تبلغ أنشطة الجيش الإسرائيلي في البحث عن الأنفاق على الحدود اللبنانية الآن مرحلةً حساسة أكثر . وبعد عدة أيام من الارتباك، من الواضح أن الحكومة اللبنانية بدأت في صياغة رد على تلك الخطوة الإسرائيلية.
جاء ذلك في مقالة لصحيفة Haaretz الإسرائيلية تحت عنوان "عمليات البحث عن الأنفاق في إسرائيل تدخل في مرحلة مُتفجِّرة"، للكاتب عاموس هاريل الخبير الإعلامي المتخصص في القضايا العسكرية والدفاعية قال فيها إن دوريات الجيش اللبناني تلتقي حالياً بالقوات الإسرائيلية في المناطق التي يقوم فيها جنود الجيش الإسرائيلي بالحفر بالقرب من الحدود.
ويتصاعد التوتر على وجه الخصوص عند تلك الجيوب حيث تجري القوات الإسرائيلية عملياتها، مما قد يفضي إلى وقوع خطأ قد يتطوَّر إلى مواجهة. وتقع تلك المناطق شمال السياج الحدودي حيث تزعم إسرائيل سيادتها بموجب قرار الأمم المتحدة.
لا يوجد جدار فاصل بين القوات اللبنانية والإسرائيلية
الكاتب عاموس هاريل، قال في مقالته، أنه لا يوجد جدارٌ أو سياجٌ فاصل في تلك المناطق بين القوات اللبنانية والإسرائيلية. لكن في بعض الأماكن، وضعت القوات الإسرائيلية سلكاً شائكاً لتحديد موقع الحدود بالضبط. في حين أن الصور المنشورة على الجانب اللبناني، على سبيل المثال من بلدة ميس الجبل، تحكي القصة الرئيسية للأيام القليلة الماضية، إذ يمكنك رؤية جنود إسرائيليين مُجهَّزين بالبنادق والصواريخ المضادة للدبابات بينما تعمل جرافةٌ إسرائيلية على الجانب الآخر من الصخرة.
عندما ينظر الطرفان إلى بعضهما البعض من مدى قريب نسبياً، بإمكانهما رؤية أن كلَّ جهةٍ مُزوَّدة بأسلحة مُوجَّهة إلى الجانب الآخر من الحدود، فضلاً عن وجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة التي تعمل كحاجزٍ بين الإسرائيليين واللبنانيين (وعلى افتراض أن أعضاء حزب الله يراقبون عن كثب)، وينطوي المشهد على عناصر انفجارٍ مُحتَمَل.
الأعصاب متوترة بين الجانب اللبناني والجانب الإسرائيلي
وقال الكاتب الإسرائيلي إنه يتعيَّن على القوات الإسرائيلية الضلوع في عملها بحذرٍ ودقةٍ بالغة حتى لا تشعل حادثةً غير مرغوب فيها. فالأعصاب متوتَّرة بما فيه الكفاية، وكلُّ ما يتطلَّبه الأمر هو جندي لبنان يدفعه الحماس فيشعل ناراً يصعب إخمادها.
يذكر أن إسرائيل انسحبت في مايو/أيَّار عام 2000 من جنوب لبنان وتجمَّعَت عند الخط الأزرق، وهو الحدود الدولية التي اعترفت بها الأمم المتحدة ووضعها خبراؤها. لكن في بعض الأماكن على طول الحدود، بُنِيَ الجدار، لأسبابٍ هندسية، جنوب الخط الأزرق، ما أدَّى إلى خضوع الجيوب الواقعة إلى شماله تحت السيادة الإسرائيلية.
بعد الحرب اللبنانية الثانية عام 2006، أصرَّت إسرائيل على الحفاظ على وجودها العسكري في تلك الجيوب بتسيير دوريات متكررة. وتعترف الحكومة اللبنانية بالخريطة التي وضعتها الأمم المتحدة، بيد أن لديها تحفُّظاتٍ على 13 نقطة على طول الحدود.
