لم تنته مأساة الطائرة الإثويبية المحطمة ، فلا يزال الحذاء الرياضي باهظ الثمن المجهز ليكون هدية جوانا تول في عيد مولدها السادس والثلاثين في صندوقه لم يُفتَح بعد بشقتها في روما. اشترك والدها أدريان، وأختاها فيكي وكارين رايت معاً ليجلبوا لها أفضل حذاء ركض متاح، لكن الهدية تأخرت في البريد.
اشترك والدها أدريان، وأختاها فيكي وكارين رايت معاً ليجلبوا لها أفضل حذاء ركض متاح، لكن الهدية تأخرت في البريد.
ومع حلول موعد وصول الهدية، ماتت جوانا.
في يوم الأحد 10 مارس/آذار، بعد 3 أيام من عيد مولدها، سافرت جوانا إلى نيروبي لحضور جمعية الأمم المتحدة للبيئة عندما تحطمت طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية.
إذ مالت الطائرة من طراز "بوينغ 737 ماكس 8" صعوداً وهبوطاً، واكتسبت سرعة في وقت قصير إلى أن فقد قائدها السيطرة عليها.
وبعد 6 دقائق من الإقلاع من العاصمة أديس أبابا تحطمت على الأرض، موديةً بحياة كامل ركابها البالغ عددهم 157 راكباً.
ومنذ الحادث، امتنعت شركات الطيران حول العالم عن تشغيل طائرات بوينغ من نوع 737 Max، بعدما ألقي اللوم على خلل نظامي.
وتتعرض شركة بوينغ لضغوط جمة من عائلات الضحايا وشركات الطيران ومحامين ومنظمات قوانين الطيران والرحلات الجوية.
كانت جوانا متحمّسة لتصبح خالة
كانت جوانا، التي تعمل مستشارة في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، واحدة من 22 ضحية من المنظمة كانوا على متن هذه الطائرة.
تقول كارين (26 عاماً) باكيةً: "جميعنا محطمون". كارين حامل ومن المتوقع أن تضع طفلتها في مطلع مايو/أيار المقبل.
وتقول عن ذلك لصحيفة The Telegraph: "كانت جوانا متحمسة لأن تصبح خالة. سأتأكد من إخبار طفلتي بكل شيء عنها، وسأعلِمها كل الأشياء التي علمتني إياها جوانا؛ لكن ذلك سيكون صعباً".
وتشعر عائلة جوانا، التي جلس أفرادها مُكدَّسين سوياً على أريكة في منزلها ببلدة إكسماوث البريطانية، بعد أقل من أسبوعين على وفاتها بأنها عالقة في متاهة، ومثلهم مثل جميع العائلات، ينتظر آل تول استعادة جثمان جوانا من بين حطام الطائرة لتشييعها بحزن.
وترغب العائلة أيضاً في الحصول على إجابات واعتذار من "بوينغ" التي يُعتقد أن برنامجاً جديداً لديها لمنع "طائرة 737 ماكس 8" من التأرجح، من خلال دفع مقدمة الطائرة إلى الأسفل، ربما يكون هو السبب في تحطمها، وفي كارثة شركة "ليون إير" الإندونيسية التي وقعت في إندونيسيا وقتلت 189 شخصاً قبلها بستة أشهر فقط.
يقول أدريان (67 عاماً): "الأمر برمته لا يزال لا يُصدَّق"، مضيفاً: "يبدو وكأنه أمر بعيد جداً، وبصراحة، يبدو غير وارد".
وتوافق كارين على ذلك قائلةً: "لقد نسيتُ أنه حقيقي، لم نمر بأيٍّ من هذه الأمور الطبيعية الملموسة التي يمر بها البشر عندما يفقدون شخصاً ما".
جوانا.. صديقة الحيوانات والبيئة
تصف العائلة جوانا بأنها شخصيةٌ ودودة، تتمتَّع بطاقةٍ لا حدود لها، توشك على أن تكون مصابة بالهوس بالحيوانات.
حين كانت طفلة، أحضرت جوانا العشرات من الحيوانات إلى منزل العائلة، من ضمنها الأرانب، والفئران، والحمام، وحلزونات الأرض الإفريقية، والخنازير الغينية.
تتذكَّر كارين: "كان أول فأر تمتلكه، واسمه بِن، يدخل في جيب معطفها".
وتتابع: "اعتادت على جعلي أوفر له بعضاً من حليب حبوبي الصباحية".
تقول فيكي (31 عاماً) مع ضحكة هادئة رقيقة: "ستبدو غريبة الأطوار، كانت تُدخِل الفئران خفية دون إخبار أمي، وتحتفظ بهم في الخزانة".
تحوَّل حب جوانا للحيوانات سريعاً إلى شغفٍ بالحفاظ على الطبيعة، لتتبع بذلك خطى والدها الذي يرأس مجموعة Transition Exmouth البيئية.
يقول أدريان: "لا يمكن وصفها بشكل كامل من خلال أنها مهووسة بالحيوانات أيضاً".
يتابع: "لقد كانت إنسانة متكاملة، ولن تجد أحداً يقول أيَّ شيءٍ يعيبها، عدا كونها غير منظمة بشكل مروع".
كانت جوانا "الأخت الكبيرة العطوفة"، التي تعلم شقيقاتها الأصغر -خلال نشأتهم الأولى- مهارات الحياة الرئيسية.
وعندما انتقلت إلى كامبردج بلندن، ثم إلى خارج البلاد، أصبحت معروفة بهداياها المُبتَكَرة.
وقد سافرت حاملةً حقيبة كبيرة للغاية مملوءة بصورةٍ عشوائية بالهدايا والملابس.
