ألمانيا تنجو من الإدانة بارتكاب أول جريمة إبادة جماعية بالقرن العشرين.. ولكن أحفاد الضحايا مصرون على ملاحقتها قضائياً

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/20 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/20 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش

نجت ألمانيا من الإدانة أمام القضاء الأمريكي بالمسؤولية عن ارتكابها أول جريمة إبادة في القرن العشرين والتي وقعت في ناميبيا، ولكن أحفاد ضحايا الإبادة لم ييئسوا وقرروا الطعن على حكم المحكمة الأمريكية.

وقدّم محامون ينوبون عن قبيلتي هيريرو وناما التي تسكنان ناميبيا في دعوى ارتكاب ضد ألمانيا لارتكابها إبادة جماعية طلب طعن إلى محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة، بعد رفض دعوى جماعية أقامتها الجماعتان أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية في نيويورك بسبب جرائم مزعومة ضد الإنسانية.

وأتت طلبات الطعن في أعقاب الحكم الذي أصدرته لورا تايلور سوين قاضية مقاطعة مانهاتن الأمريكية الأسبوع الماضي والذي قالت فيه إن ألمانيا تتمتع بالحصانة من المزاعم المقدمة من المنحدرين من قبائل ناما وهيريرو، ما حال دون تمكنها من إصدار الأحكام فيما يتعلق بدور برلين في ما وصفه بعض المؤرخين بأنه الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين.

هكذا نجت ألمانيا من الإدانة بالمسؤولية عن أول جريمة إبادة في القرن العشرين

واستندت المحكمة في قرارها إلى مبدأ الحصانة السيادية والذي يعني عدم جواز خضوع دولةٍ بغير إرادتها، لقضاء دولة أخرى. فلا يجوز لدولة ذات سيادة أن تفرض سلطتها القضائية على دولة أخرى ذات سيادة.

إذ لا توجد دولة تملك الحق قضائياً وقانونياً في الحكم على أفعال دولة أخرى، وذلك استناداً إلى مبدأ الاستقلال بين الدول، وبالتالي فإن فرض إحدى الدول سيادتها على دولة أخرى يعد انتهاكاً وإخلالاً بمبدأ السيادة.

ولكنهم سارعوا بالطعن

جاء في عريضة الطعن الذي قُدَّم اليوم الإثنين 18 مارس/آذار واطلعت عليه صحيفة New Era الناميبية: "بموجب هذه العريضة، يقدم المذكورون أعلاه، نيابة عنهم وعن جميع أفراد شعب ناما وهيريرو، هذا الطعن إلى محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة الدائرة الثانية على فتوى محكمة المقاطعة وأمرها الصادر والمقيد بتاريخ 6 مارس 2019 (وثيقة 64)".

وجرى تعديل العريضة كالتالي: "بموجب هذه العريضة المُعدلَّة، يقدم المدعون المذكورن أعلاه، نيابة عنهم وعن جميع أفراد شعب ناما وهيريرو، هذا الطعن إلى محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة الدائرة الثانية بشأن فتوى محكمة المقاطعة وأمرها الصادر والمقيد بتاريخ 6 مارس 2019 (وثيقة 64) و(ب) الحكم الصادر والمقيد بتاريخ 11 مارس/آذار 2019 رافضاً الشكوى المعدلة لعدم الاختصاصي الموضوعي (وثيقة 66)".

وهم يحاولون وقف المفاوضات بين حكومة بلادهم والألمان

 

أخبر فيرا كاتو، وهو عضو مؤسس منظمة The Association of the Ovaherero Genocide in the USA المعنية بالتوعية بالإبادة الجماعية في هيرويرو ، صحيفة New Era باعتباره أحد المدعين أنه يشعر بخيبة الأمل إزاء الحكم الخاطئ الصادر عن القاضية.

ويقول إن الحكم من وجهة نظره كان يستند إلى تفسير ضيق لقانون الحصانة السيادية الأجنبية، ولا يستند إلى الأسس الموضوعية للشكوى، التي لم يطعن فيها المحامي الألماني أثناء إجراءات المحاكمة.

وأضاف: "نعلم منذ البداية أن الأمر سيشبه الماراثون وليس سباق العدو".

