خطة فرنسية إماراتية سعودية لإيجاد بديل للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، تعكف عليها حالياً الدول الثلاث.
فقد كشفت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست" عن محاولات وجهود سعودية-إماراتية، لتحجيم الحراك الشعبي في الجزائر.
وقالت المصادر إن تحركاتٍ جرت وبتنسيق على أعلى المستويات الأمنية بين الرياض وأبوظبي وأطراف سياسية جزائرية من جانب آخر، وذلك في مساعي جادة لإعادة صياغة المرحلة القادمة، بعد استبعاد عبدالعزيز بوتفليقة من الترشح للانتخابات مرة أخرى، وتأكيده عدم ترشحه لولاية ثانية.
تكرار لمنهج قديم.. خطة فرنسية إماراتية سعودية لإيجاد بديل للرئيس الجزائري
هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما تمّ خلف الكواليس مِن قِبَل الرياض وأبوظبي لإفساد تجربة ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بعد عزل الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
في ذلك الوقت تعاونت الدولتان الخليجيتان مع قوى الثورة المضادة في مصر لإفساد التجربة الديمقراطية، سواء قبل تولي الرئيس المنتخب محمد مرسي السلطة، أو بعدها.
وظهر هذا الدور في أزمة الوقود التي شهدتها مصر قبل سقوط مرسي مباشرة، التي اختلفت فور سقوطه؛ إذ سارعت دول الخليج بتوفير الوقود لمصر دعماً للنظام الجديد.
على غرار التعاون في ليبيا.. غرفة عمليات مشتركة خاصة بالجزائر
وقد علم "عربي بوست"، بأنّ اجتماعاتٍ مغلقةً تمت بالتنسيق مع الطرف الفرنسي، في ظلِّ العلاقات القوية التي تجمع الإمارات تحديداً مع باريس، والتي تظهر في التنسيق بين الجانبين في الملف الليبي وبالتعاون مع القاهرة.
وأبلغ الطرف الفرنسي السعودية والإمارات عن موافقته على تأسيس غرفة للعمليات الاستراتيجية، لمحاولة منع توسع الحراك الجزائري واحتوائه.
ويذكر المصدر نفسه أنَّ عدة لقاءات وزيارات تمَّت خلال الأيام الماضية بين شخصيات أمنية سعودية وإماراتية من جانب، وأخرى فرنسية بالرياض وأبوظبي، حيث جاءت هذه اللقاءات بدفع ودعم سياسي من الإمارات.
الاجتماعات السرية غير المعلنة -بحسب المصادر- وصل عددها إلى 7 اجتماعات ولقاءات متنوعة، تمت خلال الأيام الماضية، لبحث ملف أزمة الحراك الشعبي بالجزائر، والسعي إلى اتخاذ موقف يطوّق تطوير المشهد السياسي بالجزائر.
وقد علم "عربي بوست" أنّ الاجتماعات الأمنية الثلاثية تم منها لقاءان في أبوظبي، ولقاء آخر تمّ بجدة، وآخر بالرياض، حيث ركَّزت بالدرجة الأولى على كيفية إدارة المرحلة المقبلة، والسعي لتكليف شخصيات محددة للتواصل مع رموز في المعارضة الجزائرية، لفتح حوار معها في المرحلة المقبلة.
ومحمد بن زايد مهتم شخصياً بالأمر.. حتى إنه عيَّن مبعوثاً شخصياً
الغرفة ستسعى إلى إصلاح النظام في الجزائر، ومحاولة التنسيق مع قيادة الجيش بعد خروج فريق بوتفليقة من الحكم.
ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد مهتم بأزمة الجزائر، لدرجة أنه أوكل شخصياً حمد المزروعي لإدارة هذا الملف، بالتعاون مع ضباط سعوديين وإماراتيين.
ويدير حمد المزروعي، المستشار لدى ولي عهد أبوظبي هذه الاجتماعات بالتنسيق مع ضباط أمنيين سعوديين وإماراتيين، حسبما قالت المصادر المطلعة لـ "عربي بوست".
ومعارض جزائري يُحذِّر من التدخل العربي والغربي
وكان رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله، قد حذَّر من التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي للبلاد، واتَّهم عدداً من الدول العربية والغربية بمحاولة تشويه الحراك الشعبي السلمي، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، والسعودية وفرنسا.
وقال جاب الله في تصريحات صحفية، إنَّ هناك حملات يقودها عدد من الدول العربية والغربية، هدفها تشويه الحِراك الشعبي السِّلمي في الجزائر، وذكر أهم هذه الدول، وهي الإمارات العربية المتحدة، السعودية، وفرنسا.
