي بوست"، عندما ذهبت إلى السوق في المنطقة التي أسكن بها، اندهشت من ردة فعل الناس أمام المتاجر "فالكل كان يتصرف كان شيئاً لم يحدث".
تصف آيدا مشاعرها في تلك اللحظة بالمشوشة، فتقول: "كنت لا أعلم، هل يجب أن أخاف أو أتصرف بشكل طبيعي، فقد مررنا نحن الإيرانيين بالكثير من العقوبات، فالأمر أصبح اعتيادياً على ما يبدو".
أول تأثيرات العقوبات كانت على الأسعار، وأبرزها الخبز
عندما ذهبت آيدا لشراء مستلزماتها من المواد الغذائية بعد يوم واحد من بدء سريان قرار واشنطن إلغاء الإعفاءات، لاحظت ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار.
"اشتريت منذ أسبوعين 2 كيلوغرام من الطماطم بسعر يعادل 50 سنتاً أمريكياً، ولكني اليوم (تحديداً في يوم 3 مايو/أيار 2019)، اشتريتها بسعر يعادل دولار أمريكي للكيلوغرام الواحد".
تقول آيدا: الفرق يبدو ليس كبيراً للغاية، ولكن أنا وأسرتي نخشى أن تحدث قفزة كبيرة أخرى في الأسعار.
في صلاة الجمعة يحثّ الإمام المصلين على "الثقة بالله وصلوات خامنئي"
أثناء صلاة الجمعة الماضية في مدينة مشهد، وقف الخطيب، وهو رجل الدين المعروف آية الله أحمد علم الله وسط جموع المصلين، ليقول: "نحن نعتمد على الله والإسلام والقرآن وصلوات القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وليس على النفط والمناجم والأسواق المالية".
اتبع جميع الخطباء في المساجد نهج آية الله أحمد علم الله، في محاولة منهم "تبدو وكأنها تعليمات عليا"، لطمأنة الإيرانيين من قرار ترامب الأخير بشأن النفط الإيراني.
أكد الخطيب على ضرورة تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد
أكد خطيب صلاة الجمعة على أن عدم بيع النفط الإيراني لن يؤدي إلى مشاكل اقتصادية للبلاد، ومن الممكن أن تكون تلك الفرصة لتقليل اعتماد إيران على النفط كمصدر رئيسي في اقتصادها.
هناك من تهكم على تلك التصريحات، وهناك من لم يعرها اهتماماً من الأساس، لكن يبدو أن هناك من اقتنع بها.
رستمي واحد ممن اقتنعوا بنظرية الخطيب في أنه يجب على إيران عدم الاعتماد كلياً على النفط، رستمي يبلغ من العمر 37 عاماً، يمتلك فندقاً في ضواحي إيران.
يرى بعض المواطنين أن البلاد يجب أن تخلق مجالات اقتصادية أخرى غير النفط
يقول رستمي لـ "عربي بوست"، "كل البلاد التي كانت تعتمد على النفط في اقتصادها تحاول الآن خلق مجالات اقتصادية أخرى، لذلك أرى أن السياحة من أهم القطاعات في إيران التي من الممكن أن تحل محل قطاع النفط".
يقول رستمي ضاحكاً أخشى أن أقول إنني سعيد بقرار ترامب اللعين، لأنه سيجعل الحكومة تهتم بقطاع السياحة، الذي سيجلب الكثير من الأموال لبلادنا.
لكن يبدو أن هذا ليس فقط رأي رستمي بخصوص السياحة، بالأمس صرح علي أصغر مؤنسان، رئيس منظمة التراث الثقافي والحرف اليدوية والسياحة الإيرانية بأن عائدات السياحة يمكن أن تحل محل عائدات قطاع النفط.
وكان قد صرح قبلها وإلى تيموري، نائب مؤنسان أن حوالي 708 ملايين سائح زاروا إيران في العام الحالي.
