رويترز تكشف عن برنامج تجسّس إماراتي استهدف رئيس الجزيرة وإعلامية لبنانية

ساعدت مجموعة من خبراء التسلل الإلكتروني الأمريكيين، الذين كانوا يعملون سابقاً في المخابرات الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة في التجسّس على الإعلامية جيزيل خوري، مقدمة البرامج في تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وكذلك رئيس شبكة الجزيرة، وشخصيات إعلامية عربية أخرى بارزة.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/02 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/02 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد/ رويترز

ساعدت مجموعة من خبراء التسلل الإلكتروني الأمريكيين، الذين كانوا يعملون سابقاً في المخابرات الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة في التجسّس على الإعلامية جيزيل خوري، مقدمة البرامج في تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وكذلك رئيس شبكة الجزيرة، وشخصيات إعلامية عربية أخرى بارزة.

كان ذلك خلال مواجهة متوترة في عام 2017 بين الإمارات وحلفاء آخرين من جهة وقطر من جهة أخرى.

مشروع ريفين هو برنامج سري تابع للمخابرات الإماراتية

وعمل الخبراء الأمريكيون لصالح مشروع ريفين، وهو برنامج سري للمخابرات الإماراتية تجسَّس على منشقين ومتشددين ومعارضين سياسيين للأسرة الحاكمة في الإمارات.

وكان تقرير لرويترز في يناير/كانون الثاني قد كشف عن وجود مشروع ريفين وأنشطته بما في ذلك مراقبته لناشط بريطاني والعديد من الصحفيين الأمريكيين الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم.

الأشخاص العاملون فيه عناصر سابقين من الأمن والجيش الأمريكي

ووجد الخبراء العاملون في ريفين -ومن بينهم 9 على الأقل من العاملين السابقين بوكالة الأمن الوطني الأمريكية والجيش الأمريكي- أنفسهم في قلب نزاع خطير بين حلفاء أمريكا الخليجيين.

ويُبرز دور الخبراء الأمريكيين في النزاع كيف أصبح مسؤولو المخابرات الأمريكيون السابقون لاعبين رئيسيين في حروب إلكترونية لدول أخرى، دون رقابة تذكر من واشنطن.

وكانت الأزمة قد اندلعت في ربيع عام 2017، عندما اتهمت الإمارات وحلفاؤها (السعودية ومصر والبحرين) قطر بنشر الاضطرابات في الشرق الأوسط من خلال دعمها وسائل إعلام وجماعات سياسية، وهو ما نفته الدوحة تماماً، وما أعقب ذلك من قطع الدول الأربع علاقاتها مع قطر وفرضت مقاطعة جوية وبحرية وبرية عليها.

بدأ عملاء المشروع بالعمل على الاختراق والتجسّس في الأسبوع الأول من الأزمة الخليجية

وزراء خارجية الإمارات والبحرين والسعودية ومصر/ رويترز
وزراء خارجية الإمارات والبحرين والسعودية ومصر/ رويترز

وفي الأسبوع نفسه، بدأ خبراء مشروع ريفين العمل، حيث أطلقوا عمليات لاختراق هواتف آيفون الخاصة بما لا يقل عن 10 صحفيين ومسؤولين تنفيذيين بوسائل إعلام كانوا يعتقدون أن لهم صلات بحكومة قطر أو جماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفق ما أظهرته وثائق للبرنامج اطلعت عليها رويترز و4 أشخاص من المشاركين في العمليات.

كان من أبرز المستهدفين الإعلامية جيزيل خوري ورئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة

واستهدف ريفين شخصيات إعلامية عربية من أطياف سياسية مختلفة، من الإعلامية جيزيل خوري التي تقيم في بيروت وتقدم برنامج "المشهد" الذي تعرضه قناة تلفزيون (بي بي سي) باللغة العربية، ويستضيف البرنامج زعماء بالشرق الأوسط لمناقشة الأحداث الجارية.

كما استهدف المشروع رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة ومنتجاً بقناة فضائية في لندن أسسها عضو في جماعة الإخوان المسلمين.

وقال الخبراء السابقون في مشروع ريفين إن الهدف كان العثور على أدلة تظهر أن الأسرة الحاكمة في قطر تؤثر على تغطية الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام، وكشف أي علاقة بين الشبكة التلفزيونية والإخوان المسلمين. ولم يتسن لرويترز تحديد البيانات التي حصل عليها مشروع ريفين.

