وصف أكاديمي بريطاني غياب الحرية الأكاديمية في الإمارات بـ"الأمر المرعب"، وقال إن أي تطرُّق إلى الملفات التي تعتبرها الدولة حساسة قد ينتهي بصاحبه إلى السجن، حتى لو بمجرد تغريدة.
طالب الدكتوراه البريطاني ماثيو هدجز، على سبيل المثال، كان يجري بحثاً عن تأثير الربيع العربي على السياسة الإماراتية الخارجية وأمنها الاستراتيجي.
وعندما انتهى من جمع معلوماته ولقاءاته وفي طريقه للعودة، اعتقلته السلطات الإماراتية في المطار، ووجهت إليه تهمة التخابر لصالح دولة أجنبية.
الإمارات تتعهد بمحاكمة هدجز محاكمة عادلة ووفق الدستور
قبع هدجز 5 أشهر في السجن، والأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بدأت أولى جلسات محاكمته.
وأصدرت وكالة الأنباء الإماراتية إعلاناً عن وزارة الخارجية، جاء فيه: "أكد محمد عبيد الزعابي، مدير إدارة شؤون الرعايا الأجانب في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أن معاملة المواطن البريطاني ماثيو هيدجز تتماشى تماماً مع الالتزامات بموجب قانون دولة الإمارات والمعايير الدولية"
وأضافت أنه "تم توفير الرعاية الطبية والنفسية المستمرة بالشكل المناسب، والمحافظة عليها منذ إلقاء القبض عليه".
كما تعهدت بأن تتم محاكمته ضمن ما ينص عليه الدستور الإماراتي. لكن زوجته تقول شيئاً آخر، وكذلك زملاؤه الأكاديميون.
وزوجته وزملاؤه يقولون عكس ذلك ويطالبون بريطانيا بالتدخل الفوري
أكثر من 123 أكاديمياً حول العالم وقَّعوا على عريضة تطالب بإطلاق سراح طالب الدكتوراه في جامعة درهام، الذي تم احتجازه منذ 5 مايو/أيار 2018 في سجن انفرادي.
وطلبت زوجته، دانيلا تيادا، من الحكومة البريطانية التدخل وإعلان أنه لم يكن يعمل لصالحها.
العريضة أشارت أيضاً إلى تدهور صحته النفسية والجسدية، وفق ما نشرت شبكة الـBBC.
الجامعات العالمية تصطدم بحائط الحرية الأكاديمية في الإمارات
ولكن بعيداً عن حالة هدجز الطبية، فإن قضيته فتحت ملف الحرية الأكاديمية في الإمارات والتعاون الأكاديمي بينها وبين بريطانيا.
إذ افتتحت العديد من الجامعات البريطانية، مؤخراً، أفرعاً لها في سائر الإمارات.
فالإمارات تمثّل وجهة جذابة لجامعات المملكة المتحدة التي تفتقر إلى المال؛ نظراً إلى وجود العديد من الطلاب الأثرياء المهتمين بالحصول على مؤهلات من مؤسسات ذات تصنيف عالمي.
على سبيل المثال، فتحت جامعة برمنغهام حرماً لها بدبي في سبتمبر/أيلول 2018. وقبلها جامعة نيويورك والجامعة الكندية وحتى السوربون الفرنسية.
ورغم حداثة المباني الجامعية فإن الفكر مقيّد وقديم
وفي مقال نُشر بالتزامن على صحيفتي The Independent البريطانية وThe Conversation الأسترالية، تطرق الباحث في شؤون علم الاجتماع الدكتور جون ناجل إلى كواليس الحياة الأكاديمية بالإمارات.
قضى ناجل 4 أشهر في الجامعة الوطنية بالإمارات أستاذاً زائراً، لكنه قال إنه أدرك بسرعةٍ حدود ما يُسمح له بالحديث عنه أو العكس.
ورغم أنه أعرب عن رغبته في زيارة الدولة مجدداً، فإنه توقع أن مقاله قد يتسبب في مشاكل مع السلطات الإماراتية، التي تراقب كل شيء، على حد تعبيره.
يقول ناجل: "قضيت 4 أشهر هذا العام (2018) أستاذاً زائراً في الجامعة الوطنية بالإمارات. أعجبت بالكثير من الأشياء في جامعاتهم".
وأضاف: "يُجرون الأبحاث في جامعات مجهزة بأحدث التجهيزات على مستوى عالمي يثير الرهبة والغيرة في نفوس الأكاديميين الزائرين".
ووصف الطلاب بأنهم شديدو الحماسة، ويجعلون التدريس لهم مجزياً للنفس.
ثمن ميزات تقدُّم وتفوُّق الجامعات الإماراتية هو الحرية الاكاديمية
واعتبر ناجل أن هناك ثمناً كبيراً لكل هذه الميزات التي يعيشونها، وهو الحرية الأكاديمية.
وقال: "عادة ما يُمنَع الأكاديميون من دخول البلاد؛ لأنهم يُصنَّفون كتهديدٍ أمني؛ الأمر الذي أدى إلى زعزعة اتفاقيات تعاون بين العديد من الجامعات المحلية والأجنبية".
