اندفعت الأسر من المساجد إلى المستشفى حيث ضحايا هجوم نيوزيلندا، وانفجرت مشاعرهم، وعيونهم.
مر أكثر من 3 أيام على هجمات يوم الجمعة 15 مارس/آذار التي أودت بحياة 50 شخصاً في مسجدين بمقاطعة كرايستشيرش، ولا يزال الكثيرون لا يعرفون مصير أحبائهم الذين يُعتقد بأنهم كانوا يصلون في المسجد عند وصول المسلّح وفتح نيرانه عليهم.
أختار خوختار، التي وصلت نيوزيلندا من الهند قبل شهرين لزيارة ابنها، حضرت إلى المستشفى للحصول على إجابات.
قالت لإمام المسجد وهي تحمل صورة بيدها: "إنه زوجي"، وقد جاء الإمام إلى مستشفى كرايستشيرش في محاولة لمساعدة أسر الضحايا، لكنه هز رأسه غير متيقنٍ من تعرُّفه على صاحب الصورة.
وواجه آخرون إحباطات مماثلة، دون إجابات مؤكدة عن الوفيّات
تساءل زهير درويش: "هل هذا أفضل ما يمكن أن تفعله؟"، حيث تُواصِل زوجة أخيه الاتصال من الأردن يائسة، وتريد أن تعرف إن كان عليها الترتيب لجنازته.
قبل بضع ساعات، وُجِّهَت تهمة جريمة القتل إلى المسلَّح الذي فجَّر كل هذه المآسي والآلام.
وتعهدت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، التي انتقلت إلى كرايستشيرش لزيارة الأسر قائلة: "ستتغير قوانين الأسلحة، لقد حان الوقت لذلك". وقبل دقائق من حادث إطلاق النار يوم الجمعة، استقبلت أرديرن رسالة إلكترونية بنسخة من البيان العنصري الذي يُزعَم أنه من المسلَّح مرتكب الجريمة.
وبحلول مساء السبت 16 مارس/آذار، كان درويش، مثل الكثيرين، لا يزال غير قادر على تصديق ما حدث وما أدّى به إلى مقهى المستشفى، والتي أصبحت "غرفة الأقارب"، والمكتظة بالنحيب والألم، والكثير من الغضب.
كان هناك العشرات من أسر الضحايا، شباب بقمصان خفيفة، وجدّات يرتدين الحجاب، ورجال ملتحين بالسراويل الجينز، مجتمعين معاً يحاولون الضغط للحصول على المعلومات من الجهات الرسمية التي يغلب عليها الارتباك.
وكان هناك ضابط شرطة يقف على كرسي في نهاية الحجرة، يتلقى الأسئلة ولا يتمكن إلا القليل من سماعه. وصاح فيه درويش: "من غير القانوني أن تخفوا عنَّا الأسماء! يجب عليكم تقديم أسماء الضحايا".
وقال العديد من الناجين إنهم لا ينتمون إلى هذا المكان
بعضهم هرب من إراقة الدماء والإرهاب والخوف في بلدان مثل باكستان وأفغانستان والصومال. بينما آخرون وُلِدوا هنا، واعتادوا الهدوء والسلام نسبياً. ولكن في أرض ملاعب الرغبي الزمردية الخضراء، وجدت الكراهية طريقها على أي حال.
لقد أظهرت استجابتهم للحادث مجموعة كبيرة من المشاعر الإنسانية. كشف سيرهم بين المساجد والمستشفى عن نماذج لا تحصى من الدموع والغضب. كان واضحاً هذا الحزن المنهك، والارتباك. وكان الحب حاضراً بقوة، يمكنك أن تراه في العناق القوي الذي يستحضر الدموع بين بعضهم البعض.
"هذا ابتلاء"، هكذا قال زيا أياز، المهندس الأفغاني الأصل البالغ 32 عاماً. والذي جاء إلى كريست تشيرش من مدينة هاميلتون النيوزيلندية لمساعدة أسر الضحايا من القتلى والجرحى. وقال: "الله يختبرنا، يختبر أسر الضحايا، ونحن هنا للمساعدة".
