عندما أراد عمر البشير الحماية من خصومه خلال رئاسته الطويلة للسودان، ولَّى وجهه نحو محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي قائد قوة عربية مسلحة مرهوبة الجانب.
ويقول دبلوماسيون غربيون وخصوم، إن الفريق أول دقلو، الذي يُعرف بلقب حميدتي، قد يصبح عما قريب أقوى رجل في السودان في أعقاب الانقلاب العسكري، الذي أطاح بحليفه القديم في 11 أبريل/نيسان 2019.
بيد أن حميدتي يهون من شان طموحاته السياسية، لكنه أصبح ثاني أقوى رجل في السودان، لكونه نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي شكَّله الجيش لإدارة السودان لما يصل إلى عامين لحين إجراء الانتخابات.
يقول المبعوثون الغربيون وشخصيات المعارضة، الذين تحدَّثوا لرويترز شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن حميدتي متعطِّش لمزيد من السلطة، وإنه ساعد على الإطاحة بالبشير بعد 30 عاماً في السلطة؛ لأنه يضع الرئاسة نصب عينيه.
حميدتي طموحه بلا حدود ودعم خليجي
قالت شخصية معارضة، طلبت عدم الكشف عن اسمها خشية التعرض للانتقام: "حميدتي خطَّط ليصبح الرجل الأول في السودان. لديه طموح بلا حدود".
وفي ظل الضغوط التي تمارسها المعارضة والمحتجون على المجلس العسكري للتعجيل بتسليم السلطة للمدنيين، يواجه حميدتي وغيره من القادة العسكريين خطر التهميش سريعاً.
ويجتمع حميدتي بمقتضى مهام دوره الجديد مع السفراء الغربيين، وهو بالفعل في موقع جيد يمكنه من التأثير على الأحداث من مكتبه في القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم.
وتنتشر قوات الدعم السريع التي يرأسها في أنحاء المدينة. ويحظى الرجل بدعم من الدول الخليجية العربية، التي تعهَّدت بمليارات الدولارات لدعم السودان منذ الانقلاب.
وصعوده مبعث قلق لكثير من المحتجين الذين ساعدوا في إسقاط البشير، ويغلقون الآن وزارة الدفاع وبعضَ الطرق المحيطة بها، في إطار الضغط لتلبية مطالبهم بانتقال سريع إلى حكم مدني.
وتتهم جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان القوة المسلحة التي رأسها بارتكاب إبادة جماعية خلال الحرب التي بدأت في دارفور عام 2003، وهي مزاعم نفتها حكومة البشير.
ولم يرد حميدتي ولا قوات الدعم السريع على طلب للتعليق، لكنه قال في كلمة أمام ضباط الجيش أمس الإثنين: "أنا شخصياً والله ما داير نائب رئيس، وغير الدعم السريع ما داير شبر لقدام".
وأضاف أن الأولوية هي الدفاع عن السودان والوصول إلى اتفاق مع شعب السودان بشأن كيفية إدارة البلاد، لكنه أضاف: "لا نسمح بالفوضى".
وقال إنه يؤيد تشكيل "حكومة كفاءات.. تكنوقراط من كل الشعب السوداني وبحسب رأيي أنا يجب ألا تكون لديها علاقة بأي حزب".
ما جعل السودانيين يتخوفون من مصير مشابه لمصر
عبَّر المحتجون عن مخاوفهم من أن يمضي السودان في نفس الطريق الذي سارت فيه مصر، بعد الانتفاضة التي أطاحت بحسني مبارك في 2011. وكان من بين هتافاتهم "النصر أو مصر".
وأزاح الجيش في مصر مبارك عن السلطة فعلياً، بعدما اتَّضح أن قوات الأمن لم تستطع احتواء احتجاجات الشوارع ضد الزعيم المخضرم.
