اعتبر موقع Stratfor الأميركي الشهير، أن عملية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، قد تدفع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، إلى التنازل عن بعض صلاحياته لأمراء آخرين في العائلة المالكة، حتى يتمكَّن من استمرار فرصة في الوصول إلى اعتلاء عرش المملكة.
وقال الموقع الأميركي، الأربعاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أدى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا إلى حالة ارتباكٍ أصابت العائلة الملكية السعودية، إذ إنَّ ما يبدو من ردةَ الفعل الدولية الناجمة حتى الآن، أنها وَرَّطت السعودية.
وأضاف الموقع الأميركي، فهذه التداعيات ستجبر أعضاء الأسرة الحاكمة على الاتحاد من أجل مواجهة ردة الفعل العنيفة. فابتعث الملك سلمان الأمير خالد الفيصل، أمير مكة، إلى تركيا لمحاولة نزع فتيل أزمة مقتل خاشقجي، واستدعى في الوقت ذاته السفير السعودي لدى الولايات المتحدة للحضور إلى الرياض.
وبحسب الموقع، من المؤكد أنَّ الأزمة ستؤثر على العائلة الملكية من الداخل، لاسيما أنَّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يكافح من أجل تجنُّب اللوم الدولي، فيما تُنكر الرياض -أمام الرأي العام على الأقل- أن يكون ولي العهد متورطاً في عملية الاغتيال. وعلى الأرجح هناك حالةٌ محمومةٌ من التنافس والجدال بين أبناء آل سعود الآن؛ لأنَّ ولي العهد خلق بلا شكٍ أعداءً له في العائلة أثناء تعزيز سلطاته. فكونه ثاني أحفاد مؤسس السعودية، ونظراً لسنه الصغيرة تجاوز الأمير محمد بإعلانه ولياً للعهد عشراتٍ من الأمراء، وفقاً لنموذج الخلافة التقليدي. وبمجرد أن تستقر الأمور المحيطة بمقتل خاشقجي، سوف تستمر الضغوط على ولي العهد لِتَشَارُكِ السلطةِ مع باقي أفراد العائلة، هذا إذا لم تزد هذه الضغوط.
خلافة العرش
قبل تتويج الملك سلمان في 2015، كانت السعودية تُحكم فعلياً من خلال توافق الآراء بين الفروع المختلفة للعائلة الملكية، وكان جميعهم من أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. حدث تنافسٌ بين فروع العائلة، غير أنَّ أبناء الملك البالغ عددهم 36 تقاسموا فيما بينهم قدراً كبيراً من السلطة والنفوذ، ليؤسسوا فعلياً إقطاعياتٍ صغيرة في المفاصل المختلفة للدولة. على سبيل المثال، فالفرع الذي يُطلق عليه "السديريون السبعة"، وهو فرع يضم سبعة من الأشقاء من أبناء الملك عبدالعزيز بمن فيهم الملك سلمان، أحكم سيطرته على وزارتي الدفاع والداخلية. فيما آلت السيطرة على وزارة الحرس الوطني ذات الأهمية الكبيرة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية إلى الأمير عبدالله -الذي صار ملكاً لاحقاً- وأبنائه.
وبحسب الموقع إلى جانب هذه الإقطاعيات، التي سمحت للأمراء أن يُنشئوا شبكاتٍ هائلة من الموالاة، نادراً ما اتخذ الملك قراراتٍ مهمة من دون استشارة بقية أفراد العائلة. ولعل هيئة البيعة التي أسسها الملك عبدالله تقدم خير توضيحٍ لهذا المبدأ. فهذه الهيئة، التي أُسست في عام 2007 من أجل إدارة عملية الخلافة في السعودية ومواجهة نفوذ السديريين السبعة، تمنح صوتاً لكل ابن من أبناء الملك عبدالعزيز، أو أحد أبنائهم إذا توفي الأب أو صار فاقداً للأهلية، باستثناء الاثنين اللذين لم يكن لديهما وريثٌ ذكر قبل وفاتهما. بالرغم من هذا، فشلت الهيئة في الحد من نفوذ السديريين السبعة، لأنَّ الملك سلمان صار في نهاية المطاف الملك الحاكم، ليعين لاحقاً حفيدين من أحفاد الملك المؤسس، وهم أيضاً من أبناء السديريين السبعة، في منصب ولي العهد: وهما الأمير محمد بن نايف، والأمير محمد بن سلمان.
