معارك السعوديين يخوضها غيرهم.. آلاف اليمنيين اليائسين تجندهم الرياض لقتال الحوثيين على حدودها

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/13 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش
جندي سعودي يطلق قذيفة هاون باتجاه موقع للحوثي على الحدود السعودية مع اليمن (رويترز)

فكرة القتال مع واحد من الفصائل المختلفة المتحاربة في الحرب الأهلية اليمنية لم تخطر قط ببال المواطن اليمني عادل. كان الأمر كذلك حتى خسر وظيفته في إدارة المياه العامة بمحافظة تعز.

فجأة وجد عادل، الأب لبنتين، نفسَه يكافح من أجل إطعام أسرته، وبدءاً من عام 2015، وجد أنَّ إعالة زوجته وطفلتيه صارت تشكل صعوبة يومية.

والعام الماضي، لمَّا شعر عادل، البالغ من العمر 37 عاماً، بأنه في أدنى حالاته النفسية بسبب البطالة والارتفاع الصاروخي للأسعار، قرَّر أن يصبح "مرتزقاً"، وأن يقاتل لصالح القوات السعودية ضد الحوثيين على طول حدود البلدين.

يقول عادل لموقع Middle East Eye: "شارك عشرات من جيراني، من مختلف الأعمار، في المعارك من قبلي، وعادوا بالكثير من المال، لذا فقد بدأت في التفكير في القتال. أخبرني جيراني أنهم لا يواجهون أي خطر في المعارك، وأنَّ الضربات الجوية عادة ما تستهدف الحوثيين، بينما يطلقون هم النار على الحوثيين من المناطق الآمنة".

معارك السعوديين يخوضها غيرهم

ولمَّا اقتنع عادل بأنَّ الانضمام إلى صفوف السعوديين سوف يكون آمناً، فقد قرَّر أن يتجنَّد. كان التسجيل سهلاً، فثمة العديد من الوسطاء في تعز يصلون المقاتلين المحتملين بالسعوديين ويرسلون المجندين الجدد إلى مدينة ظهران جنوبي السعودية.

وقال عادل: "وأخيراً قرَّرت الانضمام للمعارك لكي أستطيع تقليل معاناة أسرتي وتوفير كافة احتياجاتهم. وعندما أخبرت زوجتي بقراري رحَّبت به وشجَّعتني على الانضمام إلى المعارك؛ إذ كانت قد سمعت هي الأخرى قصصاً عن أولئك المقاتلين مع السعودية، الذين يعودون بالكثير من المال".

الجبال المؤدية إلى الحدود اليمنية تُرى خارج منطقة وسط المدينة في مدينة نجران (رويترز)
الجبال المؤدية إلى الحدود اليمنية تُرى خارج منطقة وسط المدينة في مدينة نجران (رويترز)

وكما كشف موقع Middle East Eye عام 2017، فإنَّ آلاف اليمنيين فاقدي الأمل تُجنِّدهم السعودية للدفاع عن حدودها ضدَّ المتمردين الحوثيين.

يسمح "المرتزقة" اليمنيون للجنود السعوديين بالبقاء بعيداً عن القتال، وتنسيق الضربات الجوية على أهداف حوثية من بعيد.

وفي شهر أبريل/نيسان أصبح عادل واحداً من أولئك "المرتزقة"، فتدرَّب لمدة ثلاثة أسابيع في ظهران، قبل إرساله إلى منطقة نجران جنوبي السعودية.

وقال عادل، متذكراً: "شاركت في الكثير من المعارك ضد الحوثيين على الحدود في نجران، وقتل بعض زملائي الجنود وجرحوا بجانبي، لكنني لم أفرَّ من المعارك، إذ كنت أتلقى 500 ريال سعودي (130 دولاراً) مقابل كل هجوم، بالإضافة إلى 3500 ريال سعودي (933 دولاراً) في الشهر".

في حين يبلغ متوسط أجر الجندي في الجيش اليمني النظامي حوالي 100 دولار شهرياً!

الواقع غير الكلام.. "أدركت حقاً ما هي المجاعة"

ووجد عادل نفسَه، مراراً وتكراراً، يقاتل في معارك ضارية أبعد ما تكون عن الأمان الذي أكده له جيرانه. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، علِق عادل في أسوأ المعارك حتى ذلك الحين.

إذ قال عادل: "شارك حوالي 20 جندياً، من بينهم أنا، في هجوم على الحوثيين، لكنَّ الحوثيين حاصرونا ليومين اثنين، ولم تستهدفهم الضربات الجوية لفكِّ الحصار عنا".

