"سيدي الرئيس.. سلِم المفاتيح"، بهذه الكلمات توجه مغنٍ جزائري إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مطالباً إياه بعدم الترشح. ولكنَ مواقف الفنانين الجزائريين من العهدة الخامسة للرئيس تبدو مختلفة.
المغني الذي قال هذه الكلمات هو أنس تينا، الذي كان من القلة القليلة من الفنانين الذين أعلنوا رأيهم في المظاهرات الأخيرة، التي أبرزها تلك التي خرجت في 22 فبراير/شباط 2019.
ويبلغ عمر بوتفليقة 81 عاماً، وتعرض في عام 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة، وهو يحكم البلاد منذ عام 1999 ولعب دوراً كبيراً في تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية التي أنهت حرباً أهلية نشبت بعد انقلاب الجيش إثر فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية في مطلع التسعينيات.
مواقف الفنانين الجزائريين من العهد الخامسة للرئاسة
تحدث العالم كله عن المظاهرات الأخيرة في الجزائر والرافضة لترشح الرئيس بوتفليقة.
ولكن لم يُسمع صوت أو تصريحات لأشهر الفنانين في البلاد يكشف عن رأيهم.
باستثناء 4 فنانين جزائريين لم يكتفوا بالتعليق على المظاهرات أو المشاركة فيها، بل أصبحوا من الصناع الرئيسين للحدث. ولكن، ما الثمن الذي دفعوه لهذه المواقف؟
في هذا التقرير نقدم لك أشهر مواقف الفنانيين الجزائريين من التظاهرات ضد ترشح بوتفليقة للولاية الخامسة، ولماذا فضَّل أغلبهم الصمت؟
فُلة الجزائرية أول من نادى برفض العهدة الخامسة
في 12 فبراير/ شباط 2019، ظهرت الفنانة الجزائرية "فلة" في مقطع فيديو مدته 9 دقائق، تتحدث فيه عن غضبها من القرار الأخير الذي صدر من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالترشح، واعتبرته قراراً خاطئاً وخطيراً.
وكان موقف "فلة" من أبكر مواقف الفنانين الجزائريين من العهدة الخامسة، والتي ظهرت حتى قبل اندلاع المظاهرات بفترة ليست قصيرة.
ودعت "فُلة" الجزائريين في الفيديو إلى "للخروج وبقوة لتنظيم مسيرات رافضة للعهدة الخامسة، والضغط على النظام من أجل تغيير تفكيره في جعل الجزائر مملكة لمجموعة من الأشخاص".
وحذرت "فُلة" من أن ينقاد الجزائريون وراء الفوضى، وقالت: "على الجزائريين أن ينظموا مسيرات سلمية، والخروج في انتفاضة كبيرة، لكن بشرط أن تكون سلمية والابتعاد عن كل أشكال الفوضى".
رسالة "دوبل كانو" إلى الجزائريين.. ليست انقلاباً أو دعوة إلى الفوضى
قبل يومين من المسيرات الحاشدة التي شهدتها الجزائر، وبالضبط في 20 فبراير/شباط 2019، خرج نجم الراب الجزائري لطفي دوبل كانو، المقيم في فرنسا، برسالة إلى الجزائريين بعنوان "كيف ستنجح المسيرة؟".
وبدا الفنان الجزائري في قمة الارتياح إلى الدعوة لمظاهرات 22 فبراير/شباط 2019، ووصفها بأنه قرار تاريخي سيشهد له العالم بأَسره، وسيُترجِم رغبة الجزائريين في التغيير نحو الأفضل.
ورفض دوبل كانو إدراج تلك المظاهرات في خانة "الانقلاب العسكري أو إسقاط النظام واستعمال الفوضى"، بل اعتبرها خروجاً سلمياً كبيراً للجزائريين والمطالبة برفض ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة؛ نظرا ًلواقعه الصحي وعجزه على تسيير أمور البلاد.
وقال نجم الراب الجزائري: "انتزِعوا الخوف من قلوبكم، وكونوا بقوة في مسيرات سلمية، ويجب أن يكون لكم هدف في تلك المظاهرات، وهو الرفض القاطع لترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة".
ولكنه دفع الثمن بأثر رجعي: ممنوع من دخول الجزائر
يعد نجم الراب الجزائري لطفي دوبل كانو، من الفنانين الذين لهم تأثير كبير على نخبة الشباب في الجزائر، بالنظر إلى مواقفه السياسية الثابتة، وكذا تناوله الواقع المعيشي الصعب والاجتماعي المعقد في كل أعماله.
ومُنع دوبل كانو من دخول الجزائر مدة زادت على 10 سنوات.
وأكد كانوا في لقاءات إعلامية سابقة أنه "لا يسيء إلى الجزائر، بلده الحبيب الغالي عنده".
وقال: "لم أكن يوماً ضد الدولة وإنما ضد سياسة الحكومة"، مشيراً إلى أن أغانيه السياسية المنتقدة للسلطة ليست إلا ممارسة شرعية لحقه في انتقاد رئيس الدولة كموظف فيها، وهو الحق الذي يكفله القانون".
ويرفض المغني الجزائري اتهامه بالتحريض على الثورة ضد النظام من جهة، كما يرفض تملقه من جهة أخرى.
ويعتبر نفسه معارضاً للسلطة وسياسة الحكومة وفي الوقت نفسه هو ضد التطرف والتحريض على العنف.
