قدم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) في الجزائر، جمال ولد عباس استقالته الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بسبب ما قيل إنها أزمة قلبية أرقدته بمستشفى عين النعجة العسكري، وستلزمه راحة طويلة الأمد، رغم أنه كان من أكبر المدافعين عن العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة .
الاستقالة المفاجئة، لم يعلنها مصدر رسمي من داخل الحزب أو من مؤسسات الدولة، وتأكدت فقط عند بثها على التلفزيون الجزائري العمومي ووكالة الأنباء الرسمية، وسط ذهول القياديين في الحزب الحاكم.
رحيل جمال ولد عباس، الذي قال ذات يوم، إن الجزائر أفضل من السويد في التحويلات الاجتماعية، وأفضل من الولايات المتحدة الأميركية في المشاريع العملاقة، اعتبره الجزائريون "إقالة" وليس "استقالة"، وطرداً من صفوف الحزب بعد نفاد صلاحيته.
قواعد اللعبة
حتى الساعة السادسة والنصف من مساء الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني، كان الغموض يخيم على مقر حزب جبهة التحرير الوطني، بأعالي العاصمة الجزائرية، فلا أحد من أعضاء المكتب السياسي (أقوى هيئة تنفيذية للحزب)، يدري ما إذا كان جمال ولد عباس قد استقال فعلاً أم أقيل، أم سيعود إلى مزاولة نشاطه؟
فبعد تجمع الصحافيين، أمام مبنى الستة الأحرار، للتأكد من الخبر، خرج عضو المكتب السياسي مصطفى بومهدي مصرحاً لهم بأن "الأمين العام تعرض صباح اليوم، لأزمة قلبية، ولم يقدم استقالته، ونحن بصدد نقل الدواء له وسيعود صباح الغد لمزاولة مهامه".
بومهدي، لم يكن يعلم حينها، أن الأمر حسم ببرقية لوكالة الأنباء الرسمية، التي أكدت "استقالة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، وتعيين رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب مؤقتاً لرئاسة قيادة جماعية للحزب".
وحسب مصدر قريب من المكتب السياسي للأفلان، فإن أطر الحزب صدموا لخبر استقالة ولد عباس، "لأنهم لم يلحظوا أدنى مؤشرات لقرب نهايته، خاصة أن التوقيت يتزامن وأيام قليلة على انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة".
وكشف المصدر لـ "عربي بوست"، أن قواعد اللعبة فرضت على ولد عباس الرحيل في هدوء، رغم وجع القرار لأنه "حينما جيء به في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016، خلفاً لعمار سعيداني، قيل له سترحل حينما نطلب منك ذلك".
وتلقى الأمين العام الأسبق، عمار سعيداني، قرار رحيله، في ظرف بريدي حمله إليه مبعوث خاص من رئاسة الجمهورية، في أشغال اللجنة المركزية للحزب، التي أعلن استقالته أمامها.
ويختلف الأمر مع ولد عباس، في غياب الجهة التي تلقت استقالته، فأين وضعها ولمن سلمها؟
كل شيء بيد الرئيس
استقال جمال ولد عباس، أم أقيل؟ لا يهم كثيراً هذا السؤال في نظر المراقبين، لأن المؤكد أن رئاسة الجمهورية الجزائرية وعلى رأسها عبد العزيز بوتفليقة، هي من تقف وراء هذا النوع من الهزات السياسية في البلاد.
فقد تأكد أن رحيل السعيد بوحجة بسلطة الأمر الواقع من على رأس البرلمان، كانت بأمر فوقي صادر عن الرئيس بوتفليقة، هذا الأخير، وحده من يملك سلطة الإشارة بإعدام ولد عباس سياسياً.
وفي السياق، أوضح مسؤول كبير في حزب جبهة التحرير الوطني لـ "عربي بوست"، أن "بوتفليقة هو الرئيس الفعلي للحزب، وفقاً لقرارات المؤتمر العاشر، حيث تم تزكيته في هذا المنصب وبالإجماع.
وأضاف أن رئيس الجمهورية، رئيس الحزب وفقاً للقانون الأساسي والنظام الداخلي للأفلان، يحق له تنحية الأمين العام، وتعيين من يشاء خلفاً له.
ولم تتلق محافظات حزب جبهة التحرير الوطني، أية مراسلة رسمية تؤكد استقالة جمال ولد عباس، إلى يوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وسبق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أن أصدر قراراً سنة 2014، يقضي بإقالة الأمين العام الأسبق عبد العزيز بلخادم، من منصبه كمستشار برئاسة الجمهورية، وإقصائه بشكل نهائي من صفوف حزب جبهة التحرير الوطني.
شرف الاستقالة
حينما غادر عمار سعيداني الأمانة العامة للأفلان، سنة 2016، تحدثت المصادر يومها عن مقاومته بشدة قرار الإقالة من رئاسة الجمهورية، وأصر على الاستقالة أمام اللجنة المركزية"، ليحصل على شرف المغادرة الطوعية الذي لم يتأت لسابقيه الذين أطيح بهم بانقلابات سحب الثقة.