والسياحة هي إحدى هذه الخيارات الاقتصادية، خاصة الدينية
والجدير بالذكر أنه منذ بداية عام 2018، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات مرة أخرى، وانهيار العملة الإيرانية تشجَّع العديد من السياح على القدوم إلى إيران، سواء كانوا سياحاً دينيين يقصدون الأماكن الشيعية المقدسة، أو سائحين أوروبيين.
بالعودة إلى رستمي، الذي بالرغم من تأييده لفكرة أن تحل السياحة محل قطاع النفط، إلا أنه يخشى ارتفاع أسعار الأدوية والمواد الغذائية مرة أخرى، فإنه يقول لـ "عربي بوست": "عندما انهار الاتفاق النووي ارتفعت أسعار الأدوية بشكل كبير، بالإضافة إلى اختفاء أنواع مهمة من الأدوية، وأخشى أن يتكرر الأمر".
لدى رستمي طفل مصاب بداء السكري، ويحتاج إلى أدوية الأنسولين بشكل يومي، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عانى كثيراً للعثور على أدوية طفله بسبب سعرها المبالغ فيه.
الجانب الرسمي الإيراني تظهر في تصريحاته نبرة التحدي لأمريكا
"سيرى الأمريكيون بأنفسهم أننا سوف نواصل صادراتنا النفطية، وإيران لديها ست طرق مختلفة لبيع النفط الخام، التي لا يعلم عنها الأمريكيون أي شيء على الإطلاق".
كان هذا واحداً من إحدى تصريحات روحاني في الفترة الأخيرة، والتي حاول بكل حسم أن يؤكد على استمرارية إيران في تصدير النفط.
في السنوات الأخيرة كان اعتماد إيران على النفط يتراوح ما بين 40 إلى 60% من إجمالي الصادرات الإيرانية، وفي الميزانية الحالية كان من المفترض أن تبلغ إيرادات النفط 24 مليار دولار، وهذا المبلغ يكاد يكفي الحكومة لدفع رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين.
لكنَّ المواطنين بدأوا بالخوف والشعور بعدم الطمأنينة تجاه المستقبل
"عند عودتي من العمل أمس الأول، ذهبت لشراء الخبز، وسمعت أصواتاً عالية تصدر من الناس أمام المخابز"
يقول رضائيان، الذي يعمل موظفاً في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، والذي يبلغ من العمر 50 عاماً لـ "عربي بوست"، زاد سعر الخبز 3 أضعاف ثمنه في الأيام القليلة الماضية.
رسمياً يبلغ سعر الخبز في إيران حوالي 6500 ريال، أي ما يعادل 50 سنتاً أمريكياً، لكن عندما ذهب رستمي لشرائه مؤخراً وجد سعره قد قفز إلى 20 ألف ريال، أي ما يعادل 1.50 دولار أمريكي.
يقول رضائيان: "النفط هو شريان الحياة الاقتصادية لبلادنا، والعقوبات على القطاع النفطي ستعود بالسوء على كل مظاهر الحياة، ولكن الحياة منذ العام الماضي تسير بشكل سيئ، لذلك لم أشعر بالحزن بشكل كبير".
بعضهم تغيَّر أسلوب حياتهم خاصة فيما يتعلق بالطعام والشراب
لكن أمر ارتفاع سعر الخبز هو ما جعل رضائيان يشعر بخيبة الأمل وعدم تفاؤل بالأيام المقبلة، فيقول: "إذا كان هذا هو حال الخبز، الذي يعتبر أقل شيء يمكن للمرء أن يشتريه، فما بالك بباقي السلع".
لم يقف الأمر عند الخبز فقط، رضائيان مدخن شرِه، لكنه قرَّر الإقلاع عن التدخين بسبب غلاء أسعار التبغ: "كنت أدخّن حوالي 40 سيجارة في اليوم، وبعد أن تعقدت الأمور بسبب عودة العقوبات، لم يعد راتبي يغطي أغلب مصاريف البيت، وكانت السجائر تكلفني الكثير من الأموال، فاضطرت إلى تركها".
