انقسام بين السوريين بألمانيا بشأن ضابطي استخبارات منشقين عن النظام السوري اعتقلا من قبل السلطات الألمانية، فالبعض يراهما ملاكين خفيين، في حين لا ينسون لهما دورهما في عمليات التعذيب.
فبعد قرابة أسبوع من اعتقالهما بتهمة الإشراف على التعذيب في ظل نظام الأسد، رفع بعض السوريين في ألمانيا الصوت عالياً، مدافعين عن الضابطين باعتبارهما منشقين وأحدهما ساعد معارضين خلال وجوده في النظام.
في حين قال آخرون إن التعذيب جريمة لا تسقط بالانشقاق.
أنصح النشطاء بتوخي الحذر في تناول قضية اعتقال و محاكمة العقيد #أنور_رسلان . فشهادات ثوار #سوريا عنه قبل وبعد انشقاقه يغلب عليها الايجاب . وقد تكون محاكمته بداية لملاحقة الضباط الذين انشقو عن النظام ودعمو الثورة كخطوه لخلط الأوراق وفرملة عملية ملاحقة مجرمي الحرب من ضباط النظام .
— د.خالد خوجة (@Khaledkhoja) February 17, 2019
انقسام بين السوريين بألمانيا بشأن ضابطي استخبارات منشقين
ساد نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية حول مدى تورط عنصري استخبارات النظام السوري سابقاً، اللذين طلب الادعاء العام الاتحادي في ألمانيا القبض عليهما في برلين وولاية راينلاند بفالز، موجهاً لهما تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
والمعتقلان هما أنور رسلان (٥٦ عاماً)، مسؤول التحقيق في الفرع ٢٥١ (فرع الأمن الداخلي في منطقة الخطيب).
والمساعد أول إياد العمر الذي قيل إنه كان يترأس وحدة مهمتها تحديد هوية المنشقين والمحتجين على حاجز تفتيش، المتهم من قبل الادعاء بالمساهمة بقتل شخصين وتمكين تعذيب ألفي شخص على الأقل.
السلطات الألمانية تحقق مع 24 من مسؤولي وضباط النظام
وكانت السلطات الفرنسية قد قبضت بالتنسيق مع الجانب الألماني وفي نفس اليوم على عنصر استخبارات آخر لدى النظام يدعى عبدالحميد أ. (٣٠ عاماً) قرب باريس، ودفعت باتهامات أولية ضده بالاشتراك في جرائم ضد الإنسانية.
إذ يشتبه بتورطه في قمع النظام للمدنيين بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٣، بحسب إذاعة فرنسا الدولية (إر إف إيه).
وتشير معلومات مجلة دير شبيغل (spiegel) الألمانية إلى أن الادعاء العام الاتحادي يحقق ضد قرابة ٢٤ من أعضاء النظام السابقين، كما يلاحق جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية لدى النظام السوري، بمذكرة اعتقال دولية.
وذكرت شبيغل أن محققي الادعاء العام الاتحادي جمعوا مئات الصفحات من تفاصيل الاتهامات الموجهة إلى كل من أنور وإياد، اللذين قالت إنهما قد يمثلان في قفص الإتهام، ما قد يؤدي إلى الكشف عن تفاصيل مؤلمة.
إياد كان يقبض على مائة شخص يومياً
وما ورد في تقارير الادعاء الاتحادي يشير إلى أن إياد باشر العمل في المخابرات في العام ٢٠١٠، وبدأ عمله في الفرع ٢٥١، المتخصص كما يُفترض في "القضايا المحلية"، وملاحق الإسلاميين، وداعمي المعارضة، ومنع الهجمات الإرهابية.
وبينت أنه زُعم أنه عُين في عام ٢٠١١ في فرع مسؤول عن القبض على الأشخاص لصالح الفرع، وكان يعمل تحت إمرته قرابة ٣٠ رجلاً، يقبضون على قرابة ١٠٠ شخص كل يوم في مدينة دوما التي كانت معقلاً للمعارضة، ثم أصبح بعد شهر قيادياً لفرقة مخصصة لاقتحام شقق ومنازل داعمي المعارضة.
