أثار انسحاب مصر من "الناتو العربي" ردود أفعال متباينة، حول الأسباب التي دفعتها للانسلاخ من تكتل يراهن عليه حلفاؤها في الخليج إضافة إلى الحليف الاستراتيجي "الولايات المتحدة الأمريكية" للتصدي لإيران.
فما هي قصة هذا "الناتو" وما هو الهدف من وراء تشكيله؟ ولماذا تراجعت مصر عن الفكرة؟ أسئلة أخرى كثيرة نحاول الإجابة عليها في هذا التقرير.
ما هو الناتو العربي؟
تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي أو "ميسا" أو ما يعرف إعلامياً "بالناتو العربي" هو فكرة لإنشاء تحالف أمني طرحتها السعودية على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن كانت قد طرحتها على إدارة باراك أوباما من قبل. ترامب تحمس للفكرة وظل يعمل عليها منذ فترة بهدوء.
التحالف يفترض أن يشمل ست دول خليجية هي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر، إضافة إلى مصر والأردن، وبطبيعة الحال ستكون قيادته للولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، قالت البي بي سي في تقرير لها إن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي، تيم لاندركينغ، أشار إلى أن الإدارة الأمريكية كانت خططت لعقد قمة في يناير/كانون الثاني الماضي لتدشين الحلف الجديد، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وهذا هو الهدف من تشكيله
الهدف هو التصدي للهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية، أو كما قال لاندركينغ "التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد قام بجولة في الدول التي من المفترض أن تشكل التحالف مطلع العام الجاري سعياً منه إلى التقريب بين الدول الثماني الأعضاء المحتملين في هذا التحالف.
فلماذا انسحبت مصر إذن؟
أسباب الانسحاب المصري أو بمعنى أدق الرفض المصري للفكرة أوردتها رويترز وفقاً للمصادر، وتتلخص في أن مصر أبلغت قرارها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف الأمني قبل اجتماع عقد الأحد الماضي في الرياض.
وأضافت نفس المصادر أن القاهرة لم ترسل وفدها إلى الاجتماع الأخير الرامي لدفع الجهود التي تقودها واشنطن لجمع الحلفاء العرب في معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية للتصدي لإيران.
وقال مصدر عربي طلب عدم كشف اسمه لرويترز إن مصر انسحبت "لتشككها في جدية المبادرة، فهي لم تر بعد خطة أولية تحدد ملامح هذا التحالف، ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوي عليه خطر زيادة التوتر مع إيران".
وحسب المصدر، فإن الغموض المحيط بما إذا كان الرئيس ترامب سيفوز بولاية ثانية العام القادم، واحتمال أن يتخلى من يخلفه عن المبادرة عاملان ساهما في اتخاذ مصر القرار.
القاهرة تخشى إلى حرب ترهق مواردها
في ذات السياق، قال أكساندر سيندر المحلل الدولي في مركز جيوبوليتيكال فيوتشرز لموقع نيوزويك إن قلق مصر من إيران أقل كثيراً من قلق السعودية بسبب بعد المسافة والعوامل الجغرافية على الأقل، كما أن مصر قلقة من المشاركة في مغامرات تقودها السعودية مثل حرب اليمن والتدخل في سوريا وهما أمران ثبت فشلهما الذريع.
وأضاف سيندر: "هذا بالقطع يقلق القاهرة من أن تنجر إلى حرب ترهق مواردها دون أن تكون من ورائها فائدة تذكر".
أما علي الأحمد، الباحث والخبير في الشؤون السياسية السعودية بمعهد الشؤون الخليجية في واشنطن، فقد ركز في تعليقه لنيوزويك على أن الانسحاب المصري يمثل ضربة ضخمة لفكرة الناتو العربي، وتوقع أن تنسحب منه دول أخرى عقب الخطوة المصرية.
وأضاف الأحمد: "يمكن أيضاً تفسير القرار المصري على أنه ضربة موجهة للحكومة السعودية التي أرادت أن تقود التحالف،" مضيفاً أن "الرياض ووزنها السياسي في المنطقة هما الخاسر الأكبر".
ما الذي يعيق تشكيل الناتو العربي؟
موقع ديفينسميوز الأمريكي نشر تقريراً حول الناتو العربي رصد فيه أبرز المعوقات التي تقف أمام إنشاء مثل ذلك التحالف وأولها الأزمة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر والتي وصلت إلى حد المقاطعة والحصار، وهي الأزمة المستمرة منذ يونيو 2017 دون بادرة للانفراج فيها حتى الآن.
يأتي هذا في الوقت الذي كان يفترض الإعلان عن الحلف وأن يتحول إلى حقيقة بحلول 2019، بحسب وزير الخارجية البحريني الذي أعلن ذلك في مؤتمر الحوار الاستراتيجي في المنامة عام 2018.
العقبة الأخرى هي طبيعة علاقات الدول المفترض أن تتحالف معاً مع الدولة المستهدفة من الحلف وهي إيران، فالعداء بين السعودية وإيران واضح وكذلك الأمر بالنسبة لواشنطن والبحرين، لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لقطر وعمان.
الموقف في اليمن يعد عائقاً آخر أمام تشكيل الناتو العربي، فالعديد من الدول الخليجية ترى أن التصدي للأزمة في اليمن يجب أن يكون أولوية على زيادة حدة التوتر مع إيران، وهذا بالطبع ما لا توافق عليه الرياض وواشنطن، ودول مثل الكويت وعمان وقطر رفضت الانخراط مع السعودية والإمارات في الحرب على اليمن، بحسب تقرير آخر لديفينس نيوز.
كما ذكرت مصادر عسكرية في مجلس التعاون الخليجي لديفينس نيوز أنه "من المستبعد أن تقبل عمان التخلي عن دورها الحيادي نحو إيران، خاصة أنها رفضت بالفعل المشاركة في حلف عربي لدعم الشرعية في اليمن".
ما هي فرص تشكيل التحالف؟
يعتقد بعض المحللين أن الناتو العربي سيظل مجرد فكرة لن ترى النور من الأساس، وعبر عن ذلك بشكل مباشر يزيد صايغ كبير الباحثين بمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط لموقع ديفينس نيوز: "إن فكرة الناتو العربي غير مقنعة فهي ببساطة لن تحدث".
وأضاف قائلاً: "بعد مرور 4 سنوات على إعلان السعودية عن تحالف إسلامي كبير لمكافحة الإرهاب لم يحدث شيء، كما أن مجلس التعاون الخليجي فشل في الاتفاق في الجانب الدفاعي بل وفشلت السعودية والإمارات في شن حرب منسقة في اليمن لذلك لا يوجد مؤشر على إمكانية تنظيم حلف كالناتو العربي".
المعنى نفسه أكده سيندر عندما سألته نيوزويك عن الناتو العربي: "نجاح (هذا التحالف) كان محل شك كبير منذ البداية وذلك بسبب التضارب الواضح في مصالح كل منها بشأن كثير من الأمور، ومن الناحية النظرية كي ينجح هدف الحلف وهو مجابهة إيران ستكون مشاركة الأعضاء متفاوتة بشكل لافت".