مَن يقف وراء علي غديري؟ سؤال يزداد إلحاحاً مع إعلان الجنرال المتقاعد علي غديري ترشحه للرئاسة الجزائرية، مطلقاً حملة انتخابية تميزها الانتقادات الحادة التي يواجهها للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
وأعلن غديري في 22 فبراير/شباط 2019، وهو الذي شهد المظاهرات المناهضة لترشح بوتفليقة، أنه حصل على العدد المطلوب من التوقيعات على تأييد الترشيح.
إنه يحذر من تسونامي.. الجنرال يقف مع الشارع
وكان لافتا أن المرشح ذا الخلفية العسكرية وصف المعارضة لولاية بوتفليقة الخامسة بأنها "تسونامي" ، حسبما أفادت الصحيفة المملوكة للقطاع الخاص باللغة العربية.
وفي خطاب أمام تجمع شبابي في العاصمة الجزائر في نفس اليوم الذي خرج فيه المتظاهرون في مختلف المدن الجزائرية إلى الشوارع لمعارضة إعادة انتخاب بوتفليقة، دعا غديري "النظام إلى الارتقاء بمستوى الوعي الذي أظهره المتظاهرون وقبول الجزائريين". ذكرت "الخبر" أن "الرغبة في التغيير".
وقال: "إنه لم يفاجأ بمستوى التأييد للمظاهرات"، وأضاف: "لم يطالب الناس بالمستحيل، بل أرسلوا رسالة إلى النظام مفادها أن الفيضان في مد المرتفعات".
وأضاف أن هؤلاء المقربين من بوتفليقة كانوا "مسؤولين أمام الله والشعب والتاريخ عن هذا الوضع"، في إشارة إلى الوضع الحالي للبلاد، بحسب الخبر.
واتهم هؤلاء المقربين بأنهم "عصابة تتصرف وكأن الجزائر هي ميراثها وتتعامل معها مهما كانت تريد"، حسبما ذكرت الصحيفة اليومية.
وحول صحة بوتفليقة، رفض غديري التكهن بزيارة الرئيس إلى سويسرا لإجراء فحوص صحية "روتينية"، لكنه قال: "أنا لست طبيباً، لكنني آمل أن أرى رئيساً يتكلم، يجوب البلاد ويمثل الجزائر في المنتديات الدولية".
كما انتقد ما وصفه "بالانحطاط" الجزائري في الوضع الدولي ووعد بالمزيد من الاستثمار في الدفاع.
"يا أنا يا هو".. إنه يتحدى بوتفليقة بشكل جريء للغاية، وهذه رسالته للجيش
وغديري اشتغل ما يقارب 42 عاماً في صفوف المؤسسة العسكرية، 15 عاماً منها قضاها مديراً مركزياً للموارد البشرية التابعة للجيش.
جذبت تصريحات الجنرال السابق الجريئة الحادة الاهتمام، إذ يرفع شعار "يا أنا يا هو"، في إشارة إلى الرئيس الجزائري.
في عدة مناسبات، طلب الجنرال علي غديري من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الانسحاب من سباق الرئاسة لفترة خامسة محتملة.
كما دعا رئيس أركان الجيش إلى "تولي مسؤولياته أمام التاريخ من خلال ضمان إجراء انتخابات شفافة"، بهدف إحراج نائب وزير الدفاع قايد صالح بشكل واضح.
وفي موقف نادر من نوعه.. المؤسسة العسكرية ترد عليه
هذه المواقف دفعت نائب وزير الدفاع ورجل الجزائر القوي قايد صالح (بوتفليقة هو وزير الدفاع) إلى الرد على زميله السابق.
المرة الأولى، عبر بيان لاذع لوزارة الدفاع موجه للعسكريين رفيعي المستوى الذين سيغريهم التقدم لسباق الانتخابات الرئاسية.
المرة الثانية، مرر الرد عبر افتتاحية في نشرة الجيش، وحملت نفس مضمون بيان الوزارة.
ووصل الأمر إلى أن قرر الجنرال قايد صالح، خلال جولته غرب البلاد، الرد بشكل شخصي أمام قوات الجيش، حيث حذر من "المغامرين" و "الأفراد الذين يدافعون عن المصالح الضيقة"، مصوباً مدفعيته نحو غديري.
