يرى محللون أن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، قد يعيد خلط الأوراق بالشرق الأوسط من خلال تعزيز النفوذ التركي فيه على حساب السعودية، وسط صراع يدور بين البلدين على دور الزعامة في العالم الإسلامي.
وهذا تحديداً هو الهدف الذي يسعى إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أحد داعمي جماعة الإخوان المسلمين، التي تُعتبر العدو اللدود للسعودية وحلفائها، وفي طليعتهم الإمارات العربية المتحدة ومصر.
وإن كانت جريمة قتل خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بأيدي وحدة أُرسلت من السعودية، أضرّت بصورة الرياض، فإن احتمال ضلوع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، هو الذي قد ينعكس بشكل دائم على نفوذ المملكة.
ويرى المحللون أنه في حال ثبت ضلوع محمد بن سلمان، فإن ذلك سيمنح أردوغان ورقة ضغط على ولي عهدٍ ضعُف موقعه، كما أنه قد يحمل حتى الأسرة الحاكمة على إقصائه، ولو أن هذا السيناريو مستبعَد.
وتقول لينا الخطيب، مسؤولة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "تشاتام هاوس"، إنَّ "قتل خاشقجي أعطى أردوغان فرصة ذهبية للضغط على السعودية، وإظهار تركيا في موقع الزعيم الجديد للعالم الإسلامي".
وتضيف أن "أزمة خاشقجي تنطوي على رهان جيوسياسي هام لتركيا، التي تعطي انطباعاً بأنها تدير المسألة بمهارة. لكن، لا يمكن أن تدفع تركيا وحدها باتجاه رحيل محمد بن سلمان. والكرة بهذا الصدد في الملعب الأميركي".
"فرصة" لأردوغان
وفي صلب هذا الرهان "الجيوسياسي" بالنسبة لأردوغان، إعادة تعويم جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى السعودية وحلفاؤها لتهميشها في العالم العربي، لا سيما في مصر بعد الانقلاب العسكري عام 2013، وتعرضت لحملة قمع دامية نفذها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
كما سيسعى الرئيس التركي لانتزاع تنازلات من السعودية بشأن قطر، التي تقيم علاقات مميزة مع تركيا والخاضعة لحصار تفرضه عليها الرياض وحلفاؤها منذ يونيو/حزيران 2017.
ويقول سونر كاجبتاي، من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط": "أعتقد أن أردوغان يرى فرصة لتحدي التفاهم الثلاثي في الشرق الأوسط بين السعودية بزعامة محمد بن سلمان، والإمارات برئاسة محمد بن زايد، ومصر برئاسة السيسي"، موضحاً أن "هذه الدول العربية الثلاث تتصدى لسياسة أردوغان".
ويعتبر رئيس "مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية" في إسطنبول، سنان أولغن، أن "إضعاف محمد بن سلمان يشكل انتصاراً لأردوغان، في ضوء موقف تركيا بشأن قطر والإخوان المسلمين".
لكنه يضيف: "يجب أن نرى ما إذا كانت أنقرة ستتمكن من تحويل الأوضاع الحالية إلى مكسب ثابت يعزز نفوذها الإقليمي على حساب السعودية".
ويرى نيكولاس هيراس، من "مركز الأمن الأميركي الجديد"، في قضية مقتل خاشقجي "آخِر فصل حتى الآن في المنافسة القائمة بين تركيا والسعودية على زعامة العالم الإسلامي".
"تحجيم محمد بن سلمان"
ويتابع: "من الواضح أن أردوغان يعتقد أن بإمكانه استخدام قضية مقتل خاشقجي لتحجيم محمد بن سلمان، والسعودية معه".
وبتفاديه توجيه التهمة مباشرة إلى ولي العهد السعودي، يسعى أردوغان لإبقاء الضغط عليه، في رأي كريم بيطار من "معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية".
ويقول بيطار إن "أردوغان يدرك أن بحوزته سلاحاً يمكن أن يُضعف محمد بن سلمان على الساحة الدولية، وهو يرى كيف يمكنه تحقيق أكبر قدر من المكاسب بعد هذا الخطأ السعودي الفادح".
إن كان الإخوان المسلمون رهاناً هاماً لأردوغان، فإن الخبراء يشيرون إلى أن الغربيين، وبصورةٍ خاصةٍ واشنطن، يلزمون الحذر حيال الجماعة. وستتوجه ضغوطهم على محمد بن سلمان نحو وقف الحرب في اليمن ورفع الحصار عن قطر.
ويقول ستيفن كوك، من "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي: "أتوقع أن ينتهي الحصار المفروض على قطر في مستقبل قريب، وأن يجد السعوديون وسيلة لدعم جهود الأمم المتحدة حيال اليمن".
ويشير بيطار من جهته، إلى أن الإدارة الأميركية تعول على دعم ولي العهد السعودي خطة السلام، التي يتوقع أن تطرحها لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني ولجهودها لاحتواء إيران.
ويرى من ثم، أن واشنطن قد تدفع محمد بن سلمان إلى "تقارب مع إسرائيل، والحفاظ على خط متشدد حيال إيران".