الأستاذ الذي علّم محمد بن سلمان الإنكليزية في طفولته يحكي عن مشاغبته وحبه قضاء وقته مع حراس القصر بدلاً من الدراسة

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/09 الساعة 21:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/10 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش

لم يكن ولي العهد السعودي المثير للجدل محمد بن سلمان يحظى بذلك الصيت في المجتمع الخارجي قبل أن يصبح الحاكم الفعلي للبلاد ومحط الانتباه. وفيما يلي يتحدث رشيد سكّاي مقدم البرامج في قناة بي بي سي العربية الذي كان يعمل معلم اللغة الإنكليزية لولي العهد في طفولته، ويُعطي لمحةً نادرةً عن الحياة في البلاط الملكي.

يقول رشيد: كنت أعمل مدرساً في مدرسة الأنجال المرموقة في جدة، حين تلقيت طلباً في أوائل عام 1996 من أمير الرياض آنذاك الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي انتقل مع عائلته مؤقتاً إلى المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، وكان يحتاج إلى مدرس لغةٍ إنكليزيةٍ لأبنائه.

يضيف في مقالة له في هيئة الإذاعة البريطانية BBC إذ اتصل الرجل -الذي أصبح ملك السعودية في ما بعد- بالمدرسة، وسرعان ما انتقلت إلى القصر الملكي لأصبح المدرس الخاص لبعض أبنائه من زواجه الأول: الأمير تركي، والأمير نايف، والأمير خالد، وبالطبع الأمير محمد.

أقمت في عمارةٍ في حيٍ جديدٍ واعد في المدينة. وكان سائقٌ خاصٌ يُقلُني في تمام السابعة صباحاً ليأخذني إلى مدرسة الأنجال، وحالما كانت الدروس تنتهي آخر النهار، كان السائق يأخذني إلى القصر.

وما إن كانت السيارة تمر عبر بوابات القصر شديدة الحراسة، حتى كانت تسير بين فيلاتٍ مثيرةٍ للدهشة وسط حدائق براقة يقوم على رعايتها عمالٌ في ثيابٍ بيضاء. كان هناك موقف سيارات يعج بالسيارات الفارهة الخاصة. كانت أول مرةٍ أرى ما بدا لي وقتها وكأنَّه سيارة كاديلاك زهرية اللون.

وفور وصولي إلى القلعة الملكية، كان يقودني إلى الداخل مدير القصر منصور الشهري، الرجل متوسط العمر الذي كان الأمير محمد ابن الأحد عشر عاماً آنذاك مقرباً منه ومولعاً به.

كان الأمير مهتماً بقضاء الوقت مع حراس القصر

كان محمد كذلك يبدو مهتماً بقضاء الوقت مع حراس القصر أكثر من اهتمامه بمتابعة دروسي. ولأنه الأكبر بين إخوانه، بدا مسموحاً له بفعل ما يحلو له.

كانت قدرتي على الاستحواذ على انتباه الأمراء الأصغر سناً تدوم فقط إلى أن يحضر محمد.

ما زلت أتذكر استخدامه اللاسلكي -الذي كان قد استعاره من أحد الحراس- في أثناء الدرس. كان يستخدمه في قول تعليقاتٍ صفيقةٍ بشأني، وتبادل النكات مع إخوانه ومع الحراس على الجهة المقابلة.

وفي إحدى المرات، دُهِشت حين قال لي الأمير محمد إنَّ أمه الأميرة قالت إنني "أبدو رجلاً نبيلاً جداً". إذ لا أتذكر أنني قد قابلتها إطلاقاً، فسيدات العائلة المالكة السعودية لا يظهرن على الرجال الأجانب، والمرأة الوحيدة التي مررت بها مصادفةً كانت مربيةً من الفلبين.

كنت غافلاً عن حقيقة أنني مراقبٌ، حتى أشار ولي العهد المستقبلي إلى بعض كاميرات المراقبة على الحائط. ومنذ تلك اللحظة، صرت مهووساً بمراعاة تصرُّفاتي في أثناء دروسي.

في وقتٍ قصيرٍ، صرت مولعاً بمحمد وأشقائه الأصغر. ومع أنني كنت أدرس لأمراء غارقين في الامتيازات، فإنَّ تلاميذي في القصر كانوا يشبهون إلى حدٍّ بعيدٍ تلاميذي في المدرسة، يتطلعون إلى التعلم، لكنهم كانوا كذلك تواقين إلى اللعب.

زلةٌ

طلب مني مدير القصر منصور الشهري يوماً ما أن أقابل الملك المستقبلي سلمان، الذي أراد أن يطَّلع على تقدم أبنائه الدراسي. ظننت أن تلك ستكون فرصةً للحديث عن مشاغبة الأمير محمد.

انتظرت خارج مكتب الأمير سلمان، بجانب بقية مدرسي الأمراء الذين بدوا أكثر اعتياداً لمراسم البلاط الملكي.

حين أطلَّ علينا، هبَّ المعلمون غريزياً، وراقبتهم في رهبةٍ فيما كانوا يقتربون من أمير الرياض واحداً تلو الآخر وينحنون لتقبيل يده، ثم يتشاورون في عجالةٍ بشأن أبنائه الصغار، ثم يمضون.

وحين جاء دوري، لم أستطع الانحناء مثلهم. لم أفعل ذلك في حياتي. وقبل أن أتجمد تماماً، مددت يدي للملك المستقبلي وصافحته برسمية.

أتذكر رؤية ابتسامةٍ باهتة يشوبها الذهول على وجهه، لكنَّه لم يحدث ضجةً حول زلتي.

لم أذكُر له ما كان يصدر من الأمير محمد في أثناء الدروس، لأنني حينها كنت قد قررت التخلِّي عن كل شيءٍ والعودة إلى المملكة المتحدة.

وبعد ذلك بوقتٍ قصير، وبَّخني الشهري بشدة لعدم اتباع الآداب الملكية.

وباستثناء الأمير خالد الذي صار فيما بعد سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة، فقد اختار باقي إخوة الأمير محمد الذين درَّست لهم البقاء بعيداً عن أعين العامة.

واليوم أعتبر تلك المدة الوجيزة التي قضيتها في ذلك المنصب مرحلةً مهمةً في حياتي، وأشاهد تلميذي الصغير السابق وهو يعتلي خشبة مسرح الأحداث العالمي.

تحميل المزيد