ووصف قايد صالح، غديري دون أن يسميه، بأنه "فقد القدرة على أن يزن الأمور كما يجب"، و "يريد أن يرتدي بذلة أكبر منه"، حسب وصفه.
وخصص التلفزيون الجزائري زمناً مهماً لعرض مقتطفات خطاب رجل الجزائر القوي قايد صالح حالياً.
هذا الرد من الجيش الجزائري يجعل المراقبين يتساءلون: من يقف وراء علي غديري؟
لكن لماذا غضب قايد صالح إلى هذا الحد منه؟ فتّش عن مؤيديه المحتملين
رئيس الأركان يعلم أن الأطروحات التي يدافع عنها علي غديري تحظى بشعبية كبيرة بين الرأي العام وكذلك أيضاً بين ضباط الجيش الجزائري الشبان، حسبما تشير تقارير إعلامية.
ويتحدث البعض أن ما يغضب قايد صالح أيضاً أنه يعلم أن وراء الجنرال المتقاعد، يوجد كل قدماء دائرة الاستعلام والأمن السابقة وحلفائهم في الجزائر وخارجها.
وقال دبلوماسي غربي مستقر في الجزائر العاصمة: "لا شك أنه سيتم إطلاق صواريخ أخرى بين قايد صالح وخصومه خلال فترة ما قبل انتخابات أبريل/نيسان المقبل".
ورغم خلفيته العسكرية فإن الجنرال تعرض لمضايقات خلال حملته الانتخابية
عانى الجنرال من مضايقات خلال حملته الانتخابية، حسبما يقول هو وأعضاء حملته.
واستنكر علي غديري ما سماه "العقبات" و "الترهيب" خلال عملية جمع التوقيعات اللازمة للترشح.
كما قال: "سنُحدث معجزة في الانتخابات الجزائرية".
وفي بداية شهر فبراير/شباط 2019، قال الكاتب الصحفي أحميدة عياشي، مسؤول الإعلام في حملته، إن رجال أمن بزي رسمي منعوا المترشح من حضور جنازة الوزير المنتدب للدفاع سابقاً عبد المالك ڤنايزية.
وذكر عياشي لصحيفة "الخبر" الجزائرية أن ثلاث سيارات تابعة للأمن أغلقت الطرق القريبة من إقامة غديري بحي حيدرة بأعالي العاصمة قبل تشييع الجنازة.
وأضاف أن "رجل أمن خرج من إحداها ودخل إلى مقر المداومة "حيث أبلغنا أنه جاء ليعلمنا بأن السيد غديري لا يمكنه حضور الجنازة" التي جرت بمقبرة سيدي يحيى، والمسافة بين مقر حملة غديري الانتخابية والمقبرة بضعة كيلومترات".
ومن المواقف الغامضة لعلي غديري غيابه المفاجئ عن اجتماع لأحزاب المعارضة خصص للتوافق على مرشح توافقي ضد بوتفليقة ، بعدما اعتذر قبل يوم واحد دون تقديم مبرر.
علماً بأن الاجتماع لم يسفر عن التوصل لاسم هذا المرشح، ويبدو أن الفكرة لم تكلل بالنجاح.
والأمريكيون التقوا به سراً
مما يدل على أهمية الجنرال السابق هو الاهتمام الخارجي به، الذي يعيد طرح التساؤل المحير: من يقف وراء علي غديري؟
إذ إن غديري عقد لقاء سرياً مع أجهزة الأمن الأمريكية في فرنسا، داخل أسوار سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما ذكر (نيكولاس.ب) في صحيفة mondafrique الفرنسية.
وأفادت الصحيفة الفرنسية بأن اجتماعاً عُقد بين مقربين للجنرال توفيق (رجل الاستخبارات الجزائرية القوي في السابق) وأجهزة الأمن، بالسفارة الأمريكية في باريس، معتبرة أن هذا دليل على أن شبكات توفيق تحاول التأثير في عملية خلافة الرئيس بوتفليقة.
وقد ذكر نيوكلاس أن غديري ليس المرشح الوحيد في الانتخابات الجزائرية الذي التقى بالأمريكيين، البعض سراً وآخرون علانية.