منذ انتزاعه قدراً كبيراً من السلطة، سعى محمد بن سلمان لتعديل هذا النظام بطريقتين رئيسيتين. حاول ولي العهد السعودي من خلال أولى هاتين الطريقتين أن يعيد تنظيم شبكات الموالاة في السعودية، كي تُدار من خلاله، ومن خلال حلفائه حصرياً، ومن ثم تقييد قدرة أيٍّ من المنافسين على تحديه عن طريق تكوين شبكات الدعم الخاصة بهم. وعمل أيضاً على تقويض شبكات الموالاة الحالية للأمراء الآخرين، بما في ذلك الشبكات الخاصة بأبناء الملك عبدالله في وزارة الحرس الوطني. وسعى ولي العهد من خلال الطريقة الثانية لتنظيم مؤسسات الدولة السعودية وعملية اتخاذ القرارات ليصبح هو في مركزها.
أخرج ولي العهد تقريباً جميع المنافسين الرئيسيين من المناصب الرسمية في الحكومة السعودية، بما في ذلك ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، الذي فقد منصب وزير الداخلية، وهو أحد المناصب الأكثر نفوذاً في المملكة، ليتولّاه أحد أبناء إخوته، وهو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف. ليس الأمير عبدالعزيز ابناً من أبناء الملك المؤسس، ولا حفيداً من أحفاده، بل إنَّه أحد أبناء الأحفاد، وهو ما يجعل الأمر صعباً عليه لتحدي الأمير محمد بن سلمان على ولاية العهد (والأكثر من هذا أنَّه يُعتقد أنَّ الأمير عبدالعزيز أحد حلفاء ولي العهد الحالي).
وفي سياقٍ آخر، أقال وليُّ العهدِ الأميرَ متعب بن عبدالله، الذي شغل منصب وزير الحرس الوطني سابقاً، واستبدله بأمير ينحدر من فرعٍ صغير من آل سعود، وليس أحد أبناء الفرع الحاكم من أبناء الملك عبدالعزيز. ومن ثم فإنَّ بديل الأمير متعب لا يمكنه تحدي محمد بن سلمان.
والآن، يجلس ولي العهد تقريباً على قمة جميع أجهزة اتخاذ القرار المتعلقة بالأمن والاستخبارات والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية أيضاً إلى حدٍّ ما. وقد أحاط نفسه أيضاً في حالاتٍ كثيرة بأشخاصٍ موالين له من غير أبناء العائلة الملكية، وذلك بدلاً من الأمراء. يرأس محمد بن سلمان على سبيل المثال مجلس الشؤون السياسية والأمنية، الذي يشرف على السياسات العامة على الصعيدين الأمني والسياسي، لكنَّ هذا المجلس لا يضم من أبناء العائلة الملكية سوى أميرين آخرين: وهما بديل الأمير محمد بن نايف، الذي لا يشكل أي تهديد لمحمد بن سلمان، والأمير متعب بن عبدالله، بحسب الموقع الأميركي.
ويُعتبر هذا المجلس مختلفاً إلى حدٍّ ما عن سلفه، وهو مجلس الأمن الوطني، الذي ضمَّ ثمانيةً من كبار أبناء العائلة الملكية عندما ألغاه الملك سلمان في عام 2015، واستبدل به المجلس الجديد. وعلى صعيد الاستخبارات، تولّى ولي العهد مسؤولية إصلاح جهاز الاستخبارات، حتى عندما تعلق الأمر بالاستجابة لمقتل خاشقجي.
تبدو التكهنات التي تشير إلى أنَّ العائلة الملكية السعودية يمكن أن تغير خطة الخلافة غير مستندة إلى أي أساس، نظراً إلى الحصانة التي يتمتع بها محمد بن سلمان. غير أنَّ السؤال الذي لا يزال يلوح في الأفق هو ما إذا كان نظامٌ تحت هيمنة ولي العهد يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى توزيعٍ أفضلٍ للسلطة والثروة بين أبناء آل سعود، خارج دائرة المؤيدين المقربين لولي العهد، لمحاكاة التوازن الذي وُجد قبل تتويج الملك سلمان. وربما ليس من الضروري أن يشمل مثل هذا التوزيع للسلطة جميع سلالات أبناء الملك المؤسس، بل يمكن أن يتضمن دائرةً أصغر، ويشمل جميع أبناء عمومة محمد بن سلمان أو حلفاء مختارين من السلالات المختلفة لأبناء الملك المؤسس.