وبعض الذين سلمهم قُتلوا أمامه
وورد في تفاصيل الاتهام أن إياد ورجاله لاحقوا مرة المتظاهرين في شوارع دوما، وجلبوا كل من قبضوا عليهم لسجون الفرع ٢٥١، بما في ذلك البناء الموجود في شارع بغداد حيث كان أنور يقود التحقيق.
وتنقل المجلة المزيد من التفاصيل الواردة فيما جمعه المحققون من اتهامات، كشأن قيام أحد الحراس إحدى المرات، عندما أنزل إياد السجناء هناك في الفرع، بضرب رأس أحدهم بشدة إلى حد جعله ينهار ويموت في النهاية.
وزُعم أن أياد رأى الجثث وهي تُزال وسمع صراخ السجناء.
وأنور كان يحشد 400 ليتم اختيار من سيتم تعذيبه منهم
أما أنور فقيل إنه كان لديه ما بين ٣٠ و٤٠ شخصاً تحت إمرته في المبنى. ويقدر المحققون الألمان أن زنازين السجن كانت مهيأة لاستقبال ما يقارب الـ ١٠٠ شخص، لكنها كانت تضم في الواقع أكثر من ٤٠٠.
ومما وجده المحققون الألمان، أن قادة الفرع ٢٥١ كانوا يقررون في الفترة الأولى من الانتفاضة مَن من المعتقلين سيتم تعذيبه ومن لن يعذب، لكن لاحقاً كان جميع المعتقلين يتعرضون للتعذيب عملياً.
ضابط مخابراتي يكشف عن سر في سيرة "العقيد أنور عباس رسلان" قد "ينسف" أساس الادعاء ضده: كشف ضابط سوري منشق لـ"زمان الوصل" عن معلومة غاية في الحساسية في قضية "العقيد أنور عباس رسلان"، المعتقل حاليا لدى السلطات الألمانية بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية،… https://t.co/yyziYiBfF2 pic.twitter.com/Kwg1Qn1q8n
— syrnex (@syrnex) February 15, 2019
لم يعذب بنفسه ولكن يُعتقد أنه أمر به أحياناً
ويفترض المحققون أنه على الرغم من أن أنور لم يكن ينفذ التعذيب بنفسه، لكنه كان على علم به، وبحالات الموت، وأنه أمر أيضاً ببعض العقوبات.
وتحدث معتقلون سابقون عن تواجده خلال تعرضهم للتعذيب خلال الاستجواب.
تقول المجلة إن أنور، الذي لم يخف سابقاً في لقاء لها معه بعد هربه من سوريا للأردن في العام ٢٠١٣ عمله الاستخباراتي، أقر للمحققين الألمان بأن الاستجوابات كانت جزءاً من عمله، وإنه نفذ المئات منها، وإنه لم يكن من الممكن دائماً أن يكون المرء رقيقاً، مجادلاً بأنه الأشخاص الذين بدوا خطرين لموظفيه، واجهوا "استجوابات أشد صرامة" من الآخرين.
لماذا انشقا؟
تشير "شبيغل" إلى أنه يبدو أن الاثنين ليس لديهما شعور بارتكابهما تجاوزات لكونهما كانا جزءاً من نظام مسؤول عن التعذيب والقتل، ولأنهما يؤكدان على تغييرهما ولاءهما، وانشقاقهما عن النظام.
وأخبر أنور المحققين في مكتب مكافحة الجريمة الاتحادي والادعاء العام الاتحادي أنه هرب من الخدمة لدى النظام لأن أعضاء من المعارضة قبضوا على صهره وهددوا ابنته وابنه.
Gepostet von Makram Gh Alnasser am Sonntag, 17. Februar 2019
أما إياد فقال إنه انشق بعد أن قيل له إنه يتوجب عليه القتال ضد المدنيين وقتلهم.
مدافعون عن المتهمين يقدمون شهادات إيجابية بحقهم.
لقد أخرجني من المعتقل.. الضابط السابق إياد يتلقى إشادات على مواقع التواصل
وما إن انتشر خبر اعتقالهما، حتى انطلقت دعوات على مواقع التواصل خاصة من قبل بعض السوريين في ألمانيا بالتريث في توجيه الاتهامات لهما؟
قرأت كغيري خبر احتجاز سوريين كانا يعملان لدى جهاز مخابرات النظام من قبل السلطات الألمانية وهو أمر طبيعي بحسب معرفتي…
Gepostet von Zoya Bostan am Samstag, 16. Februar 2019
بل إن البعض أشادوا بمواقف إيجابية للمتهم إياد على نحو خاص.
