كشف تحقيق صحفي ألماني عن الاشتباه بارتكاب مخالفات جسيمة في منح تأشيرات للاجئين سوريين يريدون الذهاب لألمانيا بشكل غير قانوني من قِبل القنصلية الألمانية في أربيل في كردستان العراق، بين شهرَي أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول من عام 2017، عبر شبكة تهريب تلقَّت في المقابل على مبالغ تتراوح بين 2000 و13 ألف دولار.
وبين موقع "شبيغل أونلاين" يوم الإثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني، أن تحقيقات داخل القنصلية أظهرت وجود حوالي 24 حالة "طلب إصدار تأشيرة" تم التلاعب بها على الأقل، نجم عنها منح تأشيرات بشكل غير شرعي، وذلك وفقاً لبرنامج الولايات الألمانية لاستقبال السوريين.
ويضيف التحقيق أن هناك دلائل تشير إلى إمكانية وجود حالات أكثر بكثير. وقد استخدمها سوريون للذهاب بالطائرة بشكل اعتيادي ودون مشاكل قبل أن يقدموا طلبات لجوء في ألمانيا.
وبحسب المعلومات التي استقاها من اللاجئين الواصلين للبلاد بهذه الطريقة، بالإضافة إلى وثائق من مكتب الهجرة واللاجئين، ووثائق أخرى داخلية للسلطات، يقول الموقع إنه تكونت لديه صورة شبكة من المهربين الذين يعملون باحترافية، حيث يلتقون عادة باللاجئين في مقاهٍ محددة في أربيل.
كما توصّل التحقيق إلى أن هناك موظفين بالقنصلية، بالإضافة إلى عدة متعاونين متواجدين في ألمانيا، يُشتبه في تلقيهم رشاوى.
ووفقاً لتحقيقات شبيغل، يُشتبه في عمل عدة موظفين محليين ناطقين للألمانية من قسم التأشيرات مع المهربين مقابل المال، استناداً إلى آثار رقمية تركوها في نظام طلب الفيزا، عند معالجتهم الطلبات.
طرق مضمونة وآمنة للهجرة
ولم يخفِ بعض طالبي اللجوء عن "مكتب الهجرة واللاجئين" الألماني كيفية وصولهم للبلاد. فعلى سبيل المثال، روى شخص سوري يُدعى "دلبرين" للمكتب في خريف عام 2017 أن مهرباً مكَّنه من الحصول على تأشيرة من القنصلية في أربيل، مقابل 3 آلاف دولار، استخدمها لاحقاً للوصول إلى دوسلدورف.
وروى شخص يُدعى "جاسم" لـ "شبيغل" – لم يكن قد التقى زوجته وأطفاله الأربعة الذين وصلوا لألمانيا في عام 2015 – كيف قرر القدوم لألمانيا بأي طريقة كانت ومهما كلف الأمر مالياً، بعد أن فشل لمّ شمله بعائلته.
يذكر جاسم أنه تعرف في خريف العام الماضي على شخص في مقهى بمدينة أربيل أخبره عن طريق آمِن ومضمون للوصول إلى ألمانيا.
قدم جاسم طلب تأشيرة عبر برنامج استقبال الولايات الألمانية، وحصل على جواز سفره وقد تم وضع تأشيرة عليه بعد أسبوعين فقط، ودفع 12 ألف دولار للرجل عند التسلّم كما كان متفقاً عليه. حزم حقائبه ووصل لألمانيا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ثم تقدم لاحقاً بطلب للجوء.
وذكر جاسم أن شخصاً مجهولاً أخذ منه الجواز بعد وصوله للمطار وانتهائه من إجراءات الجوازات والجمارك.
الموظفون المشتبه بهم ما زالوا على رأس عملهم
على الرغم من كشف هذه التجاوزات، فإن السلطات تباطأت كثيراً في التعامل معها، فلم يتم البدء بإجراءات جنائية لفترة طويلة، رغم أن المشتبه بهم المحتملين محصورون في دائرة صغيرة من موظفي القنصلية.
كما لم يتم تحديد أسماء المهربين الذين تعامل معهم اللاجئون، ولا هوية المساعدين الذي أخذوا جوازات سفر اللاجئين السوريين المرفق بها التأشيرات غير القانونية بعد وصولهم لألمانيا.
بنهاية الشهر الماضي، فُتح تحقيق في ألمانيا لدى النيابة العامة في برلين، أي بعد عام من الكشف عن هذه الخروقات، بعدما واجه "شبيغل" الشرطة الاتحادية بنتائج تحقيقاته. وهو ما قد يجعل حل هذه القضية بشكل كامل وتحديد المتورطين فيها صعباً. وذكر "شبيغل أونلاين" أنه وفقاً لمعلوماته، ما زال الموظفون المشتبه بهم يعملون في القنصلية.
وفي سياق تبيان سبب هذا التأخير، أوضحت الشرطة الاتحادية الألمانية أنه كان من الضروري إجراء تحقيقات أخرى أولاً، وتقييم ملفات ضخمة مرتبطة بالقضية.
فيما أكدت الخارجية الألمانية، من جانبها، اتخاذها إجراءات تنظيمية منذ علمها بالقضية في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017 لمنع تكرار حدوث مثل هذه الحالات، وأبلغت جهات التحقيق سريعاً.
تحقيق آخر في الحصول على مواعيد لدى السفارة الألمانية في بيروت عبر الرشوة
كثيراً ما يتم التحقيق بشأن احتمال تورّط موظفي إصدار التأشيرات في السفارات والقنصليات الألمانية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا في تلقّي رشاوى وأعمال تهريب. ويوضح "شبيغل" أن الموظفين المشتبه في تورطهم عادة ما يكونون من سكان الدولة نفسها، والذين يتلقون رواتب أقل من زملائهم الألمان في المعتاد.
ومن المنتظر أن تتم محاكمة موظف في السفارة الألمانية في بيروت يُدعى "محمد"، وهو متهم بالمتاجرة بمواعيد السفارة الألمانية في بيروت بين شهري ديسمبر/كانون الأول 2014 ومايو/أيار 2015، بمساعدة وسيط يقيم في ألمانيا في 11 حالة على الأقل.
وأشار شبيغل إلى أن المحققين عثروا على 201 طلب تأشيرة في السفارة في بيروت لم تقيّد مواعيد بخصوصها في جدول المواعيد الرسمي خلال الفترة المذكورة.
وكما كان الحال في قضية قنصلية أربيل، والتي ساهم "شبيغل" في تحريك التحقيق الراكد بشأنها، ساهم تقرير تلفزيوني لبرنامج "مونيتور" على القناة الألمانية الأولى في عام 2015 في كشف السلطات بعد ذلك عن هوية محمد والوسيط المتعاون معه، وهما يعيشان حالياً في برلين.
وكان ذلك التقرير قد كشف عن طلب بعض الوسطاء مبالغ تتراوح بين عدة مئات وحتى 1000 دولار مقابل الحصول على مواعيد أبكر في قنصلية ألمانيا في إسطنبول أو سفارتها في بيروت.