تسبَّبت سبع سنوات من الحرب الأهلية الوحشية في تدمير مساحات هائلة من سوريا وتشير التقديرات إلى أنَّ ثلث رصيدها السكني تعرَّض للتدمير أو التلف، ومن المحتمل أن تكون عملية إعادة الإعمار بطيئة ومحفوفة بالمخاطر. وقدَّرت الأمم المتحدة أنَّها ستتكلف 250 مليار دولار.
لكن الأمر لم يقتصر على تدمير المنازل بسبب الحرب ، بل إن نظام بشار الأسد أقر مشروع قانون جديد للإسكان يُعرَف باسم القانون رقم 10 يمنح الحكومة صلاحيات كبيرة لمصادرة الأراضي، بما فيها المُقام عليها منازل حسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
وبالتالي فبالنسبة لبعض السوريين النازحين بسبب القتال والبالغ عددهم حوالي 6 ملايين شخص، فإنَّ القانون يعني أنَّه إذا لم تكن الحرب قد دمَّرت منازلهم فإنَّ نظام بشار الأسد قد يفعل.
القانون يستولي على الأراضي والمنازل
حسب صحيفة The Financial Times البريطانية، فالمتضررون من هذا القانون يرونه مسوغاً للسيطرة على الأراضي والمنازل دون وجه حق من جانب نظام بشارالأسد.
فعندما سافرت امتثال، وهي مُصفِّفة شعر تبلغ من العمر 46 عاماً، من منزلها في أطراف دمشق إلى قرية والديها في شمال سوريا قبل خمس سنوات، كانت تتطلع لقضاء عطلة قصيرة. لكنَّ قوات المعارضة سيطرت على الحي الذي تقطنه بينما كانت خارجه ولم تعد إليه حتى الآن.
عاد الحي الذي كانت تقطنه الآن إلى سيطرة النظام في الوقت الذي تهدأ فيه حدة الصراع السوري، لكن امتثال مُنِعت من العودة إلى شقتها لأنَّ السلطات طوَّقتها استعداداً لهدمها وإعادة بنائها.
وتقول امتثال: "لماذا لا أزال نازحة إذا باتت منطقتى الآن خالية من الإرهابيين ومنزلي فى وضع جيد بما فيه الكفاية؟ الجيش السوري لم يُخرج الإرهابيين حتى يتسنى تجريدنا من ممتلكاتنا".
أما أنصار هذا القانون- الذي سنَّه نظام الأسد في أبريل/نيسان الماضي- يرون إنَّه سيُمكِّن الحكومة من تحسين المناطق التي يوجد فيها ما يشبه المساكن العشوائية من خلال اتخاذ قرارات سريعة لإعادة البناء وجذب الاستثمارات الخاصة التي توجد حاجة ماسة لها.
قال فيصل سرور، رئيس لجنة السلطة المحلية التي ترأس جهود إعادة الإعمار في دمشق، للسكان النازحين في مقابلة إذاعية: "أريدكم أن تعودوا إلى منازل لا تنهار عليكم وعلى أطفالكم … انتظروا حتى نتمكّن من توفير المياه، وخدمات الصرف الصحي، والكهرباء، والشوارع المفتوحة".
ويمنع اللاجئين من العودة
صحيفة The Financial Times البريطانية قالت إن المنتقدين يقولون أيضاً إنَّ الحكومة تستخدم القانون لتهجير الفئات الأفقر ومنع اللاجئين من العودة، محاججين بأنَّ نظام الأسد لا يريد تحمل تكاليف الرعاية الاجتماعية لعدد أكبر من السكان.
وقالت سارة كيالي، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تخشى أن تقيم شركات البناء عقارات راقية لبيعها للأثرياء السوريين والمستثمرين الأجانب وليس لأصحابها الأصليين: "إنَّنا نشهد تحوُّل النزاع من الأعمال العدائية النشطة إلى حقوق الملكية".
وفي حي آخر بدمشق تعرَّض للهدم بالفعل، تُظهِر خطط المهندسين المعماريين لإقامة مشروع تنموي يسمى "ماروتا" مجمعات أبراج فخمة تستهدف العملاء المتميزين.
حي التضامن وإعادة الإعمار
هناك حوالي مليون لاجئ سوري في أوروبا و5.6 مليون لاجئ في الدول المجاورة. ونزح 6 ملايين آخرين داخل سوريا نفسها، بمن فيهم العديد من السكان الذين ينتمون إلى حي الطبقة العاملة الذي تقطنه امتثال، ويسمى حي التضامن.
وأنشأ سكان الحي مؤخراً مجموعة (Group) على موقع فيسبوك للدفاع عن قضيتهم مع الأسد. وقال محامٍ انضم إلى قانونيين آخرين للدفاع عن المنطقة: "لا نريد أن ندخل حرباً مع أي شخص في الحكومة، نريدهم فقط أن يسمعونا".
ويعتبر حي التضامن واحداً من أولى المناطق المقرر إعادة إعمارها بموجب القانون رقم 10. ومن غير الواضح عدد العقارات التي ستُهدم في الحي الذي يقطنه 250 ألف شخص. لكن حتى الآن منحت السلطات المحلية حوالي 3000 منزل وقفاً مؤقتاً للتنفيذ، وتزعم السلطات أنَّ أغلبية المنازل غير قابلة للسكنى. وتحت ضغط من السكان، وعدت السلطات بأنَّها ستسمح للجميع بالعودة إلى الحي قبل أن تبدأ عملية إعادة البناء.
يوفر القانون رقم 10 تعويضات لأصحاب الأملاك المقرر نزع ملكيتها: سيُعرَض على السكان أسهم مساوية لقيمة منازلهم في شركة مشتركة بين القطاعين العام والخاص للاضطلاع بأعمال التطوير.
لكن الحكومة هي التي تقرر قيمة المنازل ويجب على السكان إظهار إثبات قانوني للملكية لتلقي التعويض. ويشكل هذا الشرط مشكلة، لأنَّ نصف رصيد البلد من المساكن بُنيَ دون تراخيص، كما يقول حسين عرنوس، وزير الأشغال العامة والإسكان السابق.
بالنسبة لامتثال، التي توفي زوجها بعد إصابته بالسرطان قبل ثلاث سنوات، كانت خطة تقاعدها قائمة على ملكيتها. وتقول إنَّ القانون يبدو وكأنه مكافأة قاسية على ولائها للدولة.
وأضافت امتثال: "أريد أن أقابل بشار الأسد وأخبره عن وضعنا، وأنا متأكدة أنَّه سيساعدني. أنا متأكدة من أنَّه لا يعرف ما الذي نمر به".