رئيسة تحرير جزائرية تستقيل بسبب تغطية المظاهرات.. الحكومة قطعت الإنترنت، لكن موقف القنوات الخاصة أسوأ

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/24 الساعة 16:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/24 الساعة 16:37 بتوقيت غرينتش
مظاهرات سلمية في الجزائر احتجاجاً على ترشح بوتفليقة لولاية خامسة

"المظاهرات ليست ضد بوتفليقة"، كانت هذه الرسالة التي حملتها تغطية الإعلام الجزائري للمظاهرات التي وقعت الجمعة 22 فبراير/شباط 2019، ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، الأمر الذي دفع رئيسة تحرير بقناة حكومية للاستقالة، وسط غموض حول مصيرها.

إذ لم يجد الجزائريون في ذلك اليوم مصدراً يحصلون منه على معلومة عن المسيرات التي خرجت في كافة ولايات البلاد، ضد ترشيح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.

ويبلغ عمر بوتفليقة 81 عاماً، وتعرض في عام 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة، لكنه واصل الحكم، حيث يظهر نادراً في التلفزيون الرسمي خلال استقبال ضيوف أجانب، أو ترؤُّس اجتماعات لكبار المسؤولين، إلى جانب رسائل لمواطنيه في المناسبات الوطنية والدينية.

وصل بوتفليقة للحكم في عام 1999 ولعب دوراً كبيراً في تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية التي أنهت حرباً أهلية نشبت بعد إنقلاب الجيش إثر فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية في مطلع التسعينيات.

وفي حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنها ستكون ولايته الخامسة.

تغطية الإعلام الجزائري لمظاهرات الجمعة 22 فبراير/شباط 2019 تعزل الشعب

فقد لجأت الحكومة إلى قطع شبكة الإنترنت، وبالتالي تعذرت متابعة الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكن عملية التعتيم وعزل الشعب الجزائري عما يحدث في بلاده اكتملت حلقاتها عن طريق تجاهل القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة للحدث.

مواجهات محدودة مع قوات مكافحة الشغب خلال مظاهرات رافضة لترشح بوتفليقة في الجزائر /رويترز
مواجهات محدودة مع قوات مكافحة الشغب خلال مظاهرات رافضة لترشح بوتفليقة في الجزائر /رويترز

وتركت تغطية الإعلام الجزائري لمظاهرات الجمعة 22 فبراير/شباط 2019، بما فيها الصحافة، تداعيات سلبية على الإعلام الجزائري، بعد اتهامه بـ "التعتيم والتجاهل والانحياز لصالح السلطة الحاكمة".

القنوات لم توفد مراسلين، والأغرب ما قالته عن هدف المظاهرات

ولم توفد القنوات الإعلامية الخاصة، التي تأسست منذ 2012، بعد فتح القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص، مراسلين ميدانيين لتغطية المسيرات.

واكتفت هذه القنوات في نهاية اليوم، بالإشارة إلى "هناك احتجاجات محدودة تطالب بالتغيير والإصلاح دون أن تأتي على ذكر مطلب "رفض الولاية الخامسة" لبوتفليقة صراحة.

اللافت أن الاستثناء في التغطية كان من قبل بعض المواقع الإلكترونية والجرائد الفرانكفونية على غرار "الوطن" و"ليبرتي".

والمفاجأة في التغطية جاءت من وكالة الأنباء الحكومية

وصنعت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية المفاجأة، حينما تطرقت في برقية إلى مجريات المسيرات الشعبية التي طالبت "بوتفليقة بالعدول عن الترشح لعهدة خامسة"، ما وضع الصحافة الخاصة في موقف حرج جداً، أمام  الرأي العام.

وبثت وكالة الأنباء الرسمية خبراً صغيراً من قرابة 400 كلمة، تناولت فيه مجريات مسيرة العاصمة.

وقالت إن "مسيرات خرجت لمطالب ذات بعد سياسي"، لتضيف أن "المحتجين طالبوا بوتفليقة بالعدول عن الترشح لعهدة خامسة".

