بعد أربع سنوات من اندلاع أزمة مصفاة تكرير البترول " سامير "، وتعاظم الخسائر الناجمة عن تعطيل الإنتاج بها، قررت المحكمة التجارية بالدار البيضاء، الإثنين 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مصادر ة ممتلكات الملياردير السعودي محمد العمودي ، مالك المصفاة، واليمني جمال باعامر، المدير العام السابق لنفس الشركة، وعدة مسؤولين تنفيذيين.
وأُدرجت قضية "سامير"، التي تسيطر عليها شركة "كورال بتروليوم" السويدية التابعة لـ "العمودي" كملف قضائي، بعد الأزمة التي وصلت إليها، نتيجة تراكم الديون المستحقة لفائدة الدولة المغربية، وهي عبارة عن مستحقات ضريبية، وأخرى لفائدة البنوك، وتقدر بالمليارات.
بدأت حكاية "سامير" عام 2015، حين عانت المصفاة البترولية الوحيدة من نوعها بالمغرب، التي تبلغ طاقتها 200 ألف برميل يومياً، من صعوبات مالية، مُعلنةً أنها ستُوقِف الإنتاج في بعض الوحدات، مسجلةً خسائر صافية قياسية بلغت 2.5 مليار درهم، أي نحو 257 مليون دولار في 2014، عازية الأمر إلى إعادة تقييم المخزون بعد هبوط أسعار النفط عالمياً.
بعد عام من ذلك، وبالتحديد في مارس/آذار 2016، توقَّفت مصفاة "سامير" لتكرير البترول، الموجودة بمدخل مدينة المحمدية، بعيداً عن العاصمة الرباط بـ64 كيلومتراً، بعد أن قضت المحكمة التجارية بالبيضاء بتصْفِيتها، بسبب تراكم الديون عليها لفائدة الجمارك والبنوك، التي بلغت 43 مليار درهم، ما يعادل 5.4 مليار دولار.
صراع العمودي مع المغرب
بشهادة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، كانت خطوة المملكة المغربية القاضية بخَصْخصة قطاع حساس من قبيل الطاقة والبترول، وبيع مصفاة البترول الوحيدة بالبلاد لشخص أجنبي "قراراً خاطئاً" وقف تعبيره، متابعاً أنه "من غير المعقول احتكار القطاع من جهة واحدة".
الاحتكار كان من أهم شروط العمودي الذي قبِل اقتناء المصفاة منتصف تسعينيات القرن المنصرم، حين دخل المغرب في أزمة اقتصادية كبيرة، لم يتردد معها العاهل الراحل الحسن الثاني بالقول "إن البلاد مقبلة على السكتة القلبية".
حيث قامت الحكومة المغربية آنذاك بإغلاق السوق المغربي أمام المستوردين المغاربة، في مجال تسويق المحروقات، محددة عام 2004 لرفع احتكار شركة "سامير" للقطاع.
حاجة المملكة المغربية إلى ضخ العملة الصعبة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية جعلتها تُفوّت مجموعة من المؤسسات العمومية المملوكة للدولة، ومن بينها الشركة المغربية الوحيدة المتخصصة في تكرير البترول الخام المستورد من الخارج لفائدة الملياردير السعودي.
غير أنه وابتداء من عام 2015، دخلت الشركة في أزمة، بعدما تخلَّف "العمودي" عن تسديد قروض الشركة للدولة والبنوك، بدعوى عدم امتلاكه للأموال اللازمة لذلك، وهو ما جعل الحكومة تُشدِّد موقفها مع المساهم السعودي.
بعد ذلك بشهور، وضعت الحكومة المغربية خطةً لتسديد العمودي لجزء من الضرائب والديون المتراكمة لفائدة الجمارك والبنوك، بالإضافة إلى ضخِّ أموال في حساب الشركة حتى تستطيع العودة إلى العمل. في وقت تعهَّدت الحكومة بضمان حقوق المستخدمين بـ "سامير"، الذين يفوق عددهم 1000 عامل، بعدما عجز "العمودي" عن الوفاء بأداء رواتبهم، وغادر نحو لندن، دون تقديم أي جواب للحكومة بشأن خطة الإنقاذ.
العمودي.. اختفاء غامض!
واعتُقل العمودي في نوفمبر/تشرين الثاني2017، في حملة واسعة نفذتها السعودية بتوجيه من ولي العهد محمد بن سلمان، وشملت رجال أعمال وأمراء ووزراء حاليين وسابقين، داخل فندق "الريتز كارلتون".
في يناير/كانون الثاني 2018، أعلن النائب العام سعود المعجب، أن القيمة المقدّرة لمبالغ التسويات مع أشخاص مفرج عنهم -لم يكن العمودي من بينهم- تجاوزت 107 مليارات دولار، وحتى الآن لم تُفرج السعودية عن العمودي، ولا تعرف عائلته مكان وجوده.
وتقدر ثروة الملياردير -الذي يُعد أحد كبار رجال الأعمال على المستويَين المحلي والعالمي- بـ13 مليار دولار، وسبق أن وصفته مجلة "فوربس" بأنه أغنى "شخص أسود" في العالم.
العمودي إمبراطور الاستثمار
وينحدر الملياردير السعودي -الذي كانت تجمعه علاقات مميزة مع ملوك سعوديين سابقين- من أصول يمنية، حيث ولد عام 1946 بإثيوبيا لأب يمني الأصل وأم إثيوبية، وانتقل إلى السعودية يافعاً، وحصل على جنسيتها في ستينات القرن الماضي.
بدأ العمودي استثماراته في مجال المقاولات والبناء، وفازت شركته عام 1988 بعقد قيمته 30 مليار دولار لبناء مجمع ضخم لتخزين النفط تحت الأرض بالسعودية، وتعدَّدت شركاته واستثماراته في إثيوبيا والقارة الإفريقية كذلك.
وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بكونه الرجل الذي يمتلك معظم إثيوبيا لضخامة استثماراته وامتدادها لقطاعات عديدة، منها التعدين والتنقيب عن الذهب والزراعة، كما تمتد استثماراته نحو السويد، خاصة في مجال النفط، عبر مجموعة "كورال"، حيث نال وسام نجمة الشمال الملكية السويدية من الملك كارل السادس عشر.
كما سبق للعمودي أن أعلن عن تبرعه بـ88 مليون دولار، لصالح بناء سد "النهضة"، ويشارك في إنشائه من خلال مصنعي إسمنت في إثيوبيا، يتم توريد معظم إنتاجهما لإنشاء السد.
مثله مثل الأمير الوليد بن طلال، امتدَّ نفوذ العمودي نحو الولايات المتحدة الأميركية، عن طريق مؤسسة كلينتون التي تبرع لها بملايين الدولارات، وقدَّم طائرته الخاصة لتنقل الرئيس الأميركي الأسبق، لتنقله في رحلة نحو إثيوبيا عام 2011.