الجنيه يرتفع أمام الدولار بشكل شبه يومي.. فهل يعود لمجده القديم أم أنها مناورة جديدة للمركزي المصري؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/24 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش

بعد أن عانى الجنيه المصري انخفاضاً قياسياً أمام الدولار خلال الأعوام الماضية، شهد أداء العملة المصرية تحسناً بطيئاً ولكن ملموساً مؤخراً، الأمر الذي أثار تساؤلات عن سبب صعود الجنيه المصري أمام الدولار، وهل يرجع ذلك لأسباب اقتصادية حقيقية أم هي مناورة من البنك المركزي المصري.

فقد جاء هبوط الدولار أمام الجنيه مخالفاً للعديد من التوقعات في ظل زيادة أعباء الديون المستحقة على مصر من أقساط وفوائد بالإضافة إلى انسحاب ما يقرب من 10 مليارات دولار من الأموال الساخنة التي كانت مستثمرة في أدوات الدين الحكومية وذلك في العام الماضي وزيادة العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية.

ما سبب انخفاض الجنيه المصري؟

وسجل الدولار الأحد 24 مارس/آذار 17.29 جنيه كأعلى سعر له في البنوك المصرية، علماً أن بعض البنوك وصل سعر الدولار بها إلى 17.22 جنيه.

وهذا السعر يشكل انخفاضاً كبيراً عن أعلى سعر وصل له الدولار مقابل الجنيه عقب تعويم العملة المصرية، حيث لامس الدولار في ديسمبر/كانون الأول 2016 الـ19 جنيهاً.

وهناك عوامل استجدت مؤخراً في صالح الجنيه المصري، منها انخفاض الطلب على السلع المستوردة، حيث قال مستوردون لـ"عربي بوست" إن الحكومة تفرض قيوداً شديدة على عملية الاستيراد تجعلها شبه مستحيلة أحياناً.

كما أنه يعتقد أن حملة "خليها تصدي" ساهمت في تقليل استيراد السيارات، ويعتقد كثيرون أنها تحظى بتأييد حكومي.

إضافة إلى ذلك حدثت زيادة التدفقات النقدية الأجنبية تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار منذ بداية العام الحالي ليصل صافي الاحتياطي الأجنبي إلى 44.06 وارتفاع في إيرادات قناة السويس التي سجلت نحو 51.8 مليار جنيه وبالإضافة إلى زيادة إيرادات قطاع السياحة وتزايد نسبة السياح.

انهيار تاريخي للجنيه المصري

وكانت مصر قد عانت أزمة عملة كبيرة خلال 2016، أدت إلى تفاوت كبير بين سعره الرسمي وسعره في السوق الموازية.

وفي ذلك الوقت قررت مصر تعويم عملتها ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وقبل التعويم كان سعر الدولار 8.88 جنيه قفز إلى نحو 13.5 صبيحة إعلان التعويم ليقفز بسرعة بعد ذلك إلى أكثر من 18 جنيهاً ثم وصل إلى  أعلى سعر للبيع في تاريخه وهو 19.52 جنيه، ثم عاود الدولار الهبوط ليختتم عام 2016 بقيمة 18.83 جنيه.

وخلال السنتين الماضيتين تراجع الدولار ببطء شديد، ولكن كانت تخترق هذه الحركات البطيئة انخفاضات حادة للدولار يعاود بعدها الارتفاع.

ليست المرة الأولى التي يتداعى فيها الدولار أمام الجنيه

ترى الدكتورة زينب الجوادي أستاذة الاقتصاد ووكيلة الكلية للدراسات العليا بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا لعربي بوست بأن هذا الصعود سيحدث تحسناً اقتصادياً بالطبع بشرط أن يكون صعوداً حقيقياً ومستمراً.

في حين اعتبر الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن هذا الصعود تكتيك للتعامل مع المضاربين لإيهامهم بأن الدولار في طريقه للانخفاض حتى لا يتوقفوا عن المضاربة بالجنيه المصري.