كل أبناء الملك
لم يبق على قيد الحياة من بين أبناء الملك عبدالعزيز البالغ عددهم 36، الذين وصلوا إلى سن الرشد سوى تسعة أبناء، بمن فيهم الملك سلمان. بيد أنَّ أغلب هؤلاء الأشقاء، الذين صاروا الآن هرمين، إما أنَّهم هُمِّشوا عمداً من خط الخلافة قبل سنواتٍ طويلة، أو أنَهم مُنعوا من تقلد أي مناصب رئيسية يمكن أن تؤهلهم لتولي موقع القيادة. تنبع مثل هذه القرارات من القادة السابقين من أبناء العائلة الملكية، الذين سعوا إلى تركيز السلطة في قواعد التأييد الخاصة بهم، ومن ثم حرمان الأبناء الأصغر من الفرص التي تمتع بها الإخوة الأكبر. ونتيجة لهذه المكائد، لا يوجد سوى عدد قليل نسبياً من الأشخاص الذين يمكنهم موازنة النفوذ القوي لولي العهد.
ومع ذلك، من المرجح أنَّ كبار أبناء العائلة الملكية سوف يحاولون التصدي لولي العهد، الذي يتمتع بنفوذٍ كبيرٍ، وتفكيك أجزاء من سلطته الأحادية في الأشهر القادمة. أحد هؤلاء الأشخاص الأقوياء الذين يمكنهم موازنة نفوذ محمد بن سلمان هو الأمير أحمد (75 عاماً)، شقيق الملك سلمان، وأحد السديريين السبعة، الذي فَضَّلَ المنفى الاختياري في لندن خوفاً من إمكانية اعتقاله ضمن حملة التطهير التي قادها ولي العهد. عاد الأمير أحمد، في 30 أكتوبر/تشرين الأول إلى السعودية، بعد الحصول على ضماناتٍ من السلطات البريطانية بأنَّ الرياض لن تحتجزه.
وقضى أحمد سنواتٍ عديدة بالجهاز الحكومي السعودي، أكثرها في منصب نائب وزير الداخلية، رغم أنَّ الملك عبد الله هَمَّشَه من خط الخلافة. وانتقد الأمير أحمد إصلاحات محمد بن سلمان، وانتقد كذلك ممارسات ولي العهد في اليمن، ما أثار شائعاتٍ بأنَّ معارضي ولي العهد يدعمون الأمير أحمد بدرجةٍ ما. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يبرز الأمير باعتباره موازناً لنفوذ محمد بن سلمان داخل العائلة الملكية، حتى لو لم يتحدى محمد بن سلمان مباشرةً على منصب ولي العهد، بحسب الموقع الأميركي.
كان الأمير مقرن (73 عاماً)، وهو أصغر أبناء الملك عبد العزيز الأحياء، أول مَن عيَّنه الملك سلمان ولياً للعهد، قبل أن يتخذ الملك قراراً بأنَّ الملك القادم سيكون من أحفاد الملك عبد العزيز، وليس من أبنائه. شغل الأمير مقرن عدداً من المناصب بالحكومة، وضمنها رئاسة جهاز الاستخبارات العامة القوي مدة 7 سنوات. وكان الأمير حليفاً للملك عبد الله، لكنَّ قاعدة الدعم الخاصة به تضاءلت في السنوات الأخيرة، بسبب حملات التطهير التي يقودها ولي العهد.
وبخلاف الأميرين مقرن وأحمد، فإن أبرز أبناء الملك عبد العزيز الأحياء هما الأمير بندر والأمير طلال. بندر هو أكبر الأبناء الأحياء ويبلغ من العمر 95 عاماً، ولم يشغل أي منصبٍ رسمي. في حين يُعرف الأمير طلال بأنَّه قائد حركة الأمراء الأحرار في الستينيات، التي روجت للأفكار الليبرالية ووضع الدستور، على الرغم من أنه وجَّه انتقاداتٍ حادة إلى التغيرات التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية. لم يتقلد طلال منصباً رسمياً منذ الستينيات، لكنَّه صار رجل أعمال ثرياً، مثلما هو الحال مع أبنائه، ومن ضمنهم أغنى رجل في السعودية الأمير الوليد بن طلال. ينضم إلى الأبناء الآخرين الأحياء الأمير متعب، والأمير عبد الإله، والأمير ممدوح، والأمير مشهور.