محاكمة للصحافة الجزائرية.. لماذا كانت الوكالة هي الاستثناء؟

وعقب إعادة تدفق الإنترنت، تحول الفيسبوك الذي يشترك فيه حوالي 17 مليون جزائري، إلى محاكمة مفتوحة للصحافة الجزائرية، لعدم تغطية الإعلام الجزائري لمظاهرات الجمعة 22 فبراير/شباط 2019 ضد ترشح بوتفليقة.

إذ انتقد النشطاء الإعلام الجزائري لتواضع تغطية الإعلام الجزائري لمظاهرات الجمعة 22 فبراير/شباط 2019.

نحن لم ندرس الصحافة للتعتيم على الناس، أو للتعتيم على وطن برمته…ما حدث اليوم، ليس مجرد جريمة ضد المهنية وإنما جريمة ضد الحقيقة!!!

Gepostet von Kada Benamar am Freitag, 22. Februar 2019

ولكن ما أثار غضبهم أكثر محاولة بعض القنوات تحريف مطالب المحتجين بالقول إنها "مسيرات من أجل التغيير والإصلاح"، والحقيقة أنها كانت ضد "العهدة الخامسة".

وعلق صحفي يعمل بمجمع الشروق الإعلامي، الذي يعد الأكبر في الجزائر، قائلاً "المؤكد أن الوكالة الرسمية تلقت الضوء الأخضر للنشر"، مضيفاً لـ "عربي بوست": "أنا الآن أخجل من نفسي".

وكتب مقدم البرامج بذات المجمع على صفحته الرسمية بفيسبوك "نحن لم ندرس الصحافة للتعتيم على الناس، أو للتعتيم على وطن برمته… ما حدث اليوم، ليس مجرد جريمة ضد المهنية وإنما جريمة ضد الحقيقة".

إقالة أم استقالة.. الإعلاميون يحاكمون أنفسهم

وأمام الانتقادات الواسعة لتغطية الإعلام الجزائري لمظاهرات الجمعة 22 فبراير/شباط 2019، خرجت ردود أفعال من قبل العديد من الإعلاميين.

إذ أعلنت رئيسة تحرير القناة الإذاعية الثالثة، العمومية، الناطقة بالفرنسية، مريم عبدو، استقالتها من منصب المسؤولية، بسبب عجزها عن القيام "بالتغطية اللازمة" للمسيرات.

Mon collègue Kamel Mansari a posté aujourd'hui ceci : " Quand on se dit journaliste, responsable d'une rédaction, le…

Gepostet von Meriem Abdou am Samstag, 23. Februar 2019

وكتبت في منشور لها على فيسبوك "أنا مريم عبدو أعلن استقالتي من منصب رئيس تحرير القناة الإذاعية لأتفرغ كلية لحصتي التي أعدها أسبوعياً".

وأضاف قائلة: "لا أستطيع القيام بسلوكيات ترهن القواعد الأساسية لمهنتنا النبيلة".

وقالت عبدو: "عندما  لا نستطيع نقل المعلومة في وقتها، كما هي، بدقة وموضوعية،  على الأقل لا نقوم بالتعتيم عليها".

وأفادت بعض الأنباء بأن السلطات المعنية سارعت بإقالة رئيسة تحرير القناة الإذاعية الثالثة، بعد إعلانها عزمها على الاستقالة عبر حسابها على فيسبوك، ولكن لم يتسن لـ "عربي بوست" التأكد من ذلك.

وتذكر هذه الاستقالة بموقف مشابه اتخذته مذيعة في قناة، عندما قدمت استقالتها من قناة "نايل تي في" الحكومية المصرية، الناطقة بالإنجليزية، أثناء ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

Déçue par le service public que devait assurer hier 22 février la radio nationale.Je suis journaliste au sein de cette…

Gepostet von Nahla Bekralas am Samstag, 23. Februar 2019

كما عبرت الصحفية بذات المؤسسة الإعلامية، نهلة بك خلاص، عن خيبة أملها في تعامل القناة الإذاعية مع مسيرات الجمعة، وكتبت على صفحتها الرسمية "أنا محبطة من الخدمة العمومية التي كان يتوجب على الإذاعة الوطنية تقديمها يوم 22 فبراير/شباط".

وأضاف الصحفية "الإذاعة الوطنية خانت مهمتها أمس، وهي واجب الإعلام، كصحفيين لا تهمنا المواقف بقدر ما يتوجب علينا نقل المعلومة بدقة وشفافية ونزاهة".