واستشهد بما قام به البنك المركزي في فبراير/شباط 2017، حين كان سعر الدولار يصل إلى 18 جنيهاً وفي خلال أقل من 20 يوماً انخفض سعر الدولار لـ 17 و16 جنيهاً.

وقال الولي بأن التدفقات المالية ما هي إلا قروض ومشتريات أجانب من أذون وسندات خزانة، كما أن تحويلات المصريين بالخارج انخفضت في الربع الثالث عن الثاني بناء على آخر بيانات تم الإعلان عنها بالإضافة إلى أن الاستثمار الأجنبي انخفض بالربع الثالث من العام الماضي إذا ما قورن بنفس الفترة الزمنية من العام الذي يسبقه.

ولكن في المرات السابقة كان يصاحب تراجع الدولار حملة دعائية ضخمة

اللافت في المرات السابقة التي تراجع فيها الدولار أمام الجنيه، إن الأمر كان يتم بشكل مفاجئ ولفترة محدودة ويصاحبه في الأغلب حملة دعائية كبيرة تدفع الكثيرين إلى بيع دولاراتهم وبعد أن يقوموا ببيعها بسعر منخفض يفاجأون بارتفاع الدولار مرة أخرى.

وكان هذا الانخفاض المفاجئ وما يصاحبه من حملات إعلامية يدفع الكثيرين للنظر لما حدث إلى أنه مجرد مناورة من البنك المركزي ليسحب الدولارات من حائزيها عبر تخويفهم من أنها معرضة للانخفاض.

ولكن هذه المرة يبدو صعود الجنيه بطيئاً ويتم على مدار فترة طويلة ولا تصاحبه حملات دعائية كالمعتاد.

فهل يخطط البنك المركزي لرفع بطيء ولكن دائم للجنيه المصري.

هل يستمر الجنيه المصري في الصعود؟

بدأ مسار هبوط الدولار، منذ أواخر يناير/كانون الثاني 2019،، بعد فترة استقرار دامت لعدة شهور، وانخفضت بشكل لافت أسعار الدولار خلال شهر مارس/آذار الجاري، فهل سيستمر هذا الصعود للجنيه المصري مقابل الورقة الخضراء؟.

ترى الجوادي أنه من الممكن أن يكون هناك استمرار طفيف في الصعود إذا توفرت مصادر للنقد الأجنبي مثل زيادة تحويلات العاملين بالخارج وزيادة حجم الصادرات وإيرادات قناة السويس والاستثمارات الأجنبية.

ولكن ممدوح الولي يرى بأن هذا الصعود لا يمكن أن يستمر أكثر من ثلاثة أسابيع حيث لا توجد عوامل حاسمة إيجابية تؤدي إلى صعود حقيقي للجنيه المصري، بل بالعكس احتياجات الاستيراد من الدولار في تزايد بالإضافة إلى أن مصر مطالبة بسداد 14 مليار دولار أقساط وفوائد ديون متوسطة وطويلة الأجل و12 مليار دولار أقساط وفوائد قصيرة الأجل، وبالتالي من المتوقع أن الدولار سيعاود صعوده أمام الجنيه.

إنها بداية التعويم الحقيقي.. ومن هنا فإن المراهنة على الجنيه خيار غير مضمون

لقد بدأنا التعويم الحقيقي، بهذه الكلمات علق الخبير الاقتصادي المصري هاني توفيق على صفحته على فيسبوك على صعود الجنيه.

وقال "بعد عدة أشهر من أزمة الأسواق الناشئة وخروج العديد من صناديق الاستثمار الأجنبية في أدوات الدين المصري (أذون الخزانة بالذات) وبالتالي الضغط على موارد الدولة من العملات الأجنبية، صرح البنك المركزي منذ عدة أسابيع بأنه لن يستمر في التدخل لتثبيت سعر الدولار، وأنه اعتباراً من تاريخه سيتحدد سعر الدولار بناء على ظروف العرض والطلب بين البنوك وبعضها (آلية الإنتربنك).