وكم أعجبت شقيقاتها بطريقة لبسها الجميلة دائماً، وطلاء أظافرها، وشعرها المُصفَّف.
كانت تحلم بامتلاك كلب
كانت الشقيقات على تواصلٍ دائمٍ معها من خلال تطبيق واتساب، وهو ما ساعدهن على الصمود بعد وفاة والدتهن، باتريشا، بمرض السرطان عام 2016.
وخلال الشهور الست الأخيرة من حياتها، استقرت جوانا مع شريكها بول كيرنان بشقة مستأجرة في روما.
وكانا يخططان للاحتفال بذكرى ارتباطهما السنوية في يوم القديس باتريك الذي يحين بعد أسبوع من وفاة جوانا.
يقول أدريان: "من بين الأمور المؤسفة في حياة جوانا أنها لم تحظ بكلبٍ في حياتها، وهو أمر رغبت فيها دائماً".
ويضيف: "آخر كلماتي معها على الهاتف كانت حول جلبها هي وبول لكلب في شقتهما الجديدة".
وتؤمن بأن مناصرة البيئة تبدأ بأصغر المعارك
يتناول أدريان آخر صورة التُقِطَت لابنته، والتي تصورها مع بول يحتسيان مشروب أبيرول أمام مقهى إيطالي. ويقول مبتسماً: "كانت في مهمة لوقف استعمال الشفاطات البلاستيكية في روما". لقد دخلت في نقاش مع النادل ليحضر المشروبات دون شفاطات. وكان ذلك بالنسبة لها انتصاراً".
وبدلاً من انشغال العائلة بتنظيم جنازتها، تجمع العائلة متعلقات جوانا الشخصية لإرسالها للشرطة لمساعدتهم في التعرف على حمضها النووي وسط حطام الطائرة.
لم تحدد السلطات إطاراً زمنياً للعائلات لإعادة ذويهم إلى الوطن؛ بل أعطتهم بعضاً من تربة إثيوبيا، بدلاً عن رفات أحبائهم.
اختارت عائلة تول عدم زيارة موقع الحطام "لأن رؤية الأمر لا يمكن تحملها"، كما تقول كارين، التي أضافت: "لست متأكدةً ما إذا كان من شأن ذلك أن يضمد الجرح بالشكل الملائم؛ بل قد يتسبب في ندبة كبيرة في حياتك".
حالياً، تخطط العائلة لإقامة صلاة تأبينية لجوانا وأن تنثر رمادها في خليج تريارفون بمقاطعة كورنوال إلى جوار أمها.
تقول كارين: "نرغب في أن تكون في المكان نفسه مع أمي إذا أتيحت لنا الفرصة".
وتوافقها فيكي قائلة: "من الصعب أن تجهل ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. فنحن لا نعرف ما إذا كان جسدها سيعود إلينا مرة أخرى أم لا، وبالتالي قد نستغرق فترة طويلة قبل أن نتخطى الأمر".
جوانا ستصبح شخصية خارقة تنقذ الحيوانات
ستستمر عائلة جوانا وزملاؤها في الدعاية للقضايا البيئية التي كانت جوانا تؤمن بها بعمق.
وفي تأبينها، سيُشجَع الحضور على الالتزام بـ #BeMoreJo من خلال أن يصبحوا نباتيين لأسبوع واحد، وتجنب البلاستيك المعد للاستخدام مرة واحدة، والاستمتاع بالحياة البرية.
ويرغبون في نشر كتاب للأطفال يُصور جوانا "في شخصية امرأة خارقة تنقذ الحيوانات"، وبناء نصب تذكاري على شاطئ إكسماوث المحلي باستخدام أدوات الصيد المعاد تدويرها.
وستهدي الأمم المتحدة إرشاداتها التوجيهية القادمة حول شبكات الصيد المهملة إلى جوانا، وهي قضية عاشت من أجلها.
تقول كارين: "من المدهش أن نرى كم ألهمت من البشر". وتضيف: "لقد امتلكت دائماً قدرة على ترك أثر".
وعائلتها تنتظر الأجوبة وتريد محاسبة بوينغ
في الأيام التي تلت تحطم الطائرة، أُجبرت مئات الطائرات من طراز بيونغ 737 ماكس 8 حول العالم على الهبوط، إذ ظهر أن برنامجاً جديداً ونقص في تدريب الطيارين قد تسببا على الأرجح في وقوع الحادثة.
لقد تجنب أدريان قراءة الأخبار؛ لأن أياً منها -بحسب كلماته التي خرجت بعد صمت ثقيل- "لن يعيدها إليه".
ويتابع: "الواقع هو الواقع: لقد كانت على متن هذه الطائرة التي تحطمت، ولم يكن ثمة من ناجين. لقد عرفنا ذلك بعد ساعات قليلة؛ ولست راغباً في معرفة أي تفاصيل أخرى".
يصر أدريان على رفض أي تعويض تعرضه الخطوط الجوية الإثيوبية إذا كانت اللائمة تقع على شركة بوينغ في النهاية، وأنه سيتأكد من تعرضها للحساب.
ويقول: "نرغب في تحقيق العدالة"، "لن نُشترى بالمال. وسنعين محامياً ونتوصل للمسؤول عن هذا الخطأ".
تريد أختها من بوينغ أن "تعترف بأنها ارتكبت خطأً ما"، وأن "تجري التغييرات الضرورية".
تقول فيكي: "لا يمكنهم أن يتوقعوا أن يظلوا أبرز المصنعين إذا كانوا لا يتحملون المسؤولية".
وتضيف: "إنهم مؤتمنون على توصيل البشر من النقطة أ إلى ب بأمان، ولم يفعلوا ذلك مرتين حتى الآن".