وأضاف أن هذه الدول تتحرك وتريد التدخل لإفساد الحراك، كما تحركت وأفسدت الربيع العربي الذي بدأ في مصر وغيرها من الدول العربية، وحذَّر من أي تأثير خارجي، وقال إن التدخلات الخارجية تضرّ ولا تنفع، تُفسد ولا تُصلح، تُفرق ولا تُجمع.
الهدف امتصاص وتطويق الشارع الجزائري وإعادة تأهيل النظام الحالي
الهدف الحقيقي من هذه التحركات التي تقوم بها فرنسا والإمارات والسعودية هو السعي لامتصاص وتطويق غضب الشارع الجزائري، وإعادة تأهيل النظام الحالي، قبل بدء الانتخابات القادمة، حسبما قالت المصادر المطلعة لـ "عربي بوست".
وهذا هو الهدف غير المعلن من قِبَل النظام السياسي بالجزائر، وبدعم حقيقي وملموس من الرياض وأبوظبي، وهذا ما تمّ فعلياً على أرض الواقع، بعد إعلان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عدم ترشحه لولاية ثانية.
ويتَّفق الأطراف الثلاثة مع النظام في الجزائر على هذا الهدف، رغم اختلاف الدوافع.
إذ إن فرنسا تريد ضمانَ مصالحها في الجزائر، التي قد تتأثر إذا أخذ الحراك الشعبي مداه.
أما النظام الحاكم، سواء النخب العسكرية أو السياسية، فإنهم يريدون الحفاظ على الوضع القائم الذي يسيطرون فيه على مقاليد الحكم، كما يخشون فتح الباب للمساءلة حول الفساد، وغيره من القضايا الشائكة.
أما الإمارات والسعودية، فدافعهما الأهم وقف عدوى الديمقراطية في العالم العربي.
فبعد أن ساهما في وأد الديمقراطية في مصر، أكبر دولة عربية، مما أوقف رياح التغيير في المنطقة، فإنهما ليسا على استعداد أن تأتيهما رياح التغيير عبر البوابة الجزائرية.
والخطة بسيطة ومجربة من قبل.. فتِّش عن الجنرال
قال مصدر خاص لـ "عربي بوست"، رفض الكشف عن اسمه، إن السيناريو واللعبة السياسية القادمة التي تسعى إليها المؤسسة العسكرية الجزائرية، وعبر دعم غير معلن من الرياض وأبوظبي، وتنسيق عالي المستوى مع الجانب الفرنسي يهدف أيضاً إلى الدفع بشخصية جديدة بديلة، لتقود المشهد الجزائري القادم.
وتشبه هذه الخطة إلى حدٍّ كبير سيناريو وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ودعمه بعشرات المليارات.
وأضاف المصدر أن هذا ما يسعى إليه فعلاً ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لضمان وصول شخصية جديدة من داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، تعمل على إعادة تدوير النظام وإنعاشه من جديد.
إنها تطبق في كثير من الدول العربية
والسعي لإيجاد جنرال قوي في كل دولة عربية أصبح ديدن التحالف السعودي الإماراتي، وأحياناً تنضم لهما القاهرة في هذه المساعي، مثلما حدث في ليبيا عبر دعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
كما تجرى محاولات مماثلة في السودان، عبر السعي لإيجاد خليفة للرئيس عمر البشير، فيما أطلق عليه البعض عملية البحث عن حفتر سوداني.
كما رصدت تقارير متعددة تدخلاً إماراتياً في الشأن التونسي، للتحريض على حزب النهضة الإسلامي أكبر أحزاب البلاد.
هل الجزائر مثل مصر؟ لماذا يواجه تنفيذ الخطة صعوبات عديدة
تسعى الرياض وأبوظبي إلى تكرار المشهد المصري في الجزائر، لكن الأمر ليس سهلاً.
أولى الصعوبات طبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية الحاكمة في الجزائر ودول الخليج، فهي لم تكن وطيدةً كحال المؤسسة العسكرية المصرية، وغيرها من النخب المصرية، مع دول الخليج.
ورغم ذلك فإن تطابُق المصالح بين الجانبين قد يدفعهما للتحالف أو التنسيق.
ولكن هناك عوامل أخرى تتعلق بطبيعة الوضع الجزائري الداخلي، حسب بعض المحللين.
إذ يقول الكاتب والمحلل السياسي التونسي عبدالجبار المدوري، لـ "عربي بوست"، إنّ ما تشهده الجزائر من حراك شعبي من أجل الديمقراطية يذكّرنا بثورات الربيع العربي، وبتدخل بعض القوى الإقليمية العربية في هذا الحراك.
