بعد تدخلاته المثيرة للجدل في الرياضة المصرية، يبدو أن تركي آل الشيخ يخترق الوسط الفني المصري تدريجياً، مدفوعاً بأوامر عليا سعودية، وصمت مصري رسمي مثير للتساؤل.
فقد وقع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالسعودية تركي آل الشيخ، عدداً من مذكرات التفاهم مع مجموعة من الفنانين المصريين، التي من شأنها تدعيم القطاع الترفيهي في السعودية، وذلك خلال زيارته الأخيرة للقاهرة.
كما تداولت وسائل الإعلام عدداً من الصور والمقاطع التي تجمع بين آل الشيخ وبين عدد من المطربين والفنانين والإعلاميين، وكان أبرزهم الفنان عمرو دياب والفنان محمد حماقي والإعلامي عمرو أديب، والفنانة رجاء الجداوي، ومحمد هنيدي، والملحن عمرو مصطفى.
الهدف الرسمي تدعيم القطاع الترفيهي بالسعودية
المبرّر الرسمي لهذه المساعي هو تدعيم القطاع الترفيهي والفني بالمملكة العربية السعودية، وذلك عبر هذه المذكرات التي تمّ توقيعها مع مجموعة من نجوم الفن والسينما لإقامة مسرحيات وعروض سينمائية وحفلات غنائية.
وضمَّت مذكرات التفاهم تقديم 6 عروض لمسرحية "الملك لير"، من بطولة الفنان يحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي، فضلاً عن تقديم 6 عروض مخصصة للعائلات للفنانة شريهان، التي تعود إلى المسرح بعد توقف دام عدة عقود.
وفي المنحى ذاته، تمَّ الاتفاق مع فنانين آخرين للمشاركة في عروض ومهرجانات في السعودية، فضلاً عن إنتاج أفلام لتكون عروضها الأولى داخل قاعات المملكة.
ولكن الواقع قد يكون مختلفاً، فالهدف السعودي لايقتصر على تطوير القطاع الفني السعودي عبر تعزيز العلاقات مع الوسط الفني المصري العريق، بل إن الدافع يقف وراءه هدف سعودي قديم يعود إلى عقود، حسبما تذكر مصادر مطلعة لـ "عربي بوست".
فمن يقف وراءه، ولماذا بدأ تركي آل الشيخ يخترق الوسط الفني المصري بعد الوسط الرياضي، وهل للموضوع أهمية وأبعاد سياسية غير البعد الرياضي والفني.
ولماذا يصر تركي آل الشيخ على الاستمرار في إيجاد موطئ قدم له بمصر، على الرغم من شخصيته الجدلية، وعدم تقبله من قبل الشعب المصري، خاصة بعد دوره السلبي تجاه النادي الأهلي، أكبر النوادي شعبية في مصر، بعد فشله في رئاسته الشرفية للأهلي.
والأهم لماذا يسكت صانعُ القرار في مصر عن هذه التدخلات، رغم استفزازها لقطاع كبير من المصريين.
أعلن تصفية استثماراته الرياضية بمصر ثم تراجع
كان آل الشيخ أعلن قبل عدة أيام تصفيته لجميع استثماراته الرياضية في مصر، كان آخرها بيعه نادي بيراميدز الذي يشارك في الدوري المصري الممتاز، ونقل ملكيته من رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، إلى المستثمر الإماراتي سالم سعيد الشامسي.
وقال النادي في بيان، نشره آل الشيخ على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة، إنَّه قرَّر "تصفية جميع الاستثمارات الرياضية للمالك السابق" تركي آل الشيخ.
وبعد أقل من 48 ساعة من قرار تركي آل الشيخ تصفية استثماراته في مصر، أعلن بيراميدز في بيانٍ رسمي عودة آل الشيخ لرئاسة النادي من جديد.
وأفاد بيراميدز في بيانه أن آل الشيخ قرَّر العدول عن قراره بعد إلحاح لاعبي ومسؤولي النادي، ليعود إلى الاستحواذ على حصته في نادي بيراميدز والاستمرار في دعمه.