فقالت زويا بستان إنها تعرف إياد وعائلته منذ مايو/أيار العام ٢٠١١، بعد أن ساعدها في الخروج من فرع الخطيب بأسرع ما يستطيع وبأقل الأضرار.
ولقد عانى بعد انشقاقه خلال محاولته الخروج من سوريا
وأضافت أنها عرفتهم "كعائلة من الثوار الأوائل في موحسن (مدينة بمحافظة دير الزور)، ومن المنشقين الأوائل من مؤسسات الدولة التي كانوا يعملون بها.
وقالت "لقد عرفتهم حين خروجهم من دمشق والدير بعد أن ضاقت بهم الدنيا وكيف عانى إياد وعائلته حتى وصلوا إلى اليونان تهريباً من تركيا وكيف احتجزوا فيها لأكثر من سنة وثمانية أشهر بسبب الحظ العاثر وكيف وصلوا إلى ألمانيا بشق الأنفس من أجل حياة كريمة لأطفالهم بعيداً عن النظام وآلة قتله".
حتى أنه منحاز للثورة السورية
من جانبه أبدى طبيب الأسنان والكاتب عساف العساف، المقيم في ألمانيا، "صدمته الكبيرة" جراء توقيف إياد، قائلاً إنه يعرفه بشكل وثيق شخصياً.
وأكد أن إياد كان ينوي الانشقاق منذ أواخر عام ٢٠١١، مشيراً إلى انحيازه الواضح للثورة السورية منذ البداية، وإخبارهم مراراً عن كثير من الأحداث والتفاصيل التي كانت تجري في الفرع الأمني الذي كان يعمل فيه والتي كان شاهداً عليها دون المشاركة بها، على حد زعمه.
أتابع منذ ايام وبصدمة كبيرة قضية توقيف السلطات الالمانية للضابط المنشق أنور رسلان ولصف الضابط المنشق اياد الغريب ومرد…
Gepostet von Assaf Alassaf am Sonntag, 17. Februar 2019
وبعد أن سرد قصة معاناة إياد وعائلته في تركيا ولجوئه الذي استغرق فترة طويلة لألمانيا، قال إنه ليس في وارد الدفاع عن إياد، وإنه سينتظر لتقول المحاكم الألمانية كلمتها بعد أن تطلع على الأدلة والوثائق والشهود.
وقال إنه يكتب انتصاراً للعدالة الحقة التي تحاسب المجرمين الفعليين وترد الحقوق إلى أهلها ولا تسعى إلى تحقيق انتصارات وهمية صغيرة أو تكتفي بتقديم قرابين سريعة لإرضاء الذات بدلاً من السير قدماً في طريق العدالة الذي يراه طويلاً وشاقاً، على حد تعبيره.
كنا ننام كالسيف لأنه لم يكن هناك مكان
في المقابل، روى بعض المعتقلين السابقين في الفرع 251 الذي عمل به الضابطان المنشقان عن قصص التعذيب المذهلة التي تعرضوا لها.
وقالوا إن الانشقاق عن النظام لا يجب ما قبله من جرائم.
إذ وصف حسين غرير لشبيغل الوضع هناك قائلاً إن: "مجرد الوجود هناك تعذيب، كل شيء هناك تعذيب".
وتحدث عن نومهم في نوبات على شكل سيف في الزنازين لعدم قدرتهم جميعاً على النوم في الوقت نفسه، وأن الزنزانات لم تكن تحتوي على مراحيض أو مياه.
لقد شاهدت لحماً وعظاماً تنزع من الأجساد
وقال إنه كان يُضرب ٣ مرات في اليوم، بعصي على قدميه وجذعه، وبنطاق عسكري ذي إبزيم كبير.
وأضاف أنه لم يكن يُعذب بذاك القدر من السوء الذي كان يتعرض له الآخرون، الذين كان اللحم ينزع من أجسادهم.
وقال: "لقد شاهدت لحماً وعظاماً تنزع من الأجساد".