نزاعات بين الجيل الجديد من أجل السلطة
مثلما هو الحال مع أبناء الملك عبد العزيز الصغار، لم يحظَ العديد من أوائل أحفاد الملك السعودي إلا بفرصٍ قليلة في الحكومة، إذ إنَّ أغلب أحفاد الملك عبد العزيز من أبنائه الكبار، مثل الملك سعود والملك فيصل والملك خالد، لم يحصلوا على الفرص التي حصل عليها أبناء عمومتهم الأباعد. ففي ريعان شباب هؤلاء الأحفاد، حصل أعمامهم على العديد من المناصب المرموقة. وعندما استُبعد هؤلاء الأعمام في نهاية المطاف، رسَّخت النخبة الجديدة، وهم الملك فهد والملك عبد الله والملك سلمان، أبناءهم في المناصب العليا بالسلطة. لذا صار الأحفاد من أبناء الملك عبد العزيز من الجيل الأوسط هم أصحاب الحظوة والسطوة.
فقدت هيئة البيعة قوتها منذ وصول الملك سلمان إلى العرش، لكنَّ كثيراً من الفروع الأقل نفوذاً بالعائلة تُقدِّم بعض النصائح والآراء إلى الملك فيما يتعلق بالخلافة. وعلى الرغم من عدم بروزهم في الوقت الحالي، فإنه يمكن أن يظهر بعض هؤلاء الأمراء ليصيروا حلفاءَ لفصيلٍ يعارض محمد بن سلمان، أو يشكلوا تحدياً ناشئاً في مواجهة ولي العهد (وإن كان ذلك مستبعَداً)، أو ربما يصبح هؤلاء مجرد بيادق في يد ولي العهد، بحسب الموقع الأميركي.
على الرغم من أنَّ محمد بن سلمان هَمَّش أبناء عمومته الذين يشكلون أكبر تهديدٍ لسلطته، ولا سيما سلفه في منصب ولي العهد الأمير محمد بن نايف، إضافةً إلى وزير الحرس الوطني السابق الأمير متعب بن عبد الله، يمكن أن تبرز أهمية الأميرين مرةً أخرى بطريقةٍ ما، وإن حدث ذلك بطريقةٍ غير مباشرة. وفي ظل نظامٍ يستمر خلاله محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، ليس من المرجح أن يتصدر كلاهما واجهة الأحداث في أي نظامٍ جديدٍ يمارس توافق الآراء المعهود سابقاً، لكنَّهما قد يمارسان نفوذاً من خلال آخرين يمثلون فرعهما في العائلة. ففي النهاية، يحتل العديد من أبناء عمومة الأمير محمد بن نايف وأبناء إخوته مناصب قوية. ويعتبر الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، الأكبرَ سناً في هذا الفرع، ولا يزال عضواً في هيئة البيعة، وفي الوقت ذاته استُبدل ابنه الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بمحمد بن نايف في منصب وزير الداخلية.
في الوقت نفسه، فقد أبناء الملك عبد الله مواقع نفوذهم منذ وفاة أبيهم، بسبب خلافاته مع السديريين السبعة. وبخلاف الأمير متعب، يضم الأبناء الآخرون الأقوياء الأمير مشعل بن عبد الله، الذي شغل منصب أمير منطقتي مكة ونجران فترة طويلة؛ والأمير خالد بن عبد الله، وهو وكيل الحرس الوطني السعودي بالقطاع الغربي سابقاً والحاكم السابق للرياض؛ إضافةً إلى الأمير تركي بن عبد الله، الذي اعتُقل في حملة التطهيرات التي اضطلع بها ولي العهد في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. ولدى فرع عبد الله علاقاتٌ قوية مع القبائل القروية في السعودية، ما يعني أنَّه لا يزال لديهم حلفاء؛ حتى لو كان ولي العهد قد أخضع العديد منهم لحملةٍ تطهيرية لإخراجهم من الحرس الوطني، وذلك منذ إقالة الأمير متعب.