قرَّر عادل وأصحابه المحاصرون من جميع الجهات بلا طعام ولا ماء، أنَّ مِن الأفضل لهم أن يفروا بدلاً من أن يهلكوا جوعاً.

وقال عادل: "قبل أن أذهب إلى نجران كانت أسرتي تعاني من قلة الطعام، لكن في نجران كنت على وشك الموت جوعاً تحت الحصار، وأدركت حقاً ما هي المجاعة". وبينما حاولت المجموعة الهروب، أطلق الحوثيون النار عليهم، فقتلوا بعضهم وجرحوا آخرين.

وقال عادل: "بينما كنت أفرّ من الحصار، استهدفنا الحوثيون بالقصف، واخترقت شظايا معدتي. فقدت الوعي ولم أكن على علم بما حدث".

بداية المعاناة الحقيقية.. يذهب المال، وتبقى المعاناة

بالنسبة لعادل، كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه معاناته الحقيقية. وقال عادل: "عندما استعدت وعيي وجدت نفسي في عيادة معسكرنا، وكان بعض الأصدقاء يساعدونني بالإسعافات الأولية، وكانوا بالفعل قد خاطوا معدتي. أخبروني أنَّ بعض الزملاء قتلوا، لذا فقد كنت سعيداً بأنني ما زلت حياً".

ومع ذلك، فلم تستمر هذه السعادة طويلاً، عندما أدرك بأنَّ المساعدة المناسبة من البلاد التي كان يقاتل من أجلها لن تأتي قريباً.

وقال عادل: "ظننت أنَّ السعوديين سوف يأخذونني إلى مستشفى سعودي، لكنَّ قائدنا اليمني جاء وأعطاني 500 ريال سعودي (130 دولاراً) وأمر أصحابي أن يرسلوني إلى اليمن".

وكذا فلم يكن لدى عادل أي خيار سوى العودة إلى الوطن، بمساعدة بعض من زملائه المقاتلين الذين قرروا إعادة الرجل المصاب بجرح بالغ إلى تعز.

وقال عادل: "سافرنا من نجران إلى مأرب، ثم إلى تعز، بينما كنت مستلقياً على فراش طوال الوقت". استغرقت الرحلة ثلاثة أيام، وطوال رحلة العودة كان عادل يشعر بالقلق من رد فعل أسرته على حالته الصحية المعتلة.

وقال عادل: "كان جيراني قد أخبروا أسرتي بالفعل أنني قتلت، ثم أخبروهم أنني أصبت بجروح خطيرة، لذا، فعندما عدت قبلت أسرتي حالتي".

وبحلول أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول كان عادل في منزله. ولمَّا أصبح عاجزاً فإنه لم يستطع العمل، ومن أجل أن يكسب قوتَه فإنه يعتمد على سخاء كرام الناس ومنظمات الإغاثة.

وقال عادل: "لم يساعدني السعوديون على التعافي من إصابتي على الإطلاق، وأنا لست جندياً، لذا فلا تساعدني الحكومة السعودية ولا الحكومة اليمنية، يذهب المال، وتبقى المعاناة".

مقاتلون لا يعودون.. وعائلات متروكة بلا عائل

لما أصبح عادل غير قادر على العمل، تدافعت أسرته لتغطية النفقات، لكنه على الأقل لا يزال حياً معهم.

أما آخرون، مثل أسرة أسعد، فلم يكونوا محظوظين بالقدر ذاته. فعندما مات والد أسعد منذ ثلاثة أعوام، وجد الطالب الجامعي نفسه فجأة معيلَ عائلته. لكنه عانى لتوفير أبسط السلع الأساسية لأفراد أسرته الخمسة. وكما كان الحال مع عادل فإنَّ الصعوبات التي واجهها لإعالة أسرته قادته إلى وسطاء تعز.

وقالت حنان، والدة أسعد، للموقع البريطاني: "انضم أسعد لمعارك السعودية لتزويدنا بالمال، لكننا لم نتلق أي أموال، وفقدت ابني".

وأضافت حنان: "سافر أسعد في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، وأخبرني زملاؤه المقاتلون أنه قتل في الشهر ذاته. لم أكن أريده أن ينضم إلى المعارك، لكنه فرَّ من البيت وسجَّل اسمه. كنت أتمنى أن أرى جثمانه، لكن لا أحد يعرف أين هو".

وقالت حنان إنَّ الأسرة تعاني الآن في غياب الدخل المتقطع الذي كان يجلبه أسعد. تضيف: "لا يساعدنا السعوديون ولا الحكومة اليمنية بالمال"، وأضافت أنَّ ابنها البالغ من العمر 22 عاماً يضيف اسمه إلى قائمة الشهداء، وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يجعل الأسرة تتلقى معاشاً مالياً.

