منذ أكثر من أسبوع دعا الملك محمد السادس الجزائريين للحوار ،عبر الجلوس إلى طاولة حوار شامل، لطي صفحة الخلافات وتجاوز العقبات العالقة بين البلدين لأكثر من 23 عاماً خاصة ملف الصحراء الغربية ، والكل يترقب رد الجزائر .
فالخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كانت له رسائل واضحة بفتح ما وصفه بحوار صادق وصريح مع الجزائر، ودعا إلى تأسيس لجنة مشتركة، لدراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية ودون شروط أو استثناءات.
وكان لهذا الخطاب وقع في المشهد السياسي المغاربي، العربي والعالمي، وترقب الجميع ردَّ فعل وتصريحات من مسؤولين جزائريين حول ما جاء على لسان محمد السادس، لكن الجزائر تعاملت معه ببرود واضح.
الجزائر ترفض بشكل غير مباشر
مرت أيام على خطاب العاهل المغربي، ولم تبدِ الجزائر أي اعتبار ولا ردٍّ مباشر لكل ما جاء فيه، لكن ما يدور في كواليس السلطة يشير إلى أن الجزائر ترفض، بشكل أو بآخر، فتح أي حوار دون شروط، تصفها بـ "الجادة".
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة عبد الوهاب بلفوضيل، في حديثه لـ "عربي بوست"، أن "بقاء الجزائر صامتة ودون رد على دعوة محمد السادس إلى حوار جاد وصريح، إجابة واضحة بالرفض".
ويعتبر المتحدث اللقاء الأخير بين ممثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الوزير الأول أحمد أويحيى، والعاهل المغربي محمد السادس، بالعاصمة الفرنسية باريس، على هامش الاحتفالات المخلدة بذكرى اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان فرصة لإبداء رأي الجزائر في دعوة الملك.
لكن، يضيف بلفوضيل، "أحمد أويحيى تحاشى تماماً فتح الملف أو التطرق اليه، أكان بطريقة مباشرة عن طريق اللقاءات الإعلامية المتكررة، أم بإصدار بيان مفصل من قِبل وزارة الخارجية الجزائرية، أو باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
ومن ثم، يقول أستاذ العلوم السياسية: "فأركان الرد بالرفض واضحة، ولا غبار عليها، وعلى المغرب أن يفهم ذلك دون ترقب وانتظار".
وسائل إعلام مغربية كانت قد أشارت إلى هذا الرفض غير المباشر، بعدما اعتبر مسؤولون جزائريون تصريح العاهل المغربي "مشكوكاً فيه ومفخخاً".
رسالة العاهل مستفزة ولا تتطلب الرد عليها
قال الموقع الإخباري "كل شيء عن الجزائر"، في نسخته الصادرة بالفرنسية، ونقلاً عن مسؤول مأذون بالجزائر، إن خطوة العاهل المغربي بطلب الجلوس إلى طاولة الحوار مع الجزائر تُجسد الخطاب التقليدي للمغرب.
وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته: "إنَّ غرض الرسالة والخطاب مشكوك في شكله وأهدافه، وحتى مصداقيته"، معتبراً أن "الجزائر كانت –وما زالت- تسمع لمثل هذه النداءات المربوطة بلا شروط".
والمناسبة التي جاء فيها الخطاب (الاحتفال بالمسيرة الخضراء)، يضيف المتحدث، "مشبوهة بمحتواها (أي إضفاء الصبغة الثنائية على قضية الصحراء الغربية)، هو حدث لا يستحق استجابة رسمية من قِبل السلطات الجزائرية".
وفوق ذلك، اعتبر المسؤول دعوة الملك المغربي في ذكرى احتلال الصحراء الغربية استفزازاً للجزائر، التي أبدت مساندتها حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، واصفاً دعوة محمد السادس بـ "غير الصادقة".
أستاذ العلوم السياسية عبد الوهاب بلفوضيل، بدوره، تساءل عن سر اختيار ذكرى "المسيرة الخضراء"، المرتبطة أساساً بلب الخلاف الجزائري-المغربي، لتوجيه خطاب مباشر إلى الجزائر.