حدة هذه التصريحات والاهتمام الكبير الدولي به، ورد الجيش الجزائري عليه، أثارت تساؤلات بشأن مَن يقف وراء الجنرال الغامض.
من يقف وراء علي غديري؟
الإجابة على سؤال: من يقف وراء علي غديري؟، ليست سهلة
تُطرح 3 سيناريوهات لتفسير ترشُّح الجنرال الجزائري المخضرم، حسب تقارير إعلامية فرنسية وجزائرية.
أولها منبثق من تصريحات الجنرال علي غديري، التي قال خلالها إنه مرشح حر يعبر عن إرادته الشخصية، ولا يجسد ترشحه ولاءً لأحد.
بل إن الشعب هو البطاقة الوحيدة التي يراهن عليها للفوز بالانتخابات، حسب قوله.
ويلاحَظ أن الخطوط العريضة لبرنامجه تضع في أولوياتها دعم عملية وتصحيح المسار الديمقراطي والتنموي في البلد.
وهذا سيتم وفقاً له من خلال محاربة الفساد السياسي، بالإضافة إلى إضفاء مزيد من الشفافية في معالجة القضايا الأساسية بالبلد، وتوسيع مجال الحريات السياسية والممارسة الديمقراطية.
هل هو مرشح رئيس المخابرات السابق؟
في حين يشير السيناريو الثاني إلى أن علي غديري هو مرشح جهاز المخابرات السابق، خاصة في ظل التساؤل الكبير عن مصدر الجرأة والقوة التي يتحدى بها النظام الحالي.
ويردد الجنرال السابق قول "يا أنا يا هو"، ويؤكد أنه لا يخاف من أحد، ولا يخشى ترشُّح الرئيس أو عملية تزوير الانتخابات، لأنه في آخر المطاف لم يدخل هذه الانتخابات للخسارة، بل جاء ليفوز باستحقاقات أبريل/نيسان 2019، حسب قوله.
وما يزيد من فرص سيناريو أنه مرشح جهاز المخابرات السابق، وقوف رجل الأعمال ربراب، المحسوب على الجنرال توفيق (رئيس المخابرات الجزائرية الأسبق ورجل الجزائر القوي) مع علي غديري، والتفاف بعض الشخصيات حوله.
وكذلك الرد العنيف من قِبل رئيس أركان الجيش، القايد صالح، على تصريحات علي غديري، وهو الأمر الذي يعزز مصداقية هذا السيناريو، القائل إن غديري هو ظِل ويد الجنرال توفيق، رئيس جهاز المخابرات السابق.
إذ يُعتقد أن هذا الأخير يسعى إلى استرجاع النفوذ والسلطة التي سُلبت منه بعد عملية إقالته سنة 2015.
المفاجأة.. أنه المرشح التوافقي الحقيقي للنظام
أما السيناريو الثالث والأخير، فهو الأغرب.
إذ يفترض أن علي غديري هو الرجل التوافقي للنظام، حسبما ورد في تقارير إعلامية فرنسية.
وأن ما يُصاغ من معارضة وتهويل إعلامي ضده من قِبل مؤسسة الجيش أو أطراف آخرين هو مجرد تمويهٍ، القصد منه تسليط الضوء على شخصية غديري وإبرازها إعلامياً في وقت قصير، خاصة أنه غير معروف لدى الشعب الجزائري، ومحاولة إظهاره في شكل المعارض السياسي الشرس والمنقذ للدولة الجزائرية.
حسب هذا السيناريو، فإن علي غديري هو مرشح النظام، من أجل زيادة نسبة مشاركة الهيئة الناخبة في استحقاقات أبريل/نيسان 2019، لتبدو صورة الانتخابات أكثر تنافسية وبعيدة عن الروتين الانتخابي المعهود.
ولكن هناك وجهة نظر أكثر جرأة داخل مؤيدي هذا السيناريو من المراقبين الفرنسيين، تزعم أن النظام قد يفاجئنا بفوز غديري على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وليكون الجنرال السابق بمثابة الرجل الذي يمكن أن يُحدث القطيعة مع النظام السابق، ويضمن التوافق بين التيارات السياسية الموجودة، حسب ما صرح به في بعض خطاباته، أو بمعنى آخر، يكون الرجلَ المعبر عن القوى النافذة داخل النظام.