هل ضيعت الصحافة الجزائرية مكاسب 1988؟

وعاد بعض الصحفيين المخضرمين بالزمن إلى الوراء.

إذ قارنوا بين تصرف الصحفيين في مظاهرات 5 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1988، في عهد الحزب الواحد (جبهة التحرير)، ومطالبتهم آنذاك للسلطة بالتعددية الإعلامية، وكيف تصرفت القنوات في حراك 22 فبراير/شباط الجاري، بإدارة ظهرها للشعب.

وقال الكاتب الصحفي عبدالعزيز بوباكير: "في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1988، بادر الصحفيون بإعلان موقف شجاع وصريح. وقالوا: "إن الأمور من الآن فصاعداً لا يمكن أن تسير كما في السابق".

وأضاف: "واليوم، وبعد المسيرات المناهضة للعهدة الخامسة وموقف إعلام العار منها، على الصحفيين أن يقفوا وقفة تأمل في متاعب مهنتهم وأخلاقياتها وهيمنة أخطبوط المال والسياسة عليها"، حسب تعبيره.

في 10 أكتوبر 1988 بادر الصحافيون باعلان موقف شجاع وصريح وقالوا:"إن الأمور من الآن فصاعدا لا يمكن أن تسير كما في السابق"….

Gepostet von Boubakir Abdelaziz am Samstag, 23. Februar 2019

وكتب الصحفي عبدالقادر حريشان أن "مسيرة 22 فبراير/شباط 2019 أقبرت شعار "الصحافة الحرة" التي ماتت في 1992 في بلادي (بعد إلغاء الجيش نتائج الانتخابات العامة التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ).

وأضاف: "كنا نظن أنها في سبات عميق، وأنها ستفيق ذات يوم لتعود لوظيفتها الشريفة. انتظرنا طويلاً لعلها ترفع صوتها لنقل الحقائق كما كانت تفعل في السابق، وقت أن تخلت الطبقة السياسية عن دورها".

الأسوأ هو مافعلته القنوات الخاصة.. إنه تضليل هتلري

"أعيب على القنوات التلفزيونية الخاصة انحيازها الفاضح لجهة النظام"، هكذا يقول رشاد، شاب جزائري لـ "عربي بوست".

وأضاف: "لقد غطت تجمع إعلان ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة عبر البث المباشر المكلف مادياً، وأعدت برامج خاصة لمعالجة أخبار وفاة فنانين يغنون في الملاهي، بينما رفضت بث صوت الشعب".

مظاهرات سلمية في الجزائر احتجاجاً على ترشح بوتفليقة لولاية خامسة / رويترز
مظاهرات سلمية في الجزائر احتجاجاً على ترشح بوتفليقة لولاية خامسة / رويترز

وفي تحليله لتعامل الصحافة الجزائرية مع مسيرات الجمعة،  قال الصحفي الجزائري البارز عثمان لحياني: "في اعتقادي تغطيات الجمعة كانت خطأً فادحاً وسقطة مهنية غير مبررة للقنوات والصحف الجزائرية بدرجة متفاوتة".

وأضاف لـ "عربي بوست": إن "هناك ثلاثة مستويات في تغطية الجمعة، مستوى سقوط  مهني أول يتعلق بعدم التغطية، وهنا الأمر يعود للسياسة الإعلامية  لكل قناة أو مؤسسة إعلامية، وهذا إخلال بالحق الدستوري للمواطن وبالخدمة العمومية".

وأضاف: "السقوط المهني الثاني هو التأخر في التغطية، وهذا يعود إلى السلطة التقديرية والتحريرية لكل قناة ومؤسسة".

وأردف قائلاً: "لكن هناك ما هو أخطر من المستويين الماضيين،  وهو السقوط الأخلاقي الذي لا يمكن أن يكون له مبرر مقبول، حيث اعتمد التضليل وتحريف مطلب مركزي للمظاهرات، يتعلق برفض العهدة الخامسة إلى مطلب بالإصلاحات والتغيير.

وأعتبر أن هذا التضليل الهتلري سقطة لا تغتفر لنا كصحفيين، وتبقى وصمة عار في جبيننا"، حسب تعبيره.

تحميل المزيد