"إنه هو، لا شك لديَّ في ذلك"، هذا ما أكده شرطي إسباني وهو يشاهد شريط فيديو ظهر فيه تاجر المخدرات فرانسيسكو تيخون الذي استغل موجة الهجرة السرية ليهرب، ممتطياً سيارة "بنتلي" فارهة، قبل أن يُستقبل داخل منزل، لتحيط به نساء نصف عاريات.
الفيديو كليب المصوَّر بطريقة احترافية، وفق مشاهدات الشرطة الإسبانية، أظهر تاجر المخدرات المعروف باسم "إيسكو" رفقة مغنٍّ كوبي يدعى "كلاس إي"، فيما صعَّبت المقاطع الموسيقية من مهمة الشرطة، في محاولتها لكشف زمان ومكان تصويره، الذي يُرجَّح أنه بالجنوب الإسباني.
مُحتفلاً بفراره من السجن بعدما اعتقل عام 2016 على خلفية تورطه في قضايا الترويج والاتجار بالكوكايين، لا بُدَّ أن "إيسكو" كان يتحدى رجال الشرطة حين أقدم على الظهور على شبكات التواصل الاجتماعي الإسبانية عبر شريط فيديو تمت مشاهدته 40 ألف مرة قبل أن يتم حذفه من "يوتيوب"، فيما يُرجِّح ضباط الأمن الإسبان أن تاجر المخدرات توجد حالياً خارج إسبانيا، متنقلا ما بين جبل طارق والمغرب.
المغرب.. مخبأ فارٍّ من العدالة!
تحقيقات أمنية أشارت إلى أن تاجر المخدرات نجح في دخول المغرب، بعد فراره من السجن في إسبانيا، مستعملاً قارباً من نوع "غوفاست" (الشبح) للالتحاق بالسواحل المغربية الشمالية، مستغلاً قوارب الهجرة السرية النشيطة خلال هذه الفترة بين ضفتي القارتين الإفريقية والأوروبية.
"غوفاست"، "الفونْطوم" أو "القارب الشبح"، نال شهرة واسعة خلال الفترة الأخيرة بالمغرب، وبات المغاربة يتداولون اسمه أكثر من أي فترة مضت، مع انتشار إعلانات مجهولة المصدر على شبكات التواصل الاجتماعي، تؤكد نقل الراغبين في الهجرة السرية مجاناً نحو الضفة الأخرى.
هرب المجرم الإسباني المصنف ضمن الفئة "A" صوب الديار المغربية بواسطة "الفونطوم" ليس الأول من نوعه، فهناك مواطن إسباني آخر كان يقود هذا الزورق مُقِلّاً مجموعة من مرشحي الهجرة السرية، تم اعتقاله نهاية سبتمبر/أيلول المنصرم، بعد إطلاق البحرية الملكية النار عليه، ما تسبَّب في مقتل شابة وجرح 3 آخرين.
الهجرة السرية .. هل باتت غطاء للإجرام؟
حول هذا الموضوع الذي يُنبئ بجعل الهجرة السرية غطاء للإجرام العابر للقارات، يرى إدريس افتيس، المنسق العام لمرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن خطورة الوضع لم تعد تتوقف عند تسهيل خروج الشباب المغاربة من البلاد بطرق غير شرعية، وتعرضهم للموت غرقاً في البحر، بل يتعداه إلى إمكانية تعريضهم للانضمام لجماعات إرهابية ومتطرفة تستقطبهم بالخارج، زيادة على إمكانية استغلالهم في التهريب الدولي للمخدرات وترويجها.
وقال الفاعل الحقوقي والقانوني لـ "عربي بوست"، إن الأحداث المذكورة طفت إلى السطح بالفعل مؤخراً، بعد توجه مافيا التهريب الدولي للمخدرات بين إسبانيا والمغرب، نحو الاتجار بالبشر من خلال حملات التهجير غير النظامية للشباب، بعد تضييق الخناق عليها، لتهريب المخدرات.
واعتبر المتحدث أن تسلل تجار المخدرات بين ضفتي المغرب وإسبانيا تحصيل حاصل، بالنظر إلى قرب المسافة بين البلدين، والإمكانات اللوجستية التي تتوفر عليها المافيا.
من جانبها لا تظن خديجة عيناني، الفاعلة الحقوقية الناشطة في مجال الهجرة، أن الهجرة السرية هي السبب في استقطاب المجرمين نحو المغرب، مشيرة إلى أنَّ إلصاق هذا الوصف بالهجرة ذريعة لا غير، حيث يتم استغلال مثل هذه الأحداث التي يمكن أن تقع في كبريات الدول للتضييق على المهاجرين واللاجئين، وفق تعبيرها.
نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أوضحت أن مافيات كبيرة وخطيرة تُنسق لحماية مثل هذا البارون الإسباني الفار من عدالة بلاده بعيداً عن قوارب الموت، ذلك أن هارباً من العدالة وتاجر مخدرات حتماً ستتوفر له من الإمكانات والآليات الكثير، لضمان تنقُّله وحمايته من المافيا نفسها.
ولحماية أمن المواطنين وسلامتهم، يوصي المنسق العام لمرصد الشمال، البلدين الجارين بتكثيف الجهود من الناحية الأمنية، لتضييق ومحاصرة مافيا التهريب الدولي والاتجار بالبشر، وتشديد العقوبات على المتورِّطين، وعدم التساهل معهم من الناحية القانونية، وإعطاء الأولوية في المشاريع التنموية للشباب.
أما نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فتعتبِر أن ما تقوم به "الدول الإمبريالية الكبرى" من تدخل في شؤون الدول، ونهب خيراتها ومواردها، ودعم الاستبداد بها هو ما دفع آلاف الشباب والمواطنين إلى الرغبة في الهجرة السرية ، ولو على حساب المخاطرة بأرواحهم.