وقال بلفوضيل: "كان على العاهل المغربي تجنُّب المناسبة، لما فيها من حساسية كبيرة بين البلدين، واختيار توقيت آخر يعطي للخطاب والرسالة شفافية ومصداقية أكثر، وليس بإمكان الجزائر، بكل حال من الأحوال، الاستجابة لطلب محمد السادس أمام هذه المعطيات".
لا شروط المغرب وشروط الجزائر
كلمة العاهل المغربي الموجهة إلى الجزائر تحدثت عن دعوة للجلوس إلى طاولة حوار، وكسر العراقيل التي حطمت طموح شعوب المغرب العربي في بناء اتحادهم المأمول منذ سنوات طويلة.
لكن الواضح في كلمة محمد السادس، أنها وضعت الجزائر في دائرة تجعلها غير قادرة على وضع أي شرط لهذا الحوار الذي دعا إليه المغرب، فالملك "دعا الجزائر للحوار دون شروط".
وفي بالمقابل، يرى متابعون للملف أن الجزائر يستحيل أن تتخلى عن شروطها لبعث العلاقات بين البلدين، وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع، ويفتح فترة أخرى من الترقب والانتظار وتوتر العلاقات أكثر.
الإعلامي الجزائري سفيان خرفي يعتبر أن عودة العلاقات الجزائرية-المغربية إلى سابق عهدها تتطلب تحقيق الشروط التي وضعتها الجزائر عام 2013، وهي الشروط التي إن تحققت، فستكون فرصة لإعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ ما يزيد على 20 عاماً.
وقال خرفي في تصريح لـ "عربي بوست"، إن "شروط الجزائر لتطبيع العلاقات مع المغرب واضحة، وكان قد ركز عليها عمار بلاني، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، في يونيو/حزيران 2013".
هذه الشروط، يضيف، "نهاية حملة التشهير ضد الجزائر، وتعاون مخلص وفعال ومثمر نتيجة العدوان الذي تتعرض له الجزائر يومياً في مجال تهريب المخدرات، فضلاً عن احترام موقف الحكومة الجزائرية من مسألة الصحراء الغربية، الذي يعتبر أن مسألة تصفية الاستعمار يجب أن تجد تسوية وفقاً للقانون الدولي داخل الأمم المتحدة".
وهي الشروط التي ردَّ عليها المغرب، يقول الإعلامي الجزائري، بالتعبير عن "تحفظاته القوية، معتبراً مبدأ إدخال الشروط أحادية الجانب في تطبيع العلاقات الثنائية ممارسة بعيدة عن نية الجزائر تجاوز الخلافات وبناء اتحاد مغاربي كبير وقوي".
وهو ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة عبد الوهاب بلفوضيل، الذي اعتبر "تنازل الجزائر عن شروطها المعروضة للمغرب سنة 2013 شبه مستحيل، خاصة ما تعلق بملف الصحراء الغربية".
مهمة إخوان المغرب بالجزائر
من المتوقع أن تكون هناك في الأيام القليلة القادمة، زيارة من حزب العدالة والتنمية المغربي إلى الجزائر، بغرض تنشيط عدد من اللقاءات مع مختلف التشكيلات الحزبية، وملف الاهتمام بإعادة المياه إلى مجاريها بين الجزائر والمغرب.
وقالت الأمانة العامة للحزب، بقيادة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إن "الحزب سينظّم زيارة لبعض الأحزاب الجزائرية، لبحث سبل الإسهام في تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين".
وأوضح الحزب أيضاً، أن الزيارة المرتقبة تهدف إلى ما سماه "تجاوز كل الخلافات التي تحول دون تطوير مختلف مستويات التعاون بين البلدين، والثناء على الملك محمد السادس، الذي دعا إلى إحداث لجنة سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر، لمعالجة واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي".
ولم يعطِ حزب العدالة والتنمية تفاصيل عن موعد زيارته للجزائر وبرنامجها، واكتفى بالحديث عن أهداف الزيارة ولقاءاته المرتقبة مع التشكيلات الحزبية.
"المهمة مستحيلة"
مبادرة إسلاميي المغرب، في نظر الإعلامي الجزائري سفيان خرفي، تُضاف إلى سلسلة المبادرات التي قامت بها جمعيات ومنظمات من المغرب والجزائر وبعض الدول العربية والأجنبية، ولم تؤتِ أكلها.