واشتد الخلاف بين الجانبين خلال العام الماضي 2017 لأن إسرائيل بدأت في بناء جدار لمنع التسلُّل على الأرض من كلا الجانبين إلى منطقتين من المناطق المُتنازَع عليها بين كيبوتس مانارا ومسجاف عام، وشرق رأس الناقورة.
لأول مرة من داخل النفق الذي حفره حزب الله ولم تكتشفه إسرائيل
وقعت حوادث عدة مرتبطة بالنشاط الإسرائيلي في الجيوب. في عام 2007، حصل تبادل إطلاق النار بين القوات المسلحة الإسرائيلية وناقلة جنود مدرعة تابعة للجيش اللبناني، عندما أصرَّت إسرائيل على بسط نفوذها على أحد الجيوب.
وفي 2010، قُتِلَ قائد كتيبة احتياطي وهو المُقدِّم احتياط دوف هاراري على أيدي الجنود اللبنانيين عندما شذَّبت القوات المسلحة الإسرائيلية الأشجار في أحد الجيوب بالقرب من كيبوتس مانارا.
البحث عن الأنفاق يصيب الجميع بالقلق
وقال عاموس هاريل إن العملية الإسرائيلية لتحديد الأنفاق تصيب جميع الأطراف المعنية بالقلق. فكلُّ الأطراف على الجانب اللبناني لديهم شيء يخفونه. فحزب الله حَفَرَ الأنفاق في انتهاكٍ لاتفاقات وقف إطلاق النار، والجيش اللبناني الذي يتلقَّى مساعداتٍ واسعة من الولايات المتحدة وفرنسا لم يُحرِّك ساكناً لمنع أنشطة حزب الله (بل وأحياناً ساعدت عناصره الاستخباراتية حزب الله)، وكانت قوة الأمم المتحدة المؤقتة منشغلةً بشكل رئيسي بالنأي بعيداً عن المشاكل
تبدأ جذور الأنفاق الجاري اكتشافها من منازل في القرى اللبنانية، ولطالما طالبت إسرائيل لسنواتٍ طويلة من الأمم المتحدة مسح تلك المواقع، لكن طلبها قوبِلَ بالرفض على أساس أن تلك أراضٍ خاصة وأن قوة الأمم المتحدة الفاصلة لا بد لها من دليل داغم لفحصها. من وجهة نظر إسرائيل، يبدو كلُّ ذلك تمويهاً بينما تؤدي الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة دوراً نشطاً، حتى لو لم تكن لديهم معلومات استخباراتية حول عمليات الحفر السرية لحزب الله.
وإلى جانب هدف إسرائيل المُتمثِّل في حرمان حزب الله من تلك الممتلكات والاستفادة من الاكتشاف في الميدان الدبلوماسي، فقد زُرِعَت بذور تؤدي إلى أزمة ثقة خطيرة طال انتظارها بين إسرائيل والأمم المتحدة.
يحدث كلُّ ذلك على خلفية الصمت المُدوِّي لحزب الله الذي طال أمده، الذي لم يرد بعد على تصريحات إسرائيل. فيمكن للمرء أن يفترض أن الحزب منهمك في معرفة كيف كشفت القوات المسلحة أسرارها وما الذي تعرفه الاستخبارات الإسرائيلية بالضبط عن بقية خططها.
وختم عاموس هاريل مقالته بالقول، إن وقعت مواجهةٌ مباشرة على الحدود، فعلى الأرجح ستحدث بين القوات المسلحة الإسرائيلية والجيش اللبناني، مثلما حدث في الماضي. لكن على المدى الطويل، ستدفع عملية تحديد مواقع الأنفاق وتفجيرها حزب الله وداعميه من إيران إلى إعادة النظر في الانتشار على طول الحدود الإسرائيلية.