قالت "المفوضية القومية لحقوق الإنسان" في السودان، وهي هيئة حكومية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان ويعين أعضاءها الرئيسُ عمر البشير، في بيان أصدرته الجمعة 11 يناير/كانون الثاني 2019، إنها "تدين استخدام الرصاص الحي ضد المدنيين العزل، وتستنكر وتدين قتل المواطنين باستخدام الرصاص الحي".
وقالت المنظمة الحكومية إنها تدين إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل مستشفى أم درمان الأربعاء 9 يناير/كانون الثاني 2019، حيث قُتل 3 متظاهرين، بحسب الشرطة.
وبذلك، تكون هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها جهاز حكومي في السودان، باستخدام الرصاص الحي ضد متظاهرين.
ودعت المفوضية القومية الحكومة إلى "التحقيق" في الأمر، بالوقت الذي دعت فيه أيضاً "الأطرافَ كافة إلى حماية المستشفيات والمساجد والكنائس من كل عنف".
أكبر تهديد واجه حكم البشير منذ تسلُّمه السُّلطة
في السياق، أطلقت شرطة مكافحة الشغب السودانية الغاز المسيل للدموع على متظاهرين خرجوا إلى الشوارع في الخرطوم ومدينة أم درمان عقب صلاة الجمعة، في حين دعا منظِّمو المسيرات إلى تظاهرات أخرى الأسبوع المقبل، ضد الرئيس عمر البشير.
وهتف المتظاهرون الذين خرجوا في منطقتين بالخرطوم وأم درمان، الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل: "حرية، سلام، عدالة"، بحسب شهود عيان، قبل أن تطلق شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع عليهم.
وجاءت تظاهرات الجمعة بعدما دعا المنظمون للخروج في مسيرات بأنحاء البلاد الأسبوع المقبل، للمطالبة باستقالة البشير.
وانطلقت الاحتجاجات بالسودان في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، إثر قرار الحكومة رفع أسعار الخبز بـ3 أضعاف، قبل أن تتحول إلى تظاهرات أوسع نطاقاً، بات يُنظر إليها على أنها أكبر تهديد واجه حكم البشير منذ تسلُّمه السُّلطة قبل 3 عقود.
مهنيون ونقابيون يدعون لأسبوع "الانتفاضة الشاملة"
وقال "تجمُّع المهنيين السودانيين"، الذي يضم قطاعات عديدة، بينها أطباء وأساتذة جامعيون ومهندسون، الجمعة 11 يناير/كانون الثاني 2019: "سنبدأ أسبوع الانتفاضة الشاملة بتظاهرات في كل مدن وقرى السودان".
وفي النص الذي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، دعا الاتحاد خصوصاً إلى "مسيرة الأحد" بشمال الخرطوم، و"مسيرات من مختلف أجزاء العاصمة" الخميس 17 يناير/كانون الثاني 2019.
ودعا إلى تجمُّع بعد صلاة الجمعة في عطبرة، التي تبعد نحو 250 كم شمال الخرطوم وشهدت التظاهرة الأولى.
وتفيد حصيلة للسلطات السودانية بأن 22 شخصاً قُتلوا بالتظاهرات التي انطلقت في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، في حين تتحدث منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" عن مقتل 40 شخصاً على الأقل، بينهم أطفال.
تحدٍّ كبير أمام المتظاهرين!
ويشير محللون إلى أن التحدي بالنسبة إلى المنظمين بات الآن تعبئة حشود كبيرة في الشوارع.
وقال مات وارد، المحلل المتخصص بالشؤون الإفريقية في مركز "أوكسفورد أناليتيكا"، لـ "فرانس برس"، إن "بعض مجموعات المعارضة والنقابات تحاول التعبئة لتظاهرات جديدة، وتفكر -على الأرجح- في وسائل تصعيد" الاحتجاج.
وأضاف أن "الاحتجاجات مستمرة، لكنها لم تتكثف بشكل كبير".
وعلى الرغم من أن أسعار الخبز كانت السبب المباشر للتظاهرات، فإن السودان يشهد أزمة اقتصادية متفاقمة منذ قرابة عام، جراء النقص الحاد في العملات الأجنبية.
وترافق الحديث عن نقص في الغذاء والوقود بعدة مدن، بينها الخرطوم، مع ارتفاع أسعار الطعام والدواء بأكثر من الضعف.
وألقى البشير وغيره من المسؤولين السودانيين باللوم على واشنطن في المشكلات الاقتصادية التي تواجهها بلاده.
وفرضت واشنطن حظراً تجارياً على الخرطوم في 1997، لم يتم رفعه إلا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017. وفرضت قيوداً على السودان في مجال التجارة الدولية والتعاملات المالية.
وتصاعدت حدة أزمة النقد الأجنبي منذ انفصال جنوب السودان في 2011، والذي تسبب في تقلُّص عائدات النفط بشكل كبير.
لكن معارضي البشير يشيرون إلى أن سوء إدارة حكومته القطاعات الأهم، وإنفاقها أموالاً ضخمة لمحاربة تمرد أقليات عرقية في منطقة دارفور (غرب) وبالمناطق القريبة من الحدود مع جنوب السودان- تتسبب في مشكلات اقتصادية منذ سنوات.
لكن الرئيس تمسَّك بموقفه، حيث قال أمام الآلاف من أنصاره، خلال مسيرة في الخرطوم، الأربعاء 9 يناير/كانون الثاني 2019، إن حكومته لن تستسلم أمام الضغوط الاقتصادية.
وقال البشير: "الذين سعوا لكسر السودان، قالوا لنا إن هناك شروطاً لو عملتها كل المشاكل ستُحَل، نحن عزَّتنا أغلى من أي دولار".
وأغلق مئات المتظاهرين المناهضين للحكومة طريقاً رئيساً في أم درمان بعد ساعات من خطاب البشير، قبل أن تتدخل شرطة مكافحة الشغب.
وقُتل 3 متظاهرين عندما حاولت الشرطة فض الاحتجاج، بحسب ما أفادت به السلطات.
اعتقال المئات بينهم صحفيون
وبحسب "فرانس برس"، تشير مجموعات لحقوق الإنسان إلى أنه تم توقيف أكثر من 1000 شخص منذ اندلاع الاحتجاجات، بينهم قادة في المعارضة وناشطون وصحفيون، إلى جانب المتظاهرين.
واستدعت حملة السلطات الأمنية انتقادات من بريطانيا وكندا والنرويج والولايات المتحدة، التي حذرت الخرطوم من "تداعيات" الأعمال التي تقوم بها على العلاقات مع حكوماتها.
وردَّت الخارجية السودانية على موقف الدول الغربية الأربع، وقالت في بيان: "تعرب وزارة الخارجية عن رفضها واستنكارها البيان المجافي للحقائق، والصادر من دول الترويكا وكندا"، مؤكدةً أن "السودان ملتزم حرية التعبير والتظاهر السلمي، والذين فقدوا أرواحهم مواطنون سودانيون".
وطالب الاتحاد الأوروبي، الجمعة، بـ"نزع فتيل التصعيد"، تعليقاً على أعمال العنف التي شابت التظاهرات المناهضة للحكومة السودانية، وكذلك بالإفراج عن جميع المعارضين المعتقلين "تعسفاً".
وقالت متحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد، فيديريكا موغيريني، في بيان: "من مسؤولية السلطات السودانية ضمان حق حرية التجمع والتعبير بموجب القانون الدولي".