وكانت خطيئة سعيداني الكبرى، تهجمه على الضباط السابقين للجيش الجزائري، الذين يلقبون بـ "ضباط فرنسا"، أي الذين التحقوا بالثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة، فارين من صفوف الجيش الفرنسي.
ولا شك أن جمال ولد عباس، قد منح هو الآخر "شرف الاستقالة"، نظير ما قدمه على رأس الحزب طيلة سنتين و3 أسابيع، وبالأخص وفاءه للرئيس بوتفليقة الذي يردده في كل ظهور إعلامي، لكنه ارتكب دون شك خطأً لا يغتفر.
أجمعت المصادر التي تحدثت إلى "عربي بوست"، على أن جمال ولد عباس تعرض فعلاً لنوبة قلبية عجلت بنقله إلى المستشفى العسكري بعين النعجة بالعاصمة، "نوبة حدثت بعد تلقيه مكالمة هاتفية في الصباح الباكر، من يوم الأربعاء تخبره بأن مهامه انتهت، وأن عليه المغادرة في صمت".
ضحية الصراع
رحيل جمال ولد عباس، قبل أيام قليلة عن انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، وقبل أشهر قليلة عن رئاسيات 2019، وبطريقة غامضة، أثار تساؤلات عديدة حول خلفية قرار إزاحة أحد أقوى المدافعين في العلن عن العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
كل الأنظار توجهت إلى الصراع الذي نشب، قبل أيام بين وزير العدل الطيب لوح المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني، والوزير الأول أحمد أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي.
ففي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، هاجم الطيب لوح في تجمع له بمدينة وهران، أحمد أويحيى بطريقة شرسة، قائلاً: "مشروع قانون المالية 2019، اقترح ضرائب كبيرة على المواطن البسيط عند استخراجه الوثائق البيومترية، لكن عندما وصل لمجلس الوزراء أسقطت جميعاً، من فعل ذلك؟ إنه الرئيس بوتفليقة". في إشارة إلى أن أويحيى حاول إثقال كاهل المواطنين بضرائب مبالغ فيها.
وتابع لوح: "في سنوات التسعينات، تعرضت أطر الجمهورية إلى سجن تعسفي، وهو ما لن يحدث اليوم بفضل رئيس الجمهورية"، وشغل أويحيى سنوات التسعينات منصب رئيس الحكومة ووزير العدل، وحدثت وقتها حملة الأيادي البيضاء التي أدت إلى سجناء إطارات الدولة في إطار مكافحة الفساد.
واضطر حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إلى إصدار بيان يندد فيه بما وصفه بـ "تطاول" وزير العدل على أحمد أويحيى بغرض النيل من شخصه.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كشف جمال ولد عباس، عن موقفه من الصراع قائلاً "إن تصريح الطيب لوح، لا يلزم حزب جبهة التحرير الوطني، وتحدث كوزير للعدل وليس كمناضل في الحزب".
وبالنسبة للصحافي المتخصص في الشأن السياسي، عبد الوهاب بوكروح، فإن "ولد عباس دفع الثمن غالياً عندما انحاز لأويحيى على حساب الطيب لوح"، مضيفاً: "كيف غاب عن ولد عباس، أن لوح وزير أفلاني، وكان يدافع بشكل قوي عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي هو رئيس الحزب أيضاً".
وتابع بوكروح لـ "عربي بوست" أن "موقف ولد عباس من صراع لوح-أويحيى، يعتبر ارتماءة في حضن الأخير، وكان عليه أن يستوعب جيداً تأكيد لوح أنه لن يعتذر أبداً عن تصريحاته".
وقال عضو قيادي في حزب الأفلان، إنه "إذا كان هناك سبب للتخلص من الأمين العام العام في هذا الظرف، فدون شك هو موقفه من التراشق بين الوزير الأول ووزير العدل"، وأضاف العضو الذي رفض الكشف عن هويته "بالنسبة لي كمناضل في الحزب، ارتكب ولد عباس خطأً سياسياً كبيراً، كان عليه أن ينتصر للحزب مهما كان الأمر".
وبالنسبة للمحلل السياسي وليد أشرف، فإن إزاحة ولد عباس من على رأس الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، يدخل ضمن "مستلزمات معركة 2019″، وقال لـ "عربي بوست" إن "ولد عباس اقترب كثيراً من أحمد أويحيى، وقد يكون الأمر تحالفاً في الخفاء لدعم الأخير في حالة رفض بوتفليقة الترشح لعهدة خامسة".
واعتبر المتحدث لـ "عربي بوست"، أن "تصرف ولد عباس في أزمة البرلمان، أغضب الجزائريين، كما أن خرجاته المتعددة جعلت منه مهرجاً سياسياً، وليس في صالح بوتفليقة الذهاب نحو عهدة خامسة بالاعتماد على أمثال هؤلاء"، لتتوالى المفاجآت السياسية في بلد المليون شهيد ويصبح السؤال من التالي؟