ولم ترد وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية أو سفارتها في واشنطن على طلبات للتعليق.

وامتنعت وكالة الأمن الوطني الأمريكية عن التعليق. كما امتنعت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن التعليق.

جيزيل خوري وفيصل القاسم يعلقان على اختراق أجهزتهما

الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري
الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري

وقالت جيزيل خوري في مقابلة بعدما أبلغتها رويترز باختراق هاتفها: "عليهم أن يمضوا وقتهم في تحسين أحوال واقتصاد بلدهم، وليس في جعل جيزيل خوري هدفاً للتسلل الإلكتروني".

وتظهر وثائق برنامج ريفين أنه جرى استهدافها بسبب اتصالها بعزمي بشارة، وهو كاتب يقيم في الدوحة وينتقد الإمارات، أسس صحيفة العربي الجديد.

وأظهرت مقابلات ووثائق أن الأمريكيين الذين عملوا في مشروع ريفين استهدفوا في 19 يونيو/حزيران 2017، فيصل القاسم مقدم برنامج الجزيرة الشهير "الاتجاه المعاكس".

وقال القاسم بعدما أبلغته رويترز باختراق هاتفه إنه لم يفاجأ باستهدافه من قِبل الإمارات التي يتهمها بأنها "رمز للفساد والسياسة القذرة".

وأضاف "باختصار، إنهم يخافون الحقيقة".

وفي ذلك اليوم نفسه، استهدف خبراء ريفين هاتف آيفون رئيس مجلس إدارة الجزيرة، حمد بن ثامر بن محمد آل ثاني. ورفض حمد التعقيب، من خلال متحدث باسم الجزيرة.

المهاجمون استخدموا سلاحاً إلكترونياً يُسمى كارما

واستخدم خبراء التسلل في هجماتهم سلاحاً إلكترونياً يسمى "كارما". وذكر تقرير رويترز في يناير/كانون الثاني أن "كارما" سمح لهم بالتسلل إلى هواتف آيفون بمجرد إدخال رقم الهاتف أو عنوان بريد إلكتروني للشخص المستهدف في البرنامج الهجومي.

وعلى خلاف برامج تصيد أخرى كثيرة، لم يكن "كارما" يتطلب من الهدف أن يضغط على رابط يتم إرساله إلى الآيفون، وفق ما ذكرته المصادر. وامتنعت أبل المنتجة لآيفون عن التعليق.

يمكّن هذا السلاح مستخدميه من الوصول إلى جهات الاتصال والرسائل والصور في الجهاز المستهدف

وسمح "كارما" لخبراء ريفين بالوصول إلى جهات الاتصال والرسائل والصور وبيانات أخرى مخزنة في أجهزة آيفون. لكنه لم يسمح لهم بمراقبة المكالمات الهاتفية.

ورغم أن خبراء ريفين اخترقوا الهواتف، فإنهم لم يطلعوا بشكل كامل على البيانات التي حصلوا عليها، حيث كانوا يقومون بإحالتها إلى مسؤولي المخابرات الإماراتية الذين يشرفون على العملية. ولم يتضح ما الذي عثروا عليه.

وفي يناير/كانون الثاني، سأل صحفيون وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في نيويورك عن مشروع ريفين بعد نشر التقرير الأول لرويترز.

وأقر قرقاش بأن بلاده لديها "قدرة إلكترونية"، لكنه لم يتحدث بشكل خاص عن البرنامج. ونفى استهداف مواطنين أمريكيين أو دول ترتبط معها الإمارات العربية المتحدة بعلاقات طيبة.

المشروع أنشأته الإمارات عام 2009 بهدف مراقبة ذوي "الأفكار المتطرفة"

أنشأت الإمارات مشروع ريفين في عام 2009 بمساعدة متعاقدين ممن كانوا يعملون في المخابرات الأمريكية ومسؤولين كبار آخرين ممن عملوا في البيت الأبيض في إدارة جورج دبليو بوش. وامتنع مجلس الأمن القومي الأمريكي عن التعليق على هذا المشروع.

في البداية كان الهدف هو تضييق الخناق على الإرهاب بمساعدة الإمارات في مراقبة ذوي الأفكار المتطرفة في المنطقة.