وشدد قائلاً: "تلك قضية تاريخية وفريدة، ومن خلال تلك العملية، نجحنا في إعلام العالم بشأن إبادة الناما والهيريرو على أيدي الجنود الألمان، وفي أثناء ذلك نكبح جماح المفاوضات الحكومية بشأن الإبادة الجماعية والتعويضات".

وقد شجعهم الحكم الذي صدر لصالح يهود المجر

وقال إنهم تشجعوا بالتأكيد بعد أن نظرت المحكمة الأمريكية من جديد مؤخراً في دعوى رفعها الناجون من الهولوكوست وعائلاتهم ضد حكومة المجر.

وقال كاتو: "سنستفيد من كل وسيلة متاحة لدينا داخل النظام القضائي للولايات المتحدة ونحمل ألمانيا "الجليلة" مسؤولية الجرائم التي ارتكبوها ضد شعب ناما وهيريرو".

وأقام شعب هيريرو وناما دعوى قضائية في يناير/كانون الثاني 2017، يقاضون فيها ألمانيا لاستبعادهم من المفاوضات الحالية بين الحكومتين الناميبية والألمانية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية التي وقعت هناك في الفترة بين 1908-1904.

100 ألف لقوا حتفهم في المذبحة التي ألهمت هتلر

ويُعتقد أن ما يصل إلى 100 ألف من الناما وهيريرو لقوا حتفهم على أيدي القوات الألمانية في أوائل القرن العشرين في ظل الاستعمار الألماني آنذاك في جنوب غرب إفريقيا.

وحدثت هذه المجزرة بين عامي 1904 و1908 قبل تولي النازية للسلطة في ألمانيا بأقل من ثلاثة عقود- وبقيت طي النسيان، مع أنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين.

وبدأت عندما قام ثيودور ليوتوين حاكم مستعمرة الجنوب الغربي وقائد الجيش الاستعماري الألماني آنذاك بقمع دموي لانتفاضة أطلقها سكان ناميبيا.

ومرت أشهر من دون تمكن الألمان من السيطرة على الوضع، ولكن عندما عين قيصر ألمانيا فيلهيام الثاني الجنرال لوثر فون تروثا قائداً للجيش الاستعماري، بدأت المجزرة الحقيقية.

إذ قام الجنرال ورجاله بقتل النساء والأطفال وتسميم آبار المياه، وأعطيت الأوامر بإبادة تلك القبائل الإفريقية من طرف الجنرال نفسه الذي كان يطمح لخلق منطقة بيضاء خالية من الزنوج.

وتم اعتقال قرابة 3500 سجين وسموا بالنار بحرفي "GH" إشارة إلى الحرفين الأولين من كلمتي سجين هريرو بالألمانية، وتم تعذيبهم.

وأجرى الطبيب الألماني يوجين فيشتر تجارب على بعضهم لإثبات تفوق العنصر الأبيض على الأجناس الأخرى، وقد تأثرت النازية بزعامة أدولف هتلر بتجاربه تلك، ولم ينجُ من أولئك السجناء سوى مئتين، بحسب مصادر الصحيفة.

مفاوضات لتبييض صفحة ألمانيا

ومؤخراً، دخلت المفاوضات بين الحكومتين الناميبية والألمانية حول الإبادة الجماعية التي وقعت إبان الاستعمار الألماني السابق على جنوب غرب إفريقيا بين عامي 1908-1904 عامها الثالث.

وشكلت بداية المفاوضات في أواخر عام 2015 نقطة تحول بعد أكثر من قرن من الإنكار الألماني. ورفضت الحكومات الألمانية المتعاقبة قبول الفظائع المرتكبة باعتبارها إبادة جماعية.

واعترفت برلين رسمياً بارتكاب جنودها لجرائم بحق أبناء قبيلتي هيريرو وناما في ناميبيا وتتفاوض مع الدولة الإفريقية لدفع تعويضات مناسبة.

وسلمت الحكومة الألمانية وفداً من ناميبيا في أغسطس/آب 2018، رفاتاً بشرية لـ27 شخصاً قتلوا إبان الحقبة الاستعمارية.

تحميل المزيد