في جدل وأحياناً في تعاطف من قبل البعض مع أنور ر. ضابط أمن الدولة اللي تم اعتقالو امبارح في ألمانيا، على أساس إنو انشق…
Gepostet von Hussein Ghrer am Donnerstag, 14. Februar 2019
وأكد غرير في منشور له على موقع فيسبوك أنه من المدعين على رسلان، الذي يقال إنه انشق في شهر ديسمبر ٢٠١٢، وانضم لمفاوضات جنيف مع وفد المعارضة في ٢٠١٤.
وأبدى استغرابه مما وصفه بـ"الميل الغريب وغير المبرر والمؤذي جداً، وهو العفو عن جرائم من يدعي أنه انشق أو أنه قاتل ضد النظام يوماً".
وقال إن "الجرائم وخاصة جرائم القتل وبالأخص الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم."
المعتقل الذي تم تعليقه من معصميه هو الذي كشفهما
و الرجل الذي كشف الضابطين هو مواطن ألماني من أصل سوري، تم اعتقاله بشكل خطأ خلال وجوده في سوريا، وتعامل مع الضابطين في المعتقل.
ونقلت محطة "SWR" التلفزيونية شهادته.
إذ قال إنه اعتقل نهاية عام ٢٠١١، وتعرض للتعذيب في سجن قرب دمشق، وشاهد كلا المتهمين المذكورين هناك، وقدم بلاغاً ضد إياد، الذي اعتقل في مكتب الأجانب في مدينة تزفايبروكن بولاية راينلاند بفالز الأسبوع الماضي.
وبدا على الشخص، الذي فضل إخفاء هويته، الاضطراب، قبل أن يبدأ بالبكاء وهو يرجف، عندما شاهد صورة أنور على الكومبيوتر المحمول.
وليس من المعلوم كيف تعرف على صورته.
وروى للتلفزيون أنه تعرض لأنواع مختلفة من التعذيب، منها تعليقه من معصميه بنافذة، وكان يتدلى بارتفاع نصف متر عن الأرض، إلى جانب ضربه بالعصي حتى الإغماء، وصعقه كهربائياً في المنطقة التناسلية.
وأضاف أنه تضرع طوال ٣ أيام لأحد معذبيه كي يعطيه الماء، فجلب له سطلاً يتم وضع فضلات المعتقلين فيه، وصب فيه المياه، وقدمه له فشربه.
وهذا ما فعله أنور وإياد به في السجن
وبين الشاب أن إياد كان موجوداً خلال الاستجواب، مستدركاً بأنه لم يره لأنه كان معصوب العينين لكنه سمع اسمه.
وأشار إلى أن أنور أراد إلقاءه إلى غرفة تعذيب يتواجد بها ما بين ١٠ إلى ١٢ جثة، وقيل له إنها قبره، فيما قال له إياد إنهم لا يريدون مشاكل كبيرة.
ولفت إلى أن أنور طلب منه الظهور في التلفزيون الرسمي والزعم بأنه كألماني كان يريد المساهمة بزعزعة استقرار نظام الأسد، لكنه رفض.
وقال إنه بعد أن أمضى ٦ أيام في زنزانة تعذيب، تم إلقاؤه أخيراً في خندق على الطريق وعاد إلى ألمانيا.
وينفي الشاهد انخراطه في أي نشاط سياسي خلال زيارته الخاصة لسوريا حينذاك، مخمناً أن يكون سبب اعتقاله وشاية من أحد أفراد عائلته.
ويقول إنه يخضع لعلاج نفسي حتى اليوم بسبب ما عايشه هناك.
وورد في مستنداته الطبية أنه يعاني من "اضطراب ما بعد الصدمة"، وأنه فقد بعد عودته لألمانيا ٣٩ كيلوغراماً من وزنه خلال شهرين.
وقدم بلاغاً ضد معذبيه، بحسب ما أكدت رئاسة الشرطة في جنوب هيسن، لينهي ما عايشه، ولتأخذ العدالة مجراها.
يذكر أن ألمانيا حاكمت متورطين في جرائم قتل في العهد النازي حتى بعد مرور عقود من وقوعها، كشأن محاكمة حارس سابق في معسكر اعتقال نازي في بولندا، في نهاية العام الماضي، رغم أنه كان يبلغ الرابعة والتسعين من العمر.