وأضاف توفيق الذي يعتبر نفسه مؤيداً للرئيس السيسي خاصة من الناحية السياسية قائلاً إنه بناء على ذلك يجب أن نؤهل أنفسنا لتقلبات في سعر الصرف (التعويم الحقيقي).

وأردف قائلاً "لقد صادف ذلك، ولحسن الحظ، زيادة في إقبال الأجانب للاستثمار في أذون الخزانة بحوالي ٤ مليارات دولار، مما ساهم في زيادة المعروض الدولاري وانخفاض سعر الدولار إلى حوالي ١٧،٣٠ جنيه".

ورأى أن الاستمرار في هذا الانخفاض في سعر الدولار غير مضمون، وذلك لأنه لم ينشأ في معظمه عن طريق موارد حقيقية مملوكة لنا مثل التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة (وإن كانت الأخيرة بدأت تتعافى بحمد الله)، ولكنه نشأ من "سيولة في النقد الأجنبي" لدى البنوك نتيجة الاستثمارات الأجنبية المؤقتة -أي القروض-.

وأضاف قائلاً "قد تتحول هذه الأموال لأي سبب من الزيادة إلى النقصان وعودة سعر الدولار للارتفاع مرة أخرى في أي لحظة".

وتابع قائلاً: بالتأكيد، وعلى المدى الأطول، فإن المصادر الحقيقية المذكورة أعلاه -وليس المؤقتة- للعملات الأجنبية سوف يكون لها أثر إيجابي على سعر الجنيه المصري، وذلك تحت عدة افتراضات خاصة بالحد من الاستيراد وثبات السياسات الاقتصادية والسيطرة على عجز الموازنة والدين العام، وما إلى ذلك.

فتش عن الغاز

إلا أن خبيراً اقتصادياً رفض الإفصاح عن اسمه، قال لـ"عربي بوست" إن هناك متغيراً جديداً دخل على العوامل المؤثرة على سعر الجنيه المصري أمام الدولار.

وأضاف أنه مقابل تضخم ديون مصر الخارجية بشكل غير مسبوق، فإن اكتشافات الغاز المحتملة، تعطي الأمل للبلاد في قدرتها على سداد هذه الديون.

وقالت شركة إيني الإيطالية، في يناير/كانون الثاني 2019، إنها اكتشفت حقل غاز جديد، في منطقة امتياز نور بالبحر المتوسط.

وأضافت أن الحقل يقع في البحر المتوسط على بعد حوالي 50 كيلو متراً شمال سيناء، وأنه جارٍ تقييم الاحتياطيات الغازية بالحقل.

وتحدثت بعض وسائل الإعلام المصرية عن اكتشاف يعادل ثلاثة أضعاف حقل ظهر الذي يعتبر درة تاج الاستكشافات المصرية.

هل انعكس صعود الجنيه على مستوى معيشة المصريين؟

صعود العملة المصرية يعطي أملاً لبعض المصريين في تراجع الأسعار بعد أن عاش المصريون حقبة مريرة بعد التعويم اتسمت بتدني مستوى المعيشة وغلاء الأسعار التي أثقلت كاهل المواطن المصري بشكل غير مسبوق.

وترى الجوادي أنه إذا كان هناك إنتاج يعمل على تقليل حجم الواردات فسوف ينعكس ذلك على المواطن من ثبات أو انخفاض في الأسعار.

في حين يرى الولي أن هذا الصعود لن ينعكس على المواطن نظراً لعشوائية السوق بالإضافة إلى أن نسبة صعود الجنيه المصري غير مؤثرة وأن المستورد يحكم على السلعة بناء على قيمة الدولار حين شرائها.

تحميل المزيد