لكن سرعان ما توسّعت أهدافه ليشمل مراقبة خصوم الإمارات

لكن الوثائق تبين أن مهمة المشروع سرعان ما توسّعت لتشمل المراقبة وقمع مجموعة من خصوم الإمارات السياسيين.

واستهدف المشروع بين ما استهدف قطر التي تتهمها كل من الإمارات والسعودية منذ مدة طويلة بدعم المعارضة السياسية في أنحاء المنطقة من خلال وسائل من بينها تمويل الحكومة القطرية لقناة الجزيرة.

كما استغل الإماراتيون مشروع ريفين في مسعى احتواء المعارضة في الداخل، وذلك وفقاً لما قاله عاملون سابقون في المشروع ولوثائقه.

وفي السنوات التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي تزايد تكليف العاملين في مشروع ريفين باستهداف نشطاء حقوق الإنسان وصحفيين ممن كانوا يشككون في الحكومة.

توسّعت مهمة مشروع ريفين بشكل أكبر بعد الأزمة الخليجية

في يونيو/حزيران 2017 وبعد أن بدأت دول خليجية مقاطعتها لقطر صعّدت الإمارات جهودها للتجسس على صحفيين كانت هناك شواهد على أن لهم صلات بقطر.

وفي ذلك الشهر توسّعت مهمة مشروع ريفين فيما يتعلق بقطر فزاد عدد المكلفين بالعمل في تلك المهمة من اثنين متفرغين لها إلى سبعة.

وتبين وثائق المشروع أن العاملين في ريفين اخترقوا في 20 يونيو/حزيران هاتف الآيفون الخاص بعبدالله العذبة، رئيس تحرير صحيفة العرب أقدم الصحف القطرية.

وتجاوز المشروع منطقة الشرق الأوسط

فقد استخدم العاملون أداة التجسس "كارما" في استهداف الهواتف المحمولة لشخصيات إعلامية أخرى كانت الإمارات تعتقد أن قطر تدعمها بمن في ذلك صحفيون بمنفذين إعلاميين عربيين يعملان انطلاقاً من لندن هما "التلفزيون العربي" و"الحوار".

وللشبكتين قنوات باللغة العربية لها شعبية في الشرق الأوسط.

وقال المتحدث القطري آل ثاني إن الحكومة لا تدعم التلفزيون العربي ولا قناة الحوار ولا صحيفة العرب.

ويتبع التلفزيون العربي والموقع الإلكتروني الذي يحمل الاسم نفسه شركة فضاءات ميديا المحدودة التي تتخذ من لندن مقراً لها ويملكها رجال أعمال قطريون ويدعمونها.

وتُبين وثائق مشروع رافين أن هاتف الشيال وهاتفي اثنين آخرين من العاملين في "العربي" تعرضت للاختراق في الأسابيع التي تلت بداية المقاطعة.

وقال الشيال في مكالمة هاتفية: "هو اتجاه مقلق للغاية أن تستخدم دولة كل هذه الأشياء للتجسس على من ينتقدونها. أنا لست إرهابياً ولا أعمل بغسل الأموال".

كما تم استهداف عزمي بشارة مؤسس "العربي الجديد". وقال لرويترز إنه يعتبر منفذه الإعلامي "مستقلاً نسبياً" في إطار العالم العربي.

واستهدف مشروع رافين قناة الحوار الفضائية في اليوم الذي بدأت فيه مقاطعة قطر. وقال عزام التميمي، مؤسس قناة الحوار، إنه يعتقد أن الإمارات تخشى تأييد قناته للإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي.

وعلى النقيض من الآخرين الذين استهدفهم مشروع رافين فإن قناة الحوار لا تنفي تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين التي قال التميمي إنه يؤيدها "لأنها الضحية".

وقال التميمي لرويترز إنه عضو قديم في الإخوان المسلمين ومن أنصار حركة حماس الفلسطينية.

وامتنع التميمي عن قول ما إذا كانت القناة تحصل على أموال من الحكومة القطرية، لكنه قال إنه يقبل أي دعم بشرط ألا يكون مشروطاً. وقال إن القناة تتيح المجال لمجموعة من الآراء وتشجع الحوار. لكنْ ثمة قيود.

وقال هاتفياً: "أغلبية مشاهدينا مسلمون. ولن نسوّق أفكاراً غريبة على ثقافتنا. هذا ما يجعل لنا شعبية".

علامات:
تحميل المزيد