لكنه يصفها بالمبادرة السياسية الكبيرة، من حزب يترأس الحكومة في المملكة المغربية، ومن شأنها أن تَلقى متابعة واهتماماً جزائرياً ومغربياً وحتى عربياً وعالمياً، لأنها تأتي مباشرة بعد دعوة محمد السادس للجلوس إلى طاولة الحوار مع الجزائر.
وعن نجاح أو فشل المبادرة، يقول خرفي: "صعب جداً أن تعود المياه إلى مجاريها في العلاقات المغربية-الجزائرية، بمجرد زيارة حزبية، لأن الملف أكثر تعقيداً، ويستحيل حله بعيداً عن تدخُّل أعلى هرم في سلطة البلدين".
أستاذ العلوم السياسية عبد الوهاب بلفوضيل يرى أن "المبادرة ستلقى ترحيباً من بعض الأحزاب، خاصة حركتي مجتمع السِّلم، والنهضة، ولكنها ستكون عقيمة بالنسبة للأحزاب الأخرى".
فحزب السلطة -حسب خرفي- "يتمسك بزمام الأمور في الجزائر، لأنه ببساطةٍ الحزب الحاكم، وَيعتبر ملف الأزمة بين الجزائر والمغرب له ارتباط وثيق برئاسة الجمهورية، ولا يحق لأحد النبش فيه، وهو ما سيجعله خارج دائرة الاهتمام بزيارة حزب العدالة والتنمية المغربي للبلاد".
ثاني أحزاب السلطة (التجمع الوطني الديمقراطي) لن يعير -في نظر بلفوضيل- أي اهتمام للزيارة، لأنه شريك في قرارات الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، وهو ما سيجعل مهمة "العدالة والتنمية" المغربي مستحيلة في إذابة الجليد.
ومن ثم، "فالمبادرة ستتوقف عند لقاء حميمي بين الأشقاء في الفكر والنظرة: حزب العدالة والتنمية المغربي، ونظرائه من حركة مجتمع السلم، والنهضة الجزائريَّين".
"الصحراء" هي التي ستُبقي العلاقات صماء
وترفض الجزائر تماماً فتح أي حوار مع المغرب، في حال عدم احترام موقفها الرسمي بشأن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والمغرب يعتبر قضية الصحراء شأناً داخلياً، ويتهم الجزائر بدعم جبهة البوليساريو، الجناح العسكري في الصحراء الغربية، للمطالبة بالاستقلال والانفصال.
هاتان النظرتان وتشبُّث كل دولة بما تراه من تقاليدها السياسية، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الوهاب بلفوضيل، "جعل من التقارب الجزائري-المغربي مستحيلاً، وزاد من تعقد الملف مع مرور السنوات".
ولو شاء المغرب أن يفتح شهية الجزائر للجلوس إلى طاولة الحوار -كما يرى محدثنا- "لتطرَّق المغرب في خطابه إلى مشكل الصحراء، وحصر الحوار بين الطرفين حول القضية، ومحاولة الخروج من هذا المأزق قبل الحديث عن تطبيع العلاقات في مجالات أخرى".
لكن ذلك، يضيف، "بعيد عن أجندات المغرب السياسية مع الجزائر، فهو يعتبر الصحراء ملكه، ويتصرف فيها كما يشاء، ولا يريد إقحام الجزائر -بأي صفة من الصفات- في هذه الأزمة التي طال أمدها".
"والجزائر بدورها، ترفض أي حوار خارج دائرة استقلال الصحراء الغربية ، وتَعتبر وجود المغرب في مناطق شمالي الصحراء استعماراً بجميع أركانه، وتطالب احترام موقفها كدولة ذات سيادة تطالب بتقرير مصير الصحراويين"، يضيف بلفوضيل.
وتعد مشكلة الصحراء الغربية من الحواجز المعقّدة، التي زادت من هوة العلاقات بين الجزائر والمغرب، وتركت الحدود البرية مغلقة مدة زادت على 20 عاماً، رغم أن الظاهر تفجيرات إرهابية واتهامات متبادلة.