ورغم أنَّهم قليلون من حيث العدد، نجح بعض الأحفاد البارزين بفروعٍ أخرى في الاحتفاظ بقدرٍ من السلطة. يعتبر الأمير خالد الفيصل واحداً من هؤلاء الأحفاد البارزين، فهو أمير مكة الحالي، واختاره الملك سلمان للذهاب إلى تركيا، للتخفيف من حدة أزمة مقتل خاشقجي. وأخوه الأمير تركي الفيصل المعهود بصراحته، والذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات وسفيراً سابقاً، لا يزال شخصيةً بارزةً بين العائلة الملكية، رغم أنَّه لم يتقلد مناصب حكومية منذ أكثر من عقدٍ من الزمان. وكانت للأمير تركي أيضاً علاقاتٌ وثيقة مع خاشقجي، إذ كان الأخير مستشاراً له. ويُضاف إلى هؤلاء الأمير فيصل بن بندر حاكم الرياض، وهو ابن الأمير بندر أكبر أبناء الملك عبد العزيز الأحياء.
وبحسب الموقع الأميركي، ناضل أغلب الأمراء كي يحظوا بمناصبَ رسميةٍ، لكنَّهم في الوقت نفسه برزوا في مجتمع الأعمال السعودي، ما جعلهم يحققون قدراً كبيراً من النفوذ الاقتصادي. واستهدف ولي العهد مثل هذه الشخصيات في حملته التي تسعى بظاهرها إلى تطهير الفساد؛ ويُعزى ذلك إلى سببين: الأول أنَّه يريد الوصول إلى كيانات الأعمال الخاصة بهم، والثاني أنَّه يريد أن يُبقي على خيوط الثروة قرب يديه. يدعم العديد من هذه الرموز التحرر الاجتماعي، ومن ضمنهم الأمير الوليد بن طلال، الذي اعتُقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأشارت تقارير إلى أنَّه أُجبر على التنازل عن مليارات الدولارات من الأسهم في إمبراطوريته التجارية، وهي شركة المملكة القابضة، وذلك مقابل إطلاق سراحه. وثمة شخصية أخرى، وهو الأمير عبد العزيز بن فهد، الذي كان يملك قبل اعتقاله نصف مجموعة MBC، وهي أكبر شركة إعلامية خاصة في الشرق الأوسط.
وبالطبع، سعى محمد بن سلمان لتمكين إخوته وحلفائه، وكان أبرز هذه المساعي تعيين أخيه الأمير خالد بن سلمان، خلال العام الماضي (2017)، في منصب السفير السعودي لدى الولايات المتحدة؛ وهو منصب دبلوماسي رفيع، يواصل شاغلوه عادةً مسيرتهم نحو مناصب أكبر وأفضل في الحكومة. ويسيطر اثنان من إخوة الأمير محمد الأكبر منه، وهما فيصل وعبد العزيز، على مناصب رئيسية: وهي على التوالي منصب أمير المدينة ووزير الدولة لشؤون الطاقة. وتضم الرموز الأخرى التي يمكن أن تدعم ولي العهد، الأميرَ عبد العزيز بن سعد، أحد أحفاد مؤسس السعودية، والأمير فيصل بن خالد بن سلطان ابن أحد أحفاد الملك المؤسس، وقد صار الأول أميراً لمنطقة حائل في 2017، في حين عُيِّن الثاني أميراً لمنطقة الحدود الشمالية في العام الماضي أيضاً.
على الرغم من أنَّ محمد بن سلمان لم يجلس بعدُ على عرش المملكة، فقد حاز لنفسه الآن مستوى من النفوذ لم يصل إليه قبله سوى قليلين في المملكة. وتسببت حالة الاشمئزاز العالمي من اغتيال خاشقجي بإسطنبول في تسليط الضوء على العائلة الملكية، لكنَّ التكهنات التي تشير إلى أنَّ التداعيات سوف تؤدي إلى إبعاد ولي العهد لا تستند إلى أي أساس. وحتى لو تمنى منتقدو محمد بن سلمان داخل الأسرة إخراجه من المنصب، فإنَّ ولي العهد يتمتع الآن بسلطاتٍ موسعة، ما يجعل نجاح أي محاولةٍ داخلية للانقلاب مسألة مستبعَدة. غير أنَّ ذلك لا يعني أنَّ ولي عهد المملكة لن يكون عليه تَشَارُكُ بعض السلطة المتعلقة بتحديد المسار المستقبلي للسعودية مع بعض أقاربه.