تشعر حنان بالحزن الشديد، وتدعو الله أن يضع حداً لهذه الحرب المدمرة التي استغرقت أربع سنوات، وحصدت عشرات الآلاف من الأرواح.

وقالت حنان: "لا أريد أن أرى أمهات يفقدن أولادهن مثلي. أتمنى أن توقف الأطراف المتحاربة هذه الحرب العبثية، وأن تعود اليمن إلى سابق عهدها".

منذ عام 2015، فقد الريال اليمني أكثر من نصف قيمته
منذ عام 2015، فقد الريال اليمني أكثر من نصف قيمته

الحكومة اليمنية تخلي مسؤوليتها.. "مرتزقة جرى استئجارهم"

في نظر الحكومة اليمنية، فإنَّ اليمنيين الذين جرى استئجارهم للقتال إلى جانب حليفتها السعودية "مرتزقة"، ومن ثم فهي ليست مسؤولة عن عافيتهم.

وقال أحد المصادر في وزارة الداخلية، لموقع Middle East Eye بشرط عدم الكشف عن هويته: "الحكومة ليست مسؤولة عن المرتزقة الذين يذهبون إلى السعودية عبر الوسطاء. الحكومة مسؤولة فحسب عن الجنود الرسميين الذين يقاتلون في كافة أنحاء البلاد".

ووفقاً لهذا المصدر، فإنَّ الحكومة تساعد الجنود الجرحى بتقديم رعاية صحية ملائمة وتعطي عائلات القتلى في المعارك معاشاً شهرياً. وأضاف المصدر أنَّ الحكومة تستقدم جنوداً جدداً طوال الوقت.

وشدَّد المصدر قائلاً: "إذا أراد أي شخص الانضمام إلى الجيش اليمني لقتال المتمردين الحوثيين، فبإمكاننا تجنيد جنود جدد، لذا فإنني أنصح شبابنا بعدم السعي وراء السماسرة الذين يقودون اليمنيين إلى الجحيم".

20 مليون يمني يعتمدون على المساعدات

ومع ذلك، فمع الرواتب الأكبر بكثير، التي يقدمها السعوديون، فليس من المستغرب أن يغري ذلك الأمر اليمنيين اليائسين، وينتهي بهم المطاف مقاتلين على طول الحدود.

وكما لو أنَّ الحياة في ظل الحرب ليست قاسية بما يكفي، يعيش اليمنيون في أزمة اقتصادية خانقة. فمنذ تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في هذا النزاع نيابة عن الحكومة عام 2015، فقد الريال اليمني نصف قيمته.

وفي غضون ذلك، ارتفعت أسعار البضائع الأساسية مرات عديدة، ووجد 20 مليون يمني أنفسهم يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

وقال مأمون محمد، الخبير في علم الاجتماع من تعز، لموقع Middle East Eye: "الأزمة الاقتصادية سبب واحد فحسب وراء تجنيد المرتزقة، لكنَّ السبب الأساسي يرجع إلى غياب السلطات. إذ يمكننا أن نجد وسطاء مرتزقة في كل مكان، ولا تستطيع الحكومة إيقافهم. ويشجع هذا الأمر حتماً اليمنيين اليائسين على الانضمام للمعارك بوصفهم مرتزقة".

وأشار محمد إلى أنَّ الجنود اليمنيين الرسميين يتلقون رواتب ضئيلة بالمقارنة، ولذا فإنهم يعانون من مشكلات اقتصادية مثل اليمنيين الآخرين، وهو ما يثبط الكثيرين عن الانضمام إلى الجيش.

وأضاف محمد قائلاً: "وعلاوة على ذلك، فإنَّ بعض الجنود قد تركوا وظائفهم الرسمية وانضموا إلى معارك السعوديين بوصفهم مرتزقة".

أما عادل، الذي شوهته هذه التجربة حرفياً، فإنه يفكر من سريره في الخيارات التي يتبناها يمنيون أمثاله حتى اليوم. وقال إنه يتمنى أن تفعل الحكومة اليمنية المزيد لإيقاف تدفق المرتزقة المتجهين إلى الجبهة السعودية.

وقال عادل: "أنصح أي شخص يريد القتال مع السعوديين أن يأتي ويرى معاناتي، وحينها فسوف يغير قراره بكل تأكيد. ليس المال كل شيء، المال لا شيء".

تحميل المزيد