قال الباحث الجزائري عبدالقادر شريف، إن المجتمع المدني في الجزائر يعتبر أن زيارة ولي العهد السعودي المرتقبة إلى الجزائر في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، إهانة للبلاد.
وقال الباحث الجزائري المقيم في الولايات المتحدة الأميركية في مقالة له نشرتها صحيفة The Washington Post الأميركية، إن مئات النشطاء الساخطين والصحافيين الغاضبين استنكروا زيارة ولي العهد السعودي المزمعة للمغرب العربي. وقد رفضوا زيارته التي رأوا فيها خطوة علاقات عامة لتبييض صورته.
وأشار إلى أن مسؤوليته عن ملف اليمن وتورُّطه المزعوم في الاغتيال والتقطيع البشع لجسد جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، يجعلان منه شخصاً غير مرغوب فيه في الجزائر.
زيارة ولي العهد إحراج للجزائر
عبدالقادر شريف، قال في مقالته، إن كثيراً من المراقبين يعتقدون أنَّ زيارة حاكم السعودية الفعلي إلى الجزائر ستحرج السلطات الجزائرية بلا شك. ومع أنَّ الحكومة مستعدة لتنظيم استقبالٍ حافل للرجل، فإن السلطات تشعر بالقلق إزاء تلك الزيارة، فتخشى السلطات أن تثير الزيارة موجةً من الاستياء في أنحاء البلاد، وقد يُوجَّه ذلك السخطُ العام إلى المسؤولين الذين قبلوا بتلك الزيارة المحرجة والمسيئة داخل الحكومة الجزائرية.
ولا بد من التذكير بأنَّ الأمر تطلَّب من الحكومة الجزائرية شهرين تقريباً لإدانة اغتيال خاشقجي. ولزيادة الطين بلةً، تزعم الجزائر أنَّها تثق في قدرة القضاء السعودي على إجراء تحقيقٍ نزيه في الجريمة، على النقيض من تقرير المخابرات المركزية الأميركية، الذي يُشير إلى أنَّ محمد بن سلمان أمر بقتل خاشقجي بنفسه.
مع ذلك، وفقاً للباحث الجزائري، فإنَّ عدداً من الأكاديميين والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية وقادة الأحزاب السياسية المعارضة يتساءلون عن توقيت تلك الإدانة، ويرفضون جميعاً كذلك أن يكونوا جزءاً من عملية تبييض الصورة المزمعة.
ويرى الكثيرون تلك الزيارة للجزائر إهانةً لذكرى كل الصحافيين الذين اعتُقِلوا أو اغتيلوا بسب معارضتهم الأنظمة العربية الاستبدادية، التي تُطبِّق قوانين مشبوهةً لتكميم الرؤى السياسية غير المتوافقة مع الدولة.
حركة مجتمع السلم ترفض زيارة ولي العهد للجزائر
بالنسبة لعبدالرزاق مقري، زعيم حزب الإسلام السياسي الرئيسي في الجزائر "حركة مجتمع السلم"، فإنَّ زيارة محمد بن سلمان "لا تُبشِّر بخير لصورة الجزائر وسمعتها". ويشاطره الصحافي والكاتب الجزائري الفرانكفوني كامل داود مشاعر قوية شبيهة. فغرَّد قائلاً: "محمد بن سلمان قاتل، وأيَّاً كان من يصافحه في الجزائر، سيكون متواطئاً معه".
ومن الواضح جلياً أنَّ المسائل الدبلوماسية التي وضعتها السلطات في الاعتبار عند الموافقة على هذه الزيارة غير المناسبة، لا يشاطرها فيها غالبية الجزائريين.
والحق يُقال، حتى قبل قتل خاشقجي كان الجزائريون دوماً يُعبِّرون عن استيائهم من المملكة العربية السعودية التي تجاوزها الزمن. ولا يزال الكثيرون في الجزائر يتذكرون الدور المثير للسخط الذي قام به النظام الملكي السعودي إبَّان الحرب الأهلية الجزائرية، التي غطَّى خاشقجي أحداثها في التسعينات، مُتجاهلين بذلك التداعيات التي قد يُخلِّفها موقفٌ كهذا على العلاقات الحكومية الجزائرية السعودية.
إذ كشف الجنرال المتقاعد أحمد نزار في مذكراته المساعدات المالية الضخمة التي حصل عليها النظام الجزائري من الرياض. فكراهية السعودية المَرَضية للهيئات المنتخبة لم تُفضِّل ازدهار جزائر ديمقراطية، إذ كانت أول دولة في العالم الناطق باللغة العربية تشهد "ربيعاً عربياً". ولم يدَّخر آل سعود جهداً للمساعدة في سحق ذلك. وأدخل تحرُّكهم هذه البلاد في حربٍ أهلية مُروِّعة، حصدت أرواح أكثر من 200 ألف شخص.
وخلال الربيع العربي لعام 2011، كانت السعودية مرتعدة من تداعيات الانتفاضة. فعارضت بشدة الحركات المؤيدة للديمقراطية في مصر وتونس، وتلاعبت بالميليشيات المسلحة في ليبيا، وساعدت بحماس في القمع الوحشي للمحتجين الشيعة في البحرين.
إذاً من سيستقبل ولي العهد في الجزائر
ويتساءل عبدالقادر شريف: مَن سيستقبل ويرحب بولي العهد السعودي؟ لاسيما حين يكون الأمير الحقيقي هنا هو جمال خاشقجي؟
حين قرَّر محمد بن سلمان القيام بجولة تشمل عدة بلدان عربية، كان يعتقد أنَّه سيُحقِّق نجاحاً، لأنَّ معظم القادة العرب علاقاتهم مع سيادة القانون والمبادئ الأخلاقية مريرة. يمكن أن يتفهَّم المرء بسهولة مقتضيات السياسة الواقعية، وقيود العلاقات الدولية، وحماية المصالح القومية.
لكنَّ زيارة محمد بن سلمان هي زيارة تحطّ من قدر بلدٍ استقبل من قبل قادة ثوريين عظماء مثل تشي جيفارا، وسامورا ماشيل، وأميلكار كابرال، وأغوستينو نيتو. إنَّ استقبالَ سعوديٍّ قاتل للصحافيين في الجزائر ليس أمراً مُشرِّفاً ولا عملاً فذّاً يستحق الثناء.