قالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن قادة البلاط السعودي سعوا لغسل أيديهم من جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بإلقاء اللوم في مقتله على عصابة من كبار ضباط المخابرات.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال إنَّ التفسير السعودي لموت خاشقجي ذو مصداقية، وشدد على أنَّ العقوبات لن تُطبَّق وهذه خطوة للأمام للبلاط السعودي بالاعتراف بأنَّ القتل قد جرى بعد أسبوعين من الإنكار، بما في ذلك إنكار ولي العهد محمد بن سلمان نفسه في لقاءٍ صحافي مع وكالة Bloomberg. حسب صحيفة The Guardian البريطانية
وسوف يكون من المغري الآن لحلفاء السعودية، ولا سيما الولايات المتحدة، التجاوز عن مقتل خاشقجي والاعتراف بالسعودية بصفتها شريكاً لا غنى عنه في الخصومة مع إيران، التي اعتبرتها واشنطن خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط.
لا شيء يشبه السياسة في تجاوزها للأمور، ومن المحتمل أن ينجح ترمب، البارع في تشتيت الانتباه، في تغيير الأجندة السياسية قبل الانتخابات النصفية، ليترك العلاقة مع السعودية وبن سلمان دون تغيير.
سوف تستمر أميركا في التعامل مع النظام السعودي، لكن من مسافةٍ أبعد. وسوف تؤجل مسألة البلورة المتوهجة التي لمسها ترمب في الرياض إلى يومٍ آخر.
الصحيفة البريطانية استطردت بالقول، إن ذلك يفترض أنَّ الفاعلين الأساسيين الآخرين راغبون في التجاوب مع ما وصفه رئيس الاستخبارات البريطانية الأسبق السير جون ساورز بأنَّه تفسيرٌ خيالي، وهو أنَّ محاولات البلاط الملكي لإقناع خاشقجي بالعودة لم تنتهِ على ما يرام، فتشاجر الطرفان، وقُتِلَ خاشقجي بطريقة ما، وحاولت المجموعة المذعورة من العملاء التغطية على خطئهم. قليلون من يصدقون هذا التفسير، والسؤال هو إذا ما كانوا سيتظاهرون بتصديقه.
سوف يكون الرد الأهم من طرف تركيا. فقد تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان مع الملك سلمان مساء الجمعة لسماع نتائج التحقيق السعودية والرد المخطط.
أما التحقيقات التركية فلم تكتمل. وربما تكتشف مكان جسد خاشقجي مُقطَّع الأوصال، وربما تكون قادرةً من خلال تسجيل الصوت على إثبات أنَّ موته لم يكن حادثة، وإنَّما اغتيالاً مع سبق الإصرار.
لكن من الصعب إثبات أنَّ بن سلمان قد أصدر أمراً بقتل خاشقجي. وألقي القبض على جميع العناصر ذات الصلة في السعودية، ومن غير المحتمل السماح لهم بالظهور في محاكمةٍ علنية لشرح أنَّهم كانوا ينفذون أوامر من المستويات العليا في المملكة.
أما إطاحة بن سلمان أو إضعافه فلا بد لها من مطالباتٍ من داخل الأسرة المالكة، ومجتمع الأعمال السعودي، وربما المؤسسة الدينية.
لكنَّ تعيين ولي العهد للإشراف على إصلاح وتحديث قطاع المخابرات السعودي الذي أُعلن عنه يوم الجمعة لا يدل حتى الآن على أنَّه قد أُضعف داخلياً.
ولا يعني ذلك أنَّ هذه الحادثة لن تكون لها تبعات دبلوماسية. فرد الفعل الأولي من الفاعلين الأساسيين في الكونغرس، مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، كان متشككاً.
سوف تكون هناك ضغوط على ترمب لفرض عقوباتٍ والحد من الدعم الأميركي للسلوك السعودي في ما يخص الحرب في اليمن.
وسوف يجد ترمب نفسه في موقفٍ هش لو ثبت أنَّ الاستخبارات الأميركية كانت على علم بوجود تهديد لحياة خاشقجي ولم تنقل ذلك له أو لأسرته المكلومة.
أما في المملكة المتحدة، فقد شدد وزير الخارجية جيريمي هنت على أنَّ التحقيق السعودي ينبغي أن يكون مستقلاً وذا مصداقية، وهما معياران لم يلتزم بهما حتى الآن.
ويبدو أنَّ التلطف مع ولي العهد وتملق الحكومة البريطانية المحافظة له في شهر مارس/آذار كان أمراً خاطئاً.
وكشفت مقابلة صحافية مطولة لوزير الخارجية في ذلك الوقت بوريس جونسون مع قناة العربية قبل زيارة بن سلمان عن بلدٍ جبان راكعٍ على ركبتيه.
لكن لا يمكن للمملكة المتحدة تحديد التراتبية في البلاط السعودي، وقد شددت مراراً وتكراراً خلال الأسبوعين الفائتين أنَّ المملكة شريكٌ استراتيجي.
ربما لا يجد ولي العهد نفسه مدعواً لشرب الشاي مع الملكة مرة أخرى، لكنَّ العقود التي تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات الإسترلينية المتاحة للمشروعات البريطانية من برنامج التنويع السعودية سوف تشكل رد فعل الحكومة البريطانية.
لقد استفادت المملكة المتحدة من حقيقة أنَّ وزير التجارة ليام فوكس لن يحضر القمة الاقتصادية في الرياض الأسبوع القادم. لكنَّها لم تستفد الكثير من استمرار حضور السفير البريطاني في السعودية أو المفوض التجاري للشرق الأوسط.
وفي هذا الصراع الأزلي بين المال والأخلاق، فإنَّ المملكة المتحدة التي انفصلت عن الاتحاد الأوروبي وتحتاج إلى الأسواق، لديها خيارات أقل.