يشير التاريخ المحلي إلى وصول الإسلام مقاطعة كرايستشيرش عام 1845، على يد عائلة من الهند. وتزايدت أعداد المسلمين في السبعينيات مع وصول المهاجرين الأفغان، ثم في التسعينيات مع وصول مهاجرين جدد من دول أخرى.
لا يعتبر المجتمع المسلم في كرايستشيرش بارزاً للغاية
هذه المقاطعة البالغ تعداد سكانها 350 ألف نسمة والقريبة من ساحل المحيط الهادي للجزيرة الجنوبية. معظم الجالية الإسلامية من السنّة، وهم جزء من مجموعة صغيرة، ولكن متزايدة، بإجمالي 46 ألف مسلم تقريباً في دولة يبلغ تعداد سكانها 4.6 مليون نسمة. وفي كرايستشيرش، هناك مسلمون مسجلون بين طلاب الجامعات المحلية، وسائقي الأجرة، والمهنيين، والممرضات، وهناك أئمة مثل لطيف ألابي.
ألابي إمام مسجد لينوود، تعود أصوله إلى نيجيريا وأوشك على إنهاء الدكتوراه في ماليزيا. ومتواجد في نيوزيلندا منذ ثلاث سنوات.
وفي يوم الأحد 17 مارس/آذار، كان ينتقل بسرعة بين جميع المناطق التي تتجمع بها العائلات، مرتدياً جلابية رمادية نظيفة. بعدما كان رداؤه في اليوم الأسبق مخضباً بالدماء.
كان يعتقد أن بإمكانه تقديم القليل من المساعدة لمن يحتاجونها.
عندما وجدته السيدة خوختار، وأخبرته عن أن زوجها كان في مسجد النور، هز رأسه ولم يقل أكثر من "يا إلهي". حيث قُتل 41 شخصاً بهذا المسجد.
ياسر أمين ناصر، البالغ من العمر 35 عاماً، والذي انتقل من لاهور، باكستان منذ خمس سنوات، ويعمل الآن بمجلس مدينة كرايستشيرش. كان ياسر، بصحبة والده، محمد أمين ناصر، عندما أوقف سيارته على الطريق أمام مسجد النور يوم الجمعة وكانا يسيران تجاه المبنى عندما سمعا إطلاق النار.
الرعب عندما فات الأوان
وبعد تواصل إطلاق النار، توسل ياسر والده لأن يركض، وبسرعة. ولكن الأوان قد فات.
يقول ياسر: "بعد ثانيتين أو ثلاث، كان قد أصبح أمامنا، ويصوب سلاحه نحونا". وأشار ياسر إلى مسافة حوالي مترين ونصف كانت تفصلهما عن المسلّح.
وأضاف: "لقد رأيته، لقد نظر إلينا. كان يقود سيارته عندما لاحظنا، فتوقف وأمسك سلاحه".
أوضح ياسر أن المسلّح وجّه سلاحه من مقعد السائق مروراً بنافذة الراكب الأمامي تجاههما وأطلق النار.
تلقى والده رصاصتين، وبحلول مساء السبت كانت حالته لا تزال خطيرة في مستشفى كرايستشيرش.
كان والده يسافر بانتظام إلى نيوزيلندا، ووصل إليها هذه المرة منذ ثلاثة أسابيع، وكان يخطط لأن تكون هذه الزيارة أطول من المعتاد.
قال ياسر: "كان يحب المكان هنا. كان يقول إنه سيقيم هنا لمدة عام على الأقل، حيث ينعم بالسلام ولا يقلق بشأن أي شيء، لا شيء سواء الاسترخاء".
هذا هو البطل الذي قلل أعداد ضحايا هجوم نيوزيلندا
مقابلة مع البطل الذي واجه سفاح نيوزيلاندا
تعرَّفوا على عبد العزيز.. البطل الذي أجبر منفذ هجوم نيوزيلندا على الفرار!
Gepostet von عربي بوست am Sonntag, 17. März 2019
كان يمكن أن يصبح ضحايا مسجد لينوود أكثر لولا شجاعة وفدائية عبدالعزيز، البالغ من العمر 48 عاماً، والذي كان يصلي هناك مع أبنائه الأربعة عندما سمع صوت الطلقات النارية.
