في إنجاز لوجيستي مبهر، عقب أسبوعين من إسقاط الطائرة الروسية في سوريا من قبل الدفاع الجوي السوري خطأً، نقلت روسيا منظومة دفاع جوي صاروخية طراز "إس-300" كاملة إلى قاعدة حميميم الجوية التابعة لها في سوريا.
وتطلَّب نقل المنظومة إجراء 7 رحلات طيران على الأقل باستخدام طائرة "أنتونوف إن-124" أقلعت من مدينة مورمانسك الروسية، وسارت في مسار غير مباشر فوق العراق وإيران، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول، وصول منظومة "إس-300" إلى سوريا، موضحاً أنها ستُضَم إلى نظام الدفاع الجوي الموجود حالياً في سوريا، بحلول 20 أكتوبر/تشرين الأول، وسيُدَرب الجنود السوريون على استخدامها خلال 3 أشهر.
ولكن تظل هناك أسئلة مرتبطة بالقدرة الحقيقية منظومة صواريخ إس 300؟
وهناك قائمة طويلة من الأسئلة التي لم تُقدَم لها إجابات وافية بشأن الخطوة الروسية: هل بطاريات "إس-300" التي أرسلت إلى سوريا هي الأحدث بين سلسلة هذه المنظومة؟
فالاختلافات بين أنظمة الرادار والصواريخ يمكن أن تسفر عن عواقب للقوات الجوية الأخرى التي تحلق في المنطقة. وما هو العدد الحقيقي لمنصات الصواريخ التي نُقِلَت إلى سوريا؟ ونظراً إلى أنَّ روسيا تدير بالفعل منظومة "إس-400" الأكثر تطوراً من إس 300 من قاعدة حميميم، فهل ستُدمَج المنظومة الجديدة ببساطة في شبكة الدفاع الجوي الموجودة هناك، لتُحسِّن من التغطية الرادارية وتوفر المزيد من الخيارات لتعقب الأهداف القادمة وتعترضها؟ أم هل الهدف الوحيد منها هو تسليح نظام الأسد مباشرة بمنظومة دفاع مستقلة ومتطورة؟ إضافة إلى منظومة إس 400 التي يمتلكها ويديرها الروس في سوريا.
وقالت السفارة الروسية في جمهورية جنوب إفريقيا عبر حسابها على موقع تويتر: "وزارة الدفاع الروسية تنشر أولى الصور، ومقطع فيديو لوصول منظومة الدفاع الجوي الصاروخية "إس -300" إلى #سوريا. والهدف منها هو الحفاظ على الأمن في المجال الجوي السوري".
ولكن ما يثير التساؤلات أكثر هو سرعة تسليم الروس هذه المنظومة للسوريين
وتثير كذلك السرعة المفاجئة لعملية التسليم تساؤلات. فحتى القوى العسكرية الكبرى مثل روسيا لا تتوفر لديها هذه الأنظمة في متناول يديها.
ولا يمكن أيضاً تصور أن روسيا سحبتها من كتيبة دفاع جوي منتشرة على جبهة أمامية؛ ومن ثم فإنَّ هذه البطاريات إما وصلت من مخزن أو كانت مُشغَّلة حديثاً، وكانت على أية حال في طريقها لأن تُستَبدَل بها أنظمة أحدث.
مما يقود إلى تساؤل حول السر وراء سرعة تزويد روسيا لسوريا بهذه المنظومة.
فروسيا أعلنت نشر الصواريخ بعد اتهامها إسرائيل بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية
تحدثت روسيا سابقاً عن إمكانية تسليح حلفائها السوريين بأنظمة "إس-300".
لكنَّ هذه الخطوة أُعلِنت بشكل رسمي في أعقاب إسقاط طائرة "إليوشن إي إل 20″، وفُسِّرَت على أنها خطوة ستزيد من صعوبة عمل القوات الجوية الإسرائيلية في سماء سوريا.
وعندما تم إسقاط الطائرة الروسية في سوريا، اتَّهمت موسكو إسرائيل بأنها ارتكبت عملاً "استفزازياً" تسبَّب في سقوط الطائرة، بشنِّ هجوم على منشأة إنتاج صواريخ سورية إيرانية قرب مدينة اللاذقية السورية.
ولكنها الآن توقفت عن ترديد الاتهامات.. هل كان إسقاط الطائرة الروسية في سوريا مجرد ذريعة؟
في الأيام الأخيرة، سكتت روسيا عن توجيه خطابها ضد إسرائيل، ولم يتطرق شويغو إلى ذكر إسرائيل في إعلانه وصول "إس-300" إلى سوريا.
إذاً هل هذه الخطوة مجرد ردٍّ على حادثة إسقاط "إليوشن"؟ أم أنَّ هذه الحادثة مجرد ذريعة اتَّخذتها روسيا لإحداث تغيير أوسع في استراتيجيتها في سوريا؟ حسبما تتساءل الصحيفة الإسرائيلية.
تقول الصحيفة الإسرائيلية: إذا سلَّمنا بظاهر الأمر، فسنجد أنَّها مجرد ذريعة، لإرسال صواريخ إس 300 إلى سوريا.
إذن، هل ستمنع صواريخ "إس-300" إسرائيل من قصف الأهداف داخل سوريا؟
إنَّ منظومة "إس-300" لن تمنع إسرائيل من قصف الأهداف الإيرانية في سوريا، حسب Haaretz.