تركي آل الشيخ يخترق الوسط الفني المصري تدريجياً.. إنه قرار بأوامر عليا
بعد الصخب الذي أثاره في الملف الرياضي المصري، بدأ تركي آل الشيخ يخترق الوسط الفني المصري تدريجياً للبحث عن بوابة جديدة لتعزيز النفوذ السعودي بمصر، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست".
ولجأ تركي آل الشيخ مؤخراً إلى استقطاب الفنانين تحت مظلة الترفيه، وذلك للبحث عن موطئ قدم جديد في مصر.
وتقول مصادر سعودية مطلعة لـ "عربي بوست"، إن مساعي رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ، تأتي بضوء أخضر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لاختراق الساحة المصرية عبر بوابة الفن، خاصة أنَّ نجوم الفنّ والسينما تربطهم علاقات جيدة مع السياسيين وأصحاب المال والنفوذ في مصر.
بالفيديو .. شاهد أغنية عمرو دياب الجديدة من تأليف تركي أل الشيخhttps://t.co/eMLj6ruvus pic.twitter.com/dEIl0jgJpW
— khaled talaat (@khaledtal3at) February 23, 2019
وتوضح المصادر أنَّ آل الشيخ كُلف بالذهاب إلى مصر بمهمة استراتيجية رُسمت له من أعلى المستويات السعودية، وكان آخرها التقاؤه بعدد من الفنانين ونجوم السينما والغناء لتوقيع عقود تعاون مع عدد من نجوم الفن والسينما لإحياء عدد من الحفلات والسهرات بالسعودية.
هذه المساعي والتحركات الأخيرة خلاصتها الهيمنة الناعمة على القرار المصري، ومحاولة النفاذ إلى القرار السياسي، وإيجاد موطئ قدم للرياض داخل مصر، خاصة فيما يتعلق بمجلس النواب.
وشخصيتان مصريتان شهيرتان تساعدانه على المهمة
هناك شخصيتان شهيرتان تساعدان تركي آل الشيخ في هذه المهمة.
الأول هو مذيع وإعلامي شهير يعمل حالياً مع السعوديين بشكل رسمي.
والثاني فنان شهير هو الذي أطلق موجة كوميديا الشباب في التسعينات، وإن كان نجمه قد تراجع قليلاً في السنوات الأخيرة.
وتؤكّد المصادر أنّ هذا الفنان بات الذراع المهمة لتركي آل الشيخ، وأصبح حلقة الوصل بين آل الشيخ ومجموعة من النواب المصريين.
الدور على الناصريين واليساريين بعد الإخوان
السعودية تسعى إلى تقويض الدور السياسي لليساريين والاشتراكيين والتيارات المحسوبة على التوجه "الناصري"، وذلك بعد مخاوف من تصاعده بعد تراجع دور جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، بعد خلع الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
بهذه الكلمات فسَّر رجل الأعمال الكندي آلان بندر، المقرب من الأمير الوليد بن طلال لماذا بدأ تركي آل الشيخ يخترق الوسط الفني المصري تدريجياً.
ويأتي الدور السياسي الذي يلعبه تركي آل الشيخ في مصر بضوء أخضر من مستويات سياسية عليا بمصر، وبعلم من السلطات المصرية، حسبما يقول بندر في تصريح خاص لـ "عربي بوست".
وفي إطار هذا العداء للناصريين واليساريين، تلمح مصادر مطلعة لعربي بوست إلى دور لتركي في الحملة ضد المخرج خالد يوسف، ذي التوجهات الناصرية.
ولا يخفى على أحد العداء السعودي لجمال عبدالناصر والناصرية منذ عقود، وهو العداء الذي جاء بسبب مخاوف الرياض، من تأثير أفكار الوحدة العربية والجمهورية والاشتراكية والاستقلال الوطني على النظام السعودي الملكي.