بدلاً من الهرب، أسرع تجاه الصوت وأمسك بأول شيء تمكّن من العثور عليه، آلة بطاقات ائتمان، وألقاها على مرتكب الهجوم. ثم حاول جذب انتباه المسلّح إليه، بعيداً عن المصلين، من خلال مراوغته عبر السيارات في باحة السيارات.
وأشار الإمام ألابي لوكالة The Associated Press الأمريكية إلى أنه يعتقد أن حصيلة القتلى كانت لتصبح أكبر بكثير لولا شجاعة عبدالعزيز.
قال عبدالعزيز، الذي ترجع أصوله إلى أفغانستان، إنه شاهد المهاجم يرمي أحد أسلحته وحاول الوصول له. ولكن عندما سحب الزناد، كان السلاح فارغاً من الطلقات. وعندما ذهب المسلّح إلى سيارته، لإحضار المزيد من الذخيرة، قال عبدالعزيز إنه رمى السلاح على الزجاج الأمامي لسيارة المسلّح، وحطم الزجاج. وفرّ المسلّح هارباً.
ربما بسبب موقع حدوث واقعة إطلاق النار، في بلدة لم تشهد أكثر من 10 قتلى على مر عدة سنوات، وجد العديد من الناجين أنفسهم يعودون بالزمن للوراء، واستخدام كلمات مثل السلام والهدوء، والأمان.
كانوا يعتبرونها الدولة الأكثر أماناً في العالم
قال درويش، البالغ من العمر 40 عاماً، إنه لهذا السبب أقنع أخيه، كامل، بالانتقال من الأردن إلى نيوزيلندا. وأضاف: "أخبرته بأنها الدولة الأكثر أماناً في العالم وأفضل مكان لتربية الأطفال".
وأوضح: "إنه هنا منذ ستة أشهر. وكان سيحضر زوجته خلال شهر".
ولكن تبددت كل هذه المخططات، إذ أصبح كامل في عداد المفقودين مع احتمالية وفاته.
وبداخل غرفة الأقارب في المستشفى، لم يتمكن درويش من السيطرة على غضبه وشعوره بالإحباط. اضطر العديد من المتواجدين إلى إخراجه من الغرفة لتهدئته عندما وقف إمام محلي لا يعرفه محاولاً التوضيح أن عليهم الانتظار حتى يتم تأكيد كل الأسماء والتعرف على كل الجثث قبل مشاركة المعلومات مع المجموعة.
قال الإمام مصطفى فاروق: "نريد أن نظل على تواصل، حتى يحصل الجميع على المعلومات في نفس الوقت".
وطالب آخرون في الحشد ببدائل، وصاح أحد الرجال من الركن البعيد بالغرفة: "نريد شيئاً أسرع، حتى نستريح".
وشرح الإمام فاروق أن بعض الضحايا لم يتم التعرف عليهم بسبب الجروح. وذكّرهم إمام آخر بأنها "ليست حادثة سيارة، إنها جريمة عالمية"، وعلى السلطات أن تكون حذرة لكيلا تقدم أي معلومات خاطئة بسبب التسرع.
وظل جمهور من الحشد يتوسلون: دعونا نتشارك الصور معهم. دع الأئمة التي تعرف بعض الضحايا يتعرفون عليهم.
لبعض الوقت، أدت هذه الآلام والمآسي إلى انقسامهم. إلى أن صاح رجل "الله أكبر"، ودعاهم بالصبر، لتنتهي حالة الخلاف والانقسام.
وبعد بضع دقائق، أعلنت الجهات الرسمية أنهم لن ينتظروا حتى التعرف على كل الجثث. ووافقوا على مطالبهم بالسماح للناس بإرسال الصور إلى الشرطة واختيار الأئمة للتعرف على من لا يستطيعون التعرف عليهم.
يعرف الناجون أن هذا التقدم لن يجلب سوى المزيد من الألم. ولكنهم على الأقل سيتحركون تجاه حل ونهاية، مجتمعين، ووحيدين.
على طريقة سفاح نيوزيلاندا .. بالصورة داعش تكتب على أسلحتها وتتوعد بالرد على الهجوم