لكنها ستغير من العوامل المحيطة بتنفيذ هذه الغارات، وستدفع إسرائيل للعودة إلى النمط التشغيلي الأقل الذي اتسمت به ضرباتها في سوريا سابقاً، قبل أن يأخذ الساسة وكبار القادة العسكريون الإسرائيليون في التفاخر بتنفيذ مئات الهجمات في سوريا.
إذ تقول الصحيفة إن إسرائيل تتمتع بالمعرفة والخبرة، لديها ومن المعدات ما يُمكِّنها من مراوغة منظومة "إس-300".
ولكن حقيقة الدفع ببطاريات إضافية يشغّلها جنود روس على الأرض، تستلزم مزيداً من الحذر. ومن شأن وجود معدات أكثر تطوراً أن يساعد الحليفتين، روسيا وسوريا، على منع وقوع المزيد من الحوادث المؤسفة، وتجنب حادثة أخرى يُطلِق فيها السوريون صواريخ روسية الصنع على طائرةٍ روسية.
ولكن الأمر لا يقتصر على إعاقة الإسرائيليين، فبوتين يحضِّر لمرحلة تخفيض قواته بسوريا
ومع ذلك، هناك خيارات أخرى أصبحت متاحة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ إذ قال الأربعاء، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إنه يرغب في أن ترحل جميع القوات الأجنبية "في النهاية" عن سوريا.
ومن المحتمل أنه يقترب من لحظة "اكتمال المهمة"، في ظل استعادة الأسد السيطرة على أغلب أجزاء سوريا، فلماذا إذاً يجازف بأرواح المزيد من الجنود الروس؟ ، حسبما تتساءل الصحيفة.
يُذكَر أنَّ الرئيس بوتين أدلى بتصريحاتٍ مشابهة في الماضي، ومع ذلك استمر الوجود الروسي بسوريا، ولكن إذا كان يلوح في الأفق خفض حجم القوات الروسية تدريجياً بسوريا، فمن المنطقي أن تعمل موسكو على رفع كفاءة أنظمة الدفاع الجوي لنظام الأسد عن المعدات السوفييتية الحالية التي يستخدمها. لكنَّ بوتين يُفضِّل أن يكون لديه أكبر قدرٍ ممكن من الخيارات المتاحة؛ ومن ثم فمن غير المرجح أنه سيرحل قريباً، وفقاً لما تراه الصحيفة الإسرائيلية.
فهو يريد أن يجعل الأسد قوياً في مواجهة قوى أخرى كتركيا
وقد يكون الأسد آمناً إلى حد ما في العاصمة السورية دمشق، وربما استعاد السيطرة على جميع المدن السورية الكبرى، لكن الحروب الدائرة بالتوازي مع ذلك أبعد ما تكون عن النهاية.
ولا يقتصر الأمر فحسب على حرب الظل المشتعلة بين إيران وإسرائيل، فإلى جانب ذلك، أجبرت تركيا، روسيا والنظام السوري على التخلي مؤقتاً عن خططهما للتقدم نحو المناطق المحيطة بمحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، لكنَّ المعركة لن تزول.
وفي شرقي سوريا، على الحدود مع العراق، يعيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) توحيد صفوفه. وقد يكون التنظيم خسر معاقله في الموصل والرقة، لكن ما زال لديه 30 ألف مقاتل يعملون بسوريا والعراق.
وفي شهر أغسطس/آب 2018، تراجعت الولايات المتحدة عن قرارها سحب قواتها الخاصة التي تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد في الفرات.
كما أن صواريخ "إس-300" قد تشكل عائقاً أمام واشنطن، فبوتين لا يريد تكرار خطأ أوباما بترك فراغ بضيعته الخاصة
ومن غير المرجح أن يكرر بوتين، الذي استغل ببراعةٍ الفراغ الذي خلَّفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في سوريا ليضمن بقاء النظام التابع له، الخطأ نفسه الآن ويترك وراءه فراغاً في سوريا.
وظهرت مساء الإثنين، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2018، التبعات التي قد يخلّفها هذا الفراغ حين أطلقت إيران صواريخ صوب أهداف في شرق سوريا، وزعمت أنها نفذتها للرد على مخططي الهجوم الذي استهدف موكباً عسكرياً في الأهواز الأسبوع الماضي، ولمحت إيران إلى مسؤولية دول عربية عنه.
وقد تكون إيران حالياً حليفاً لروسيا، لكنها أيضاً خصمٌ محتمل في الصراع حول النفوذ بسوريا.
مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة، التي تورطت باليومين الأخيرين في أزمة تتعلق بالصواريخ مع روسيا، بعد أن هدد السفير الأميركي لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعمل عسكري ضد صواريخ روسية جديدة، يزعم الناتو أنها تخالف معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، وتشتبه واشنطن في أن هذه الصواريخ يمكنها شن هجوم سريع على أوروبا.
وتنشر تركيا والولايات المتحدة، العضوتان في حلف الناتو، قواتٍ برية بسوريا، في حين تستمر بريطانيا وفرنسا في تنفيذ ضربات جوية ضد مقاتلي "داعش" هناك.
ويعد تسليم روسيا منظومة "إس-300" إلى سوريا إشارةً إلى أنَّ بوتين يبني استراتيجية طويلة المدى لبلاده، ويعتزم التصدي لأية دولة أخرى تقتحم ما أصبح يعتبرها الآن إقطاعيته.