ويؤكد أنه لن يقدم أي تنازلات للسلطة لدخول الجزائر.
وعرف دوبل كانو بأعماله الفنية المنتقدة للساسة في بلاده، وهو يدعو فيها إلى الإصلاح والتغيير، كما في أغنية "كيما هاك" التي حققت نجاحاً باهراً على المستويَين الجزائري والعربي.
شمسو (dz) يتظاهر مع والدته
المغني الجزائري معشوق الشباب شمسو دي زاد (dz)، المشهور بأغاني الراي والراب، هو الآخر أعلن جهاراً أنه ضد العهدة الخامسة.
وظهر في مقطع فيديو وهو وسط مظاهرة حاشدة برفقة والدته.
شمسو قال في الفيديو، إنه يشارك برفقة الوالدة، في مسيرات رفض ترشح الرئيس بوتفليقة، وذكر أن المسيرة سلمية ولم تسجل اية أحداث، داعياً الشباب إلى الاستمرار في السلمية.
كما انتقدت والدته النظام، وعبرت عن مواقفها من خلال المشاركة في المظاهرة.
أنس تينا يردُّ على أموال النظام بأغنية جديدة
مغني الراب الجزائري أنس تينا كان سعيداً لخروج الشعب الجزائري في مظاهرات ضد العهدة الخامسة، وقال إنه كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر.
ونشر تينا، في 23 فبراير/شباط 2019، مقطع فيديو "حيا فيه الشعب الجزائري، لنجاحه في المظاهرات الرافضة للعهدة الخامسة، وقالها بصوت عالٍ "لا للعهدة الخامسة"، ورفض المتحدث اتهامه بتغيير مواقفه.
وقال تينا: "أنا ضد العهدة الخامسة، رغم أنه عرضت عليَّ أموال كبيرة لأقول العكس أي (نعم للعهدة الخامسة)، لكنني رفضت، لأني ابن الشعب، ومواقفي ثابتة، وأرفض المساومة في قرارات اتخذها الشعب بنفسه".
أنس تينا قال أيضاً: "في الوقت الذي كان فيه الشعب يحضّر للمظاهرات، كنت أكتب أغنية جديدة سأطرحها قريباً"
"سيدي الرئيس.. سلِّم المفاتيح".. مع الشكر
في 25 فبراير/شباط 2019، كان اليوتيوبر أنس تينا عند وعده متابعيه، عندما كشف النقاب عن عمله المعنون "سيدي الرئيس.. سلِّم المفاتيح".
واستهل تينا الفيديو الجديد بتقديم الشكر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة على ما قدمه للبلاد طوال فترة حكمه، "وكل الجزائريين يشهدون على ما قدمت للبلاد على حساب صحتك.. وسأكون جاحداً إن أنكرت وجود إنجازات".
المغني سرعان ما عاد لتأكيد أن معظم الجزائريين يحلمون بالعيش في وضع أفضل من الذي يعيشونه في
الظرف الراهن، واعتبر أن "الرئيس بوتفليقة لم يعد قادراً على تسيير البلاد، وحان الوقت لكي يسلّم المفاتيح".
وتجاوز عدد مشاهدات الفيديو في الساعات الأولى من عرضه ربع مليون مشاهدة، خاصة أن الأغنية عالجت أيضاً مشاكل شبابية كبيرة، كالبطالة والهجرة غير الشرعية والفقر.
مقابل هؤلاء الأربعة.. آلاف الفنانين يؤثرون الصمت ولو أن بهم غضاضة
ولكن في مقابل هؤلاء الفنانين الأربعة الذين جاهروا بمواقفهم، فإن مواقف الفنانين الجزائريين من العهدة الخامسة مالت إلى الصمت.
فهل ذلك تأييد للرئيس أم هناك سبب آخر وراء مواقف الفنانين الجزائريين من الجدل حول العهد الخامسة، والتي غلب عليها السكوت والابتعاد عن المعارضة أو الموالاة.
يقول معاذ جربي، ناقد فني وسينمائي، لـ "عربي بوست": "إنَّ واقع الفنان الجزائري
جعله بعيداً عن الساحة السياسية إن لم نقل خائفاً من الاقتراب منها".
وأضاف: "الكل يعرف أن المغني أو الفنان في الجزائر يعتمد على المهرجانات الوطنية والعربية التي تنظمها الدولة، ولا يخفى على أحد أن هذه المهرجانات هي مصدر الرزق الوحيد لكثير من الفنانين، في ظل انعدام استقلالية تنظيم هذه المهرجانات من قبل مؤسسات خاصة".

"هذه الأوضاع جعلت الفنان يخاف الكلام عن الأوضاع السياسية"، حسب جربي.
ويضيف: "كما أرغمت هذه الظروف الكثيرين من الفنانين على الهجرة والاغتراب لإيجاد مساحة حرية يستطيع أن يتكلم عبرها، كما رأينا بالنسبة للنجم لطفي دوبل كانو".
وتابع قائلاً إن الفنانين في الجزائر "عجزوا حتى عن تنظيم مسيرة قبل أشهر من الآن للتنديد بالواقع الثقافي في البلاد، وهو ما يعكس حجم الانشقاق والخلاف الحاصل داخل الاسرة الفنية قبل كل شيء".
لكن يضيف: "أنا متيقن أن الجميع غير راضٍ بالوضع".