يقول أمير سهرابي، عضو اتحاد التجار في طهران لـ "عربي بوست": "بالرغم من أن سعر صرف الدولار أمام الريال لم يرتفع كثيراً بعد العقوبات الأخيرة، فإن أسعار السلع الغذائية والأدوية لم تنخفض.
وبحسب سهرابي فإن الخضراوات سجلت أعلى زيادة شهرية بلغت 155.6%، واللحوم بنسبة 117%، مقارنة بنفس التوقيت في عام 2018.
يقول سهرابي حتى إذا انخفضت الأسعار وحاولت الحكومة مراقبة الأسعار في الأسواق، فإنها لن تصل إلى مستوياتها القديمة في عام 2016 على سبيل المثال.
فحياتهم أصبحت معقّدة، ويتمنى بعضهم مغادرة البلد
"أعمل محرراً صحفياً في إحدى الصحف في العاصمة، بجانب محل عملي توجد متاجر حكومية مدعمة تبيع اللحوم والدواجن، في السابق كنت لا أرى إلا البسطاء في تلك المتاجر، لكن اليوم كلما مررت بجوار تلك المتاجر يزداد حزني"
يكمل حسين (اسم مستعار) حديثه بمزيد من الحزن، ويقول لـ "عربي بوست": "تلك الطوابير الطويلة أمام المتاجر المدعومة من الحكومة تصيبني بالاكتئاب والعجز، فأصبح الإيرانيون لا يستطيعون شراء سوى اللحوم التي كانت تقدمها الحكومة للفقراء بأسعار مخفضة، أصبح أغلب الشعب فقيراً".
لا يرى حسين أي بارقة أمل في المستقبل القريب في إيران، بل إنه أخبر "عربي بوست" أنه يفكر كل يوم في ترك البلد، والذهاب إلى أي بلد أوروبي.
"حتى إذا حاولت الخروج من إيران، فليس لدي أي أموال لفعل ذلك، راتبي أصبح لا يكفي حتى مصاريفي الشخصية".
كما أن بعض المواطنين لا يثقون بالتصريحات الرسمية حول عدم تأثير العقوبات على البلاد
يسخر حسين من كل تصريحات المسؤولين بخصوص عدم تأثير العقوبات الأخيرة على تصدير النفط على الاقتصاد، ويسخر من تصريحات من يقول إن إيران تستطيع الاعتماد على الموارد والقطاعات الإنتاجية الأخرى في البلد، بدلاً من النفط.
فيقول: "كنا بعائدات النفط نعاني، فكيف بعد تلك العقوبات ستدير الحكومة أمرها، في العام الماضي احتجَّ العمال في مدن عديدة على تأخر رواتبهم، وكنا حينها نصدر حوالي مليون برميل بترول يومياً، والآن أريد أن يجيبني أحد من هؤلاء المسؤولين، كيف ستدفعون رواتب الموظفين والعمال كل شهر".
إلى الآن لا يوجد أي مسؤول حكومي يمكنه الإجابة عن تساؤل حسين، وإلى الآن أيضاً لا توجد أي معالم واضحة لكيفية إدارة الحكومة لتلك الأزمة، خاصة أن البلاد مازالت لم تتعافَ من آثار فيضان مدمر كلف الجمهورية الإسلامية أكثر من 10 مليارات دولار.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقع فيها الإيرانيون تحت وطأة العقوبات، فمنذ أكثر من 30 عاماً وهم يعانون هذا الأمر.
وكما قال رستم: "لقد تعوّدنا كل الأمور السيئة التي كنا نتوقعها، أو حتى التي كنا لا نتوقعها".
في الشارع الإيراني لا يبدو الأمر مختلفاً عن قول رستمي، نعم هناك حزن وخوف وترقب، ولكن يبدو أن الإيرانيين اكتسبوا مناعة خاصة تجاه تلك الصدمات والأزمات.