وأضاف: "نظراً لأهمية الجزائر على المستويين الإقليمي والعربي وحتى الدولي، فإنّه من الوارد والطبيعي جداً أن يكون للتدخل الخارجي دور فيما يحصل.
وضع الجزائر أقرب إلى تونس منه إلى سوريا وليبيا
المدوري يرى أنَّ هذا التدخل سيكون مختلفاً بعض الشيء، ولن يكون بنفس الأسلوب الذي حصل في سوريا أو في اليمن، لأنَّ الجزائر ليست سوريا، وليست اليمن، وليست ليبيا أيضاً.
واعتبر أنَّ الجزائر هي أقرب إلى النموذج التونسي؛ لأنَّ لديها مجتمعاً مدنياً قوياً وفاعلاً، ولديها تجربة طويلة في مقاومة الاستعمار، وفي مقاومة الإرهاب، وهو ما سيُساعدها على تجاوز كل من شأنه أن يعيدها إلى مربع الإرهاب والفوضى والحرب الأهلية التي عرفتها في بدايات تسعينات القرن الماضي.
ويرى المدوري أنَّ الشعب الجزائري؛ نظراً لتجربته الفريدة في مقاومة الاستعمار، فإنّه سيُعيق كلَّ محاولات التدخل الخارجي، خاصة أنَّ لديها جيشاً يعتبر من أقوى الجيوش في إفريقيا.
وقال إنَّ الجيش الجزائري سيكون له بطبيعة الحال دور محوري في أي عملية انتقال للسلطة، ولا يمكن تجاوزه من أي قوة سياسية أخرى، لأنّه سيكون الضامن الوحيد في الوقت الراهن لأمن واستقرار الجزائر ووحدة ترابها، ومنع أي تدخل خارجي.
الجزائر العضو الأخير في المعسكر المناوئ للرجعية العربية
تقليدياً، كانت الجزائر جزءاً من معسكر مناوئ للأنظمة الملكية والجمهورية العربية الصديقة للولايات المتحدة.
هذا المعسكر هو معسكر الأنظمة القومية العربية التي يحكمها عسكر، ينظرون بريبة للأنظمة الملكية أو حتى الجمهورية الموالية للولايات المتحدة، التي كان يسميها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الأنظمة الرجعية.
ولكن معسكر الأنظمة القومية أو الأنظمة التقدمية كما تسمى في أدبيات اليسار العربي، تفكَّك تقريباً.
فقد خرجت منه مصر بإرادتها، بعد تولي الرئيس أنور السادات السلطة، ثم العراق وليبيا بسقوط نظامي صدام والقذافي، ولم يبق منه سوى نظام الأسد الذي أصبح فعلياً تابعاً مزدوجاً لإيران وروسيا.
أما الجزائر، فرغم أنها تقليدياً جزء من هذا المعسكر، غير المرحِّب بالنفوذ الخليجي، إلا أن الأمر يتغير.
فصحة بوتفليقة المتدهورة ومخاوف النظام من الديمقراطية تقرّبه من المعسكر السعودي الإماراتي المعادي للديمقراطية.
ولكن تزايد النفوذ الاقتصادي الإماراتي يُربِك الساحة الجزائرية
كما أن تزايُد النفوذ الاقتصادي الإماراتي بات يُربِك الساحة الجزائرية.
وقد غيَّر هذا الأمر الحسابات التقليدية، عن ضعف النفوذ الخليجي في الجزائر.
إذ إن هذه الاستثمارات يُحتمل أن تشكِّل أداةً إضافيةً للتأثير الإماراتي السعودي.
ويبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في الجزائر 10 مليارات دولار، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدةً من كبرى الدول المستثمرة في الجزائر.
كما أنَّ هناك رغبة إماراتية في زيادة حجم الاستثمارات إلى 40 مليار دولار، في مجالات متنوعة مثل: السياحة، والعقار، والمحروقات.
وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى غطاء ودعم النظام السياسي الحالي.
وبالتالي فإنَّ الكثير من المراقبين السياسيين باتوا يرون أن هناك احتمالية كبيرة لسيناريو إعادة تدوير وتأهيل النظام السياسي الجزائري، بدعم إماراتي سعودي فرنسي.
إذ أنّ أبوظبي والرياض لا تريدان للدولة العميقة في الجزائر أن تسقط حتى لو اختلفا معها، حتى تحافظ على مصالحهما في المنطقة، وحتى لا تصل حمى الثورات العربية إلى بلادهما.