لم تكن ليلة السبت 6 أكتوبر/تشرين الأول، ليلةً عادية، فبعد 5 أيام من اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي (59 عاماً) حسمت تركيا مصيره، الرجل مقتول! بل أكثر من ذلك، فقد أكدت مصادر خاصة تعذيبه قبل القضاء عليه، وهو الخبر الذي حبس أنفاس الكثيرين!
بدءاً من خطيبة خاشقجي التي سارعت إلى نشر تغريدة على حسابها على تويتر، رفضت فيها تصديق مقتله: "جمال لم يقتل"، فخديجة جنكيز (35 عاماً) كانت آخر من رآه قبل أن يدخل القنصلية السعودية، كانت تنتظر عودته ومعه ورقة تسهل لهما زواجهما الذي لم يتم.
جمال لم يقتل ولا اصدق أنه قد قتل …! #جمال_الخاشقجي #اختطاف_جمال_خاشقجي pic.twitter.com/5SHyIEqqiT
— Hatice Cengiz / خديجة (@mercan_resifi) October 6, 2018
"هذا أمر مروّع"، بهذه العبارة اختصر المحلل سايمون هاندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة بمعهد واشنطن، ما قرأه عن مقتل خاشقجي، وخاصة أنه واحد من المحللين المتابعين للشأن السعودي، الذين تكهَّنوا بمصير الإعلامي السعودي الغامض لحظة اختفائه، فقد وضع هاندرسون احتمالات مختلفة لم يكن إحداها موته.
يقول هاندرسون لـ "عربي بوست" إن "العالم مصدوم، فالقضية اليوم أكبر من ثنائية سعودية- تركية"، وهاندرسون واحد من كثيرين ينتظرون اليوم التفاصيل التي وعدت المصادر الأمنية التركية بالإفصاح عنها، والدليل الذي تملكه حول مقتل خاشقجي.
ويرافق انتشار ذلك الدليل بحسب توقعات هاندرسون تفجُّر أزمة في العلاقات السعودية- التركية، يقول "سيقوم الأتراك بسحب سفيرهم من الرياض للتشاور، وقد يصرّون أيضاً على إغلاق القنصيلة وطرد القنصل العام".
ولكن الأهم من ذلك كله، ما موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دولياً، لأنه داخلياً لن يجرؤ أي سعودي على التعليق عمَّا جرى لخاشقجي "سيحتفظون بتعليقاتهم لأنفسهم" بحسب وجهة نظر هاندرسون، فالكل يعلم أن "الخطيئة المحتملة لخاشقجي هي انتقاد ولي العهد السعودي، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة".
لكن ما الذي ينتظر محمد بن سلمان دولياً؟
باختصار، يقول هاندرسون لـ "عربي بوست": "حتى إذا لم يتم تأكيد التورُّط السعودي بنسبة 100%، فسوف يجد محمد بن سلمان نفسه مضطراً للإجابة عن الكثير من الأسئلة من قادة العالم الآخرين".
ويضيف: "من الواضح أن ولي العهد السعودي لم يأخذ بعين الاعتبار الآثار المحتملة لهذه الخطوة على واشنطن، حيث كان يعيش خاشقجي، فهو يريد استثمارات غربية ويحتاج إليها، أما المستثمرون فيرحّبون بحكومة قوية، لكنهم لا يحبون عدم القدرة على التنبؤ، وأي شيء قد يزعج حملة الأسهم".
إذاً "قد يمتنع المستثمرون عن إنهاء الصفقات مع المملكة".
ما الذي يفكر فيه ولي العهد السعودي من وراء تلك الخطوة؟
سؤال تردَّد على أذهان الكثيرين، منهم هاندرسون، الذي استشهد بمقولة أخبره بها دبلوماسي أوروبي عن محمد بن سلمان "أنا أعلم ما يقوله محمد بن سلمان، لا أعلم ما الذي يفكر فيه!"
ولكن المعلومة الأكيدة أن السعودية لا تزال حساسة للغاية تجاه النقد، الذي تحدَّث عنه صراحة خاشقجي في مقالاته التي ينشرها في صحفية واشنطن بوست، إحداها بعنوان "إن عدم الانتقاد من شأنه تمكين الحكام السلطويين من إنكار الحقوق المدنية لشعوبهم".