وظهر الدور في محاولة المملكة لإفشال الوحدة المصرية السورية التي كانت ذروة نجاح عبدالناصر.
إذ إن السعودية تخشى من أي تغيير في مصر
فالعداء السعودي للناصريين واليسار أقدم من العداء للإخوان، حسبما تشير مصادر مطلعة على السياسة السعودية لـ "عربي بوست".
إذ إن المواقف السعودية تقوم على مقاومة أي محاولة للتغيير في المنطقة، وخاصة مصر، لأن صعود نفوذ يساري أو ليبرالي أو إسلامي حركي في مصر، ليس من شأنه فقط تقليل النفوذ السعودي في المنطقة، بل يهدد بصعود تيارات مماثلة في المنطقة.
وأشارت المصادر إلى أن صعود حركة الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر في مصر في الخمسينيات، أطلق حركات مماثلة في العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا واليمن، بل حتى ظهر الأمراء الأحرار في السعودية.
وكذلك ففي حال لو كان الإخوان المسلمون قد نجحوا في تجربتهم في الحكم الذين وصلوا إليه في مصر عبر الانتخابات، لكن العدوى يمكن أن تنتقل للسعودية، وهو الأمر الذي يفسر العداء السعودي لهم بعد الربيع العربي، رغم تقاربهم القديم الذي يعود للخمسينيات.
ولكن لماذا تسكت القيادة المصرية عن هذا الاختراق؟
لا تبدي القيادة المصرية أي مخاوف أو قلق من الدور الذي يلعبه آل الشيخ، نظراً لأنّ الأمر يدخل ضمن سياق المنفعة السياسية للطرفين، حسبما يقول بندر لـ "عربي بوست".
وأضاف أن طبيعة الدعم الذي قدَّمته السعودية والإمارات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في وصوله للحكم واستمرار هذا الدعم، يجعل من الطبيعي على القيادة المصرية أن تتغاضى عن هذا الاختراق.
ومن هنا فإنَّ بندر يعتبر السكوت الحاصل من قبل السلطات المصرية على دور آل الشيخ في مصر، أمراً مبرراً وليس بمستغرب، خاصة أنَّ السيسي قد حاول إيهام السعودية بأنّ هناك اعتراضات على التعديلات الدستورية الأخيرة التي تتيح تمديد حكم السيسي.
ووصل الأمر إلى أن تركي أراد معرفة حجم رفض للتعديلات الدستورية
مصادر أخرى أكدت لـ "عربي بوست": تركي آل الشيخ كان يسعى إلى معرفة حجم المعترضين على التعديلات الدستورية في مجلس النواب.
وقالت هذه المصادر إنّ الرياض لا تريد أن تترك مصر على الحياد، كما أنّها تسعى لإيجاد أدوار سياسية أخرى داخل مصر، بالإضافة إلى دعمها لنظام السيسي.
وأضافت: تسعى إلى تقويض أي قوى أو تيارات معارضة للنظام السياسي، أو أي جهود سياسية لا تتناغم مع التوجهات السعودية في مصر، كالتيارات القومية واليسارية.
ومن هنا فإن الرياض باتت تدرك جيداً أنّ الوسط الفني يعدّ وسيلة مساندة لتعزيز نفوذها، كما أنّه يعتبر أسهل طريقة للوصول إلى السياسيين، حسب هذه المصادر.
وقالت إنّ المساعي والتحركات التي يقوم بها آل الشيخ والاتفاقيات على مستوى قطاع الفن بمصر ما هي إلا واجهة وغطاء للدور الأهم والأكبر، الذي يتمثل بإيجاد دور سياسي إضافي لصالح السعودية، بدعم من الديوان الملكي، وتحت علم السلطات المصرية.
لقد قام صدام بمحاولة اختراق مماثلة
من ناحية أخرى، لفتت مصادر أخرى في حديثها مع "عربي بوست" إلى أن التجربة التاريخية لمحاولات اختراق الأوساط الإعلامية والفنية المصرية، تجعل القيادة المصرية غير قلقة من هذه التحولات.