وبعد عامين، قاد وزير الدفاع في ذلك الوقت عبدالفتاح السيسي، بدعم من الإمارات والسعودية الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مصري وصل إلى السلطة عبر انتخابات حرة. وفاز السيسي منذ ذلك الحين في اقتراعين رئاسيين في 2014 و2018، وبنسبة 97% في كليهما.
وقال تحالف من المحتجين وجماعات المعارضة السودانية، أمس الأحد، إن المجلس العسكري الانتقالي ليس جاداً في تسليم السلطة للمدنيين.
وقال رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان، عبر التلفزيون الحكومي، إن تشكيل مجلس عسكري مدني، وهو أحد مطالب النشطاء "مطروح للنقاش".
لكن المجلس حذَّر من إغلاق الطرق، وقال إن "قيام بعض الشباب بممارسة دور الشرطة والأجهزة الأمنية في تخطٍّ واضح للقوانين واللوائح" غير مقبول.
وقال دبلوماسي غربي كبير إن من غير المرجح أن يسلم المجلس السلطة للمدنيين.
وأضاف: "سيكون من الصعب للغاية إبعاد حميدتي من المسرح السياسي؛ لأن لديه قوة تحت تصرفه".
وأفاد بعض المحللين السياسيين بأن من الخيارات التي قد يدرسها المجلس العسكري السماح بتشكيل حكومة، شريطة أن يكون للقادة العسكريين القول الفصل في صنع القرار.
وقال خالد عمر يوسف، الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني المعارض: "إذا ظلَّ المجلس (العسكري الانتقالي) في السلطة، فلن يكون لحكومة مدنية سلطة".
فهناك تعاون "وثيق" بين قوات حميدتي والجيش
ولد حميدتي عام 1975، ليكون بذلك أصغر كثيراً من أي ضابط آخر في المجلس العسكري، وهو القائد الوحيد في المجلس الذي لم يتخرج من كلية عسكرية.
وكان في بادئ الأمر مقاتلاً، قبل أن يصبح قائداً لفصائل عربية مسلحة، أصبحت لاحقاً قوات الدعم السريع، واتَّهمتها جماعات حقوقية بإحراق قرى، وبالاغتصاب، وبإعدام مدنيين في دارفور.
ولفت صعود حميدتي انتباه البشير، الذي نفت حكومته مزاعم ارتكاب فظائع، وقالت إنها لم تكن تستهدف سوى المتمردين. وقتل نحو 300 ألف شخص في دارفور، فضلاً عن تشريد مليونين.
وحظي حميدتي بدعم الإمارات والسعودية، بعدما أرسل قواته للقتال إلى جانبهما في حرب اليمن الأهلية.
ولم تطالب الرياض وأبوظبي علناً بانتقال سريع إلى الديمقراطية في السودان. ورفضت كلتا الدولتين التعليق على دورهما فيما يتعلق بالسودان.
وقالت الدولتان الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، إنهما اتفقتا على إرسال ثلاثة مليارات دولار مساعدات للسودان، فيما يمثل طوق نجاة لزعمائه العسكريين الجدد.
وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع تفتقر لانضباط جيش السودان النظامي، فإنه يُنظر على نطاق واسع لقواتها على أنهم مقاتلون لا يعرفون الخوف، اكتسبوا صلابة من الحرب في دارفور ضد المتمردين الذين رفعوا السلاح في وجه الحكومة. وهم مسلحون ببنادق كلاشنيكوف الهجومية والقذائف الصاروخية والبنادق الآلية التي يجري نصبها على الشاحنات.
وقال الدبلوماسي: "التعاون بين قوات حميدتي للرد السريع والجيش قوي، ولا سبيل لأن يوافقا على تسليم السلطة".
وقالت شخصيات معارضة إن حميدتي قد يمارس نفوذاً كبيراً خلف الكواليس، إذا لم يظفر بالسلطة شخصياً. ويوازي هذا الترتيب الوضع في الجزائر، حيث يلعب الجيش الدور المؤثر في الأحداث منذ عقود، وأجبر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة هذا الشهر، في أعقاب احتجاجات على حكمه.