الصحيفة التي سارعت بالتصريح أن مقتل خاشقجي سيمثل تصعيداً صادماً في إسكات المعارضة السعودية، ويضيف على ذلك هاندرسون كل من تتناقض كتاباته مع شخصية محمد بن سلمان، وهو ربما واحد منهم.
يقول: "كنت في اجتماع مع مسؤول سعودي بارز أنهى حديثه بالقول "إذا كان شخص هنا يريد الحصول على تأشيرة ليخبرني وسوف أساعده على الحصول عليها" فأجبته "هل ستساعدني في الحصول على تأشيرة؟" فأجاب: "سنمنحك تأشيرة، ثم سنُبقيك". وضحك الجميع إلّا أنا.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه كثيرون خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول مقتل خاشقجي، فضَّل الباحث السياسي ستيفان لاكروا هو الآخر الانتظار وعدم الإدلاء بأي تحليل، فأستاذ العلوم السياسية والمتابع عن كثب الأوضاع في المملكة، اكتفى بالقول لـ "عربي بوست" إن ما حصل "إذا كان صحيحاً فهو كارثة وجنون!"، فهو يفضل الحصول على دليل للخبر!
ولي العهد المتهور
ما يقوم به ولي العهد، حسب ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye يُبدد أسطورة العلاقات العامة التي صُرِف عليها جيداً،والتي ورَّطت صحافيين أمثال توماس فريدمان، الصحافي بصحيفة The New York Times الأميركية، وديفيد إغناتيوس زميل جمال بصحيفة The Washington Post الأميركية، اللذين أشادا بمحمد بن سلمان باعتباره مُصلِحاً.
إذ كتب إغناتيوس أنَّ ولي العهد السعودي كان يُقدِّم لبلاده "علاجاً بالصدمة". لم أكن أظن أنَّ صحيفته تدعم إجراء الجراحات الفصّيّة (عبارة تهكُّمية؛ لأنَّ تلك العمليات كانت تهدف لعلاج بعض الأمراض النفسية والعقلية، لكنَّها تسبَّبت في آثار جانبية ونتائج سلبية كثيرة).
ويؤكد هيرست أنَّ محمد بن سلمان صادِمٌ فعلاً، لكنَّه ليس طبيباً نفسياً، بل شخصاً انتقامياً؛ فهو يحمل الضغائن، ومتصلبٌ لأقصى حدٍّ. وهو بالقطع لا يحمل أي احترام لسيادة أي دولة أخرى أو أراضيها أو محاكمها أو إعلامها. إنَّه متهور، وفكرة أنَّه تعيَّن عليه فعل هذا العمل الجريء في إسطنبول، فوق الأراضي التركية، مقياسٌ لمدى تهور ولي العهد السعودي والدائرة الضيقة المحيطة به.
وبحسب هيرست فإن العلاقات بين السعودية وتركيا تتدهور باطراد منذ المحاولة الانقلابية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل عامين. وكان واضحاً الجانب الذي انحازت إليه وسائل الإعلام السعودية التي تديرها الدولة في ليلة الانقلاب، إذ خصَّصت وسائل الإعلام تلك تغطية كاملة، وكل المُعلِّقين الذين ظهروا فيها كانوا يقولون إنَّ أردوغان إمَّا لقي مصرعه أو فرَّ من البلاد.
كان نجاح أردوغان في تجاوز تلك الليلة نبأً سيئاً بحقٍّ للرياض.
وتطلَّب الأمر من وكالة الإعلام التابعة للدولة السعودية 16 ساعة لتدرك أنَّ الانقلاب لم ينجح، وأصدرت بياناً يعرب عن "ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي".
فترة دقيقة
يستحضر هيرست العلاقات بين أنقرة والرياض ويقول: "ما زالت تلك الذكريات مؤلمة، خصوصاً في الرئاسة التركية. وفكرة أنَّ محمد بن سلمان ربما خاطر بدفع العلاقات السعودية مع تركيا إلى مستوى منخفض جديد باختطافه صحافياً بارزاً على أرض أردوغان تُمثِّل مؤشراً آخر على مدى تقلُّب الحاكم المقبل للمملكة".
وإذا تأكد ذلك، حسب صحيفة Newyork Times، فإن عملية القتل قد تؤدي إلى فضيحة دولية للسعودية، وتشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 33 عاماً، والذي وصف نفسه بأنه يقوم بإصلاحات اجتماعية في المملكة.