وقالت المصادر إن قوة الدولة المصرية تجعلها لا تخشى من التأثير الدائم لهذه المحاولات، التي تكررت من قبل، ولكنها في النهاية كانت لها حدود.
إذ إن الرئيس العراقي السابق صدام حسين سبق أن قام بمحاولة مماثلة للوسط الإعلامي والفني المصري، وقدم هدايا كبيرة لشخصيات مهمة، منها رؤساء تحرير صحف قومية خلال الثمانينات، عندما كانت العلاقات بينه وبين الرئيس مبارك في أوجها.
ولكن عندما وقف الرئيس مبارك ضد الغزو العراقي للكويت لم تكن هدايا صدام قيمة كبيرة، ووقفت معظم الشخصيات التي تلقتها في صفّ مبارك، باستثناء بعض الشخصيات التي تصنف على أنها معارضة، وحتى هذه الشخصيات تركت من قبل نظام مبارك تؤيد صدام، لأنه رأى أن تأثيرهم محدود.
ففي حال قوة النظام المصري، وامتلاكه العصا الغليظة يمكن ضمان ولاء الشخصيات التي تتلقى مثل هذه الهبات.
أما في حالة الرئيس المعزول محمد مرسي، فإن الاختراق السعودي الإماراتي، كان له تأثير ضد مرسي، لأن النظام كان ضعيفاً والدولة العميقة نفسها كانت ضد مرسي.
قصة اللوبي السعودي بمصر.. تركي جزء من استخبارات بن سلمان الخاصة
تركي آل الشيخ بات مفوضاً على المستوى الرسمي لتحقيق مصالح السعودية في مصر، حسبما يقول رجل الأعمال الكندي آلان بندر لـ "عربي بوست".
وأضاف قائلاً إنّ الديوان الملكي بالسعودية أصبح له جهازه الخاص الأمني والمخابراتي، كما أنَّ مسائل السياسة الخارجية باتت من اختصاص الديوان الملكي حيث يعدّ تركي آل الشيخ بدوره واحداً من ذلك الفريق.
وذكر أن آل الشيخ استطاع تكوين لوبي سياسي عبر عدد من الوجوه الإعلامية والفنية المصرية، من ضمنهم الفنان الكوميدي الشهير، والإعلامي المعروف المتعاقد مع قناة سعودية.
والإمارات لها دور كبير في الأمر
يقول بندر لـ "عربي بوست" إنّ السعودية لا تستطيع ترك الساحة المصرية على الحياد.
وأضاف أنّ الإمارات والسعودية لا تزالان تمارسان أدواراً سياسية في الداخل المصري.
ولفت إلى أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، هو الذي أشار على تركي آل الشيخ بممارسة دور سياسي عبر دائرة نجوم الفن والسينما والإعلام، وذلك للسعي إلى السيطرة عليهم، الأمر الذي سيؤدي بالمقابل إلى السيطرة على الشارع المصري، حسب قوله.
ويشير بندر إلى أنَّ الفنان الكوميدي والإعلامي الشهير الذي يعتمد عليهما تركي لتنفيذ هذه المهمة لهما علاقتهما القوية، وارتباطات بمسؤولين في الحكومة المصرية.
وقال إن الفنان تحديداً له علاقاته مع أعضاء بمجلس النواب المصري.
ويختم بندر حديثه بالقول: "السعودية تصنّف الملف المصري على أنّه أهم الملفات السياسية في المنطقة، خاصة أنّ الدور المصري تجاه الملف السوري والخلافات التي حدثت بين الرياض والقاهرة على طريقة معالجته، يجعل الرياض تتوجس ريبة من تغير المواقف المصرية، أو وقوفها على الحياد، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران".
فقد أثبت الرئيس السيسي حتى الآن أنه يأخذ من السعودية الدعم دون أن يقدم مقابل، مثلما ظهر في رفض مصر المشاركة في حرب اليمن.