بعد انقضاء 8 أسابيع على مقتل الصحافي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، تجد تركيا نفسها في موقف صعب، بسبب تأييد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الحازم لولي العهد السعودي.
فكلما طالت الفترة التي تقف فيها تركيا في وجه السعودية، مطالِبةً بمعرفة مَن أصدر الأمر بهذه العملية، زادت احتمالات أن تبدو معزولة، في ضوء صرف الدول الأخرى الأنظار عن هواجسها والعودة إلى التعامل مع أكبر دول العالم تصديراً للنفط.
كما أن طول فترة المواجهة مع الرياض قد يعرّض للخطر أيضاً تقارُب تركيا الهش مع واشنطن، إذا ما دفعت ترامب لاختيار الوقوف مع أي من القوتين الإقليميتين المتنافستين.
ويبلغ المأزق التركي ذروته، هذا الأسبوع، في قمة مجموعة العشرين، التي ربما يلتقي فيها الرئيس رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسبما ذكر مسؤولون أتراك.
وكان أردوغان قد أشار مراراً إلى أن على الأمير محمد أن يجيب عن أسئلة تتعلق بجريمة القتل، دون أن يذكره بالاسم. في حين قال أحد مستشاريه صراحة، إن يدي الأمير، الذي يعد الحاكم الفعلي في المملكة، ملطختان بدماء خاشقجي.
إلا أن أردوغان تحاشى الحديث عن مقتل خاشقجي، في خطبه الأخيرة، الأمر الذي أثار تساؤلات عما إذا كان بصدد التخفيف من حدة موقفه تجاه الأمير البالغ من العمر 33 عاماً، الذي يُحتمل أن يدير شؤون المملكة لعشرات السنين.
وقال مصدر سياسي رفيع المستوى قبيل سفر أردوغان لحضور القمة في الأرجنتين: "ربما يُعقد اجتماع. لم يُتَّخذ قرار نهائي بعد".
وأضاف المصدر: "السعودية دولة مهمة لتركيا… ولا أحد يريد إفساد العلاقات بسبب مقتل خاشقجي".
ولأردوغان علاقات طيبة مع الملك سلمان عاهل السعودية، غير أن هذه العلاقات توترت بفعل تصرفات سعودية في الآونة الأخيرة، يقف وراءها الأمير محمد، من بينها حصار قطر.
تحدٍّ للنفوذ التركي
ويقول محللون إن أردوغان يرى في التأكيد السعودي للذات في ظل ولي العهد، تحدياً لنفوذ تركيا بالشرق الأوسط.
وقد كان تواصُل الكشف عن أدلة من جانب المسؤولين الأتراك، الذين أثارت حفيظتهم جريمة وقعت في بلادهم ووصفوها بالبشعة، هو الذي غذَّى الغضب العالمي من السعودية والأمير الشاب.
وقال أردوغان إن الأوامر بتنفيذ الجريمة صدرت من أعلى المستويات في القيادة السعودية، وقدَّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن الأمير يقف مباشرة وراءها، وذلك رغم النفي السعودي الشديد.
غير أنه بعد مرور ما يقرب من شهرين على مقتل خاشقجي وتقطيع جثته بأيدي فريق من 15 سعودياً، لم تأخذ القوى الغربية إجراء يُذكر بحق المملكة، التي تعد مشترياً كبيراً للسلاح الغربي وحليفاً استراتيجياً لواشنطن.
وكان أبرز خطوة أميركية ملموسة حتى الآن، قرار صدر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بفرض عقوبات على 17 مسؤولاً سعودياً، من بينهم سعود القحطاني أحد كبار معاوني الأمير محمد.
وفي الوقت نفسه، وقف ترامب إلى جانب ولي العهد، وقال إنه لا يريد تعريض عقود أميركية للخطر، وتحدى بذلك ضغوطاً شديدة من أعضاء الكونغرس لفرض عقوبات أشمل على السعودية.
إعادة النظر
يوم الأربعاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس، إنه لا توجد أدلة مباشرة تربط الأمير محمد بقتل خاشقجي، وإن أي تخفيض في مستوى العلاقات الأميركية-السعودية، رداً على الجريمة، سيُلحق الضرر بالأمن الأميركي.
وربما تكون تلك الرسالة الواضحة من جانب إدارة ترامب هي التي تدفع تركيا إلى إعادة التفكير.
وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق والمحلل بمؤسسة كارنيغي أوروبا: "في البداية، كان الهدف هو الضغط على ترامب للتخلي عن تلك العلاقة".
وأضاف: "وعلى النقيض، يبدو أن ترامب قرر تعزيز تلك العلاقة، ولهذا السبب يتعين إعادة التقييم في أنقرة لكيفية إدارة الأمر".
وقال أولجن إن أولوية أردوغان هي تأمين التحسن المتواضع في العلاقات مع واشنطن منذ أن أفرجت محكمة تركية، الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول 2018)، عن القس الأميركي الذي احتُجز عامين بتهمة الإرهاب.
وتابع: "تركيا لا تريد تعريض رأس المال السياسي الذي كسبته في واشنطن للخطر من خلال المبالغة (في قضية خاشقجي). وهذا هو الدافع الرئيسي".
وشجَّع تأييد ترمب المسؤولين السعوديين على الإصرار على أن الأمير محمد لم يكن يعلم مقدماً بالعملية، وقال وزير الخارجية عادل الجبير، الأسبوع الماضي، إن السلطات التركية أخطرت المسؤولين السعوديين بأنها لا تتهم ولي العهد بالتورط في العملية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، إن وزيري التجارة بالبلدين اجتمعا في إسطنبول، يوم الأربعاء، وسيعملان على تشجيع الاستثمارات السعودية في تركيا، وإن الشركات التركية ستتولى تنفيذ مشروعات بالمملكة.
وعلى الأرجح، سيكون أي تغيير في النهج التركي تدريجياً. فعندما تحدث أردوغان مع الصحافيين، قبل سفره من مطار إسطنبول، مساء الأربعاء، لم يأتِ على ذكر السعودية، لكن ما زال بوسعه أن يقرر عدم مقابلة الأمير في الأرجنتين.
وقال إيلتر توران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيلجي التركية: "السعودية لم تصدر حتى الآن بياناً مُرضياً فيما يتعلق بجريمة القتل التي وقعت في إسطنبول".
وأضاف: "الحكومة التركية لا تزال تُجري التحقيق… ومن المحتمل أن تقول إن من السابق لأوانه عقد اجتماع".
وقال مسؤول تركي آخر إن الحكومة لا تزال تدرس الطلب السعودي لعقد اجتماع. وأضاف أنه إذا قرر الاثنان إجراء محادثات في بوينس آيرس، فإن الحوار سيكون بشكل عام مطابقاً لما دار في مكالمة هاتفية بينهما قبل شهر.
وقال المسؤول: "تركيا ستكرر موقفها الحالي في الاجتماع إذا ما انعقد. وتركيا تريد تقديم كل المسؤولين عن جريمة القتل للعدالة، وهي لا تطلب فرض عقوبة على السعودية".
وتابع: "ليس واقعياً توقُّع تحسُّن كبير من ذلك الاجتماع، لكنه سيمثل اتصالاً ما".