كما حصل مع جامعة New York University، التي امتنع العديد من أساتذتها عن التعليم في فرعها بأبوظبي بعدما مُنع أستاذان من الدخول إلى الإمارة عام 2017″.
وهناك سجلٌّ متزايد باعتقال أكاديميين في الإمارات
وقال ناجل إن الأكاديميين يجدون أنفسهم يُعتقَلون عشوائياً بتهم النشاط في مجال حقوق الإنسان.
كما حصل مع أحمد منصور، الذي اعتُقل أيضاً عام 2017 بعد تغريدات نشرها، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات، وفق ما أوضحه تقرير لمنظمة Amnesty لحقوق الإنسان.
الربيع العربي جعل الدولة متوترة وخائفة من النخبة
ناجل استكمل مقالته، معتبراً أن دوافع فرض القيود على الحرية الأكاديمية تنبع من هوس السلطات بإحكام قبضتها على أي نشاط قد يشكل تهديداً على الأمن والسلطة.
فالدولة يملؤها التوتر من الفوضى التي أطلقتها احتجاجات وتظاهرات الربيع العربي، وستفعل أي شيءٍ لتوقف تصدير هذا إلى حدودها.
وتوقع أن "أي لمحة معارضة للنخبة الإماراتية، أو مطالبة بالمزيد من الحريات، ينتج عنها حملة أمنية قمعية. وتمثل المساحات التي من المحتمل أن تعزز الديمقراطية على الإنترنت والشبكات الاجتماعية تحديداً محل اشتباه".
من الجدير ذكره أنه في عام 2012، جعل قانون الجرائم الإلكترونية الاعتقال مقبولاً لأي خطاب يُرى أنه مدمِّر للدولة، وفق ما نشرته صحيفة The National الإماراتية.
ويبدو أن بحث هدجز ضرب وتراً حساساً في ظل أجواء سياسية متوترة
ففي الشأن الإقليمي، تشارك الإمارات في الحصار المفروض على قطر. وفي حين يتم الحصار بتهمة "دعم الإرهاب"، إلا أن ناجل أرجع السبب الحقيقي إلى قناة الجزيرة، التي وصفها بـ "شوكة في حلق ممالك الخليج".
كما تطرق إلى ما توصلت إليه شبكة BBC من معلومات عن رسائل إلكترونية لجهودِ ضغطٍ من جانب الإمارات لإقالة وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون؛ لعدم دعمه الإمارات ضد قطر.
فضلاً عما توصل إليه روبرت مولر من محاولات ممكنة من جانب الإمارات لكسب نفوذ سياسي عن طريق ضخ أموال في حملة دونالد ترمب الرئاسية عام 2016، نشرتها صحيفة Wall Street Journal.
الحراك المقبل في شوارع الإمارات قد يتم على يد طلبتها
اكتشف ناجل في الأشهر الأربعة التي قضاها في الإمارات، أن التعليم يخدم وظيفة مختلفة عما اعتاده أكاديميو الغرب، لناحية حرية التعبير والفكر النقدي.
وبدلاً من تعزيز التفكير النقدي، يستند التعليم في الإمارات إلى منطق تكنوقراطي. تتلخص وظيفته في مساعدة المجتمع على حل المشكلات المجتمعية الصعبة والحفاظ على الوضع القائم ثابتاً.
أثنى ناجل على نسبة الطالبات المرتفعة في الجامعة الوطنية والتي تصل إلى 90%.
وإذا ما كانت وظيفة الأكاديميات حل المشاكل الاجتماعية فحسب، فإنها أثبتت فشلها فيما يتعلق بمشاكل المرأة الإماراتية.
إذ في حين تنكب على الدراسة لتحقيق نفسها، يُطلب منها أن تحافظ على دورها التقليدي كأم وزوجة. وهو ما يفسر حصول أعلى نسب طلاق في الإمارات؛ لأن النساء يطالبن باستقلالية أكبر.
في أثناء التدريس وجد ناجل الطالبات تحديداً مجتهدات للغاية، ومتفاعلات، وطموحات يحركهن تزايُد فرص العمل. وتنبّأ بأن تكون مسألة حرية التعبير هي المهمة التالية على يد الطلبة.
وكاتب هذا المقال يدرك أنه بات مكروهاً من قِبل السلطات الإماراتية
وأخيراً، من الواضح أن بحث هدجز تطرق إلى موضوع خلف الخطوط الحمراء، التي أدركها ناجل مبكراً، على حد وصفه.
إذ قال: "قد استمتعت كثيراً بالوقت الذي قضيته في الإمارات كأكاديمي، وليس بوسعي الشكوى من أي تجربة شخصية سيئة. ولكني تعلَّمت بسرعةٍ حدود الحرية الأكاديمية. أودُّ العودة، ولكن أخشى أنه حتى كتابة هذا المقال قد تجعلني مكروهاً لدى السلطات الإماراتية".