"سنستعيد الجولان المحتل"، تبدو هذه خلاصة الرسالة التي أراد وزير الخارجية السوري وليد المعلم توجيهها إلى إسرائيل خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت 29 سبتمبر/أيلول 2018.
فإلى أي مدى يمكن للنظام السوري تنفيذ تهديداته؟ وهل يستطيع استعادة هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 بالقوة كما يلوّح أم أن لديه خياراً آخر للتعامل مع الوضع في هذه المنطقة الاستراتيجية؟ حسبما تساءل تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ثقة متزايدة بفضل الانتصارات على الأرض
أعلن المعلم أنَّ دمشق تهدف إلى استعادة الأراضي من إسرائيل بعدما استعادت قوات النظام السوري مناطق في الجهة المقابلة للحدود الإسرائيلية خلال هجوم شنَّه النظام السوري مؤخراً بدعم من روسيا.
وكان النظام السوري قد استعاد في الأشهر الأخيرة السيطرة على معظم البلاد بعد حربٍ دموية مستمرة منذ 7 سنوات، قاتلت فيها القوات الموالية للنظام، بما في ذلك الجيش السوري وروسيا والجماعات المدعومة من إيران مثل حزب الله، ضد المقاتلين السُنَّة المناهضين للنظام.
وخلَّف هذا النزاع أكثر من 350 ألف قتيل -على الرغم من تباين التقديرات على نطاق واسع؛ إذ يمكن أن يقترب العدد إلى 500 ألف– بالإضافة إلى ملايين النازحين.
والنظام يصرُّ على جمع المعارضة والإرهابيين وإسرائيل في سلة واحدة
وبعيداً عن إعلان انتصار النظام السوري في الحرب والإشادة بـ"بسالة" الشعب والجيش السوري، اتهم وزير الخارجية السوري أيضاً إسرائيل بمساعدة "منظمات إرهابية" تقاتل قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
وتعد الإشارة إلى الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا أو دعم إسرائيل للمقاتلين المعارضين باعتبارها أعمال "إرهاب"، أحد التكتيكات الشائعة للنظام السوري.
ويستخدم النظام نفس نوعية الخطاب عند الحديث عن جماعات المعارضة، إذ يجمع بينهم وبين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو تنظيم القاعدة الذين ساندوا المعارضين خلال الحرب.
وأعلن المعلم أنَّ إسرائيل "حمتهم (الإرهابيين) من خلال التدخل العسكري المباشر وشن هجمات متكررة على سوريا".
وأضاف: "كما حررنا جنوب سوريا من الإرهابيين، نحن عازمون على تحرير كامل الجولان السوري المحتل حتى حدود 4 يونيو/حزيران 1967".
وانتقل الوزير إلى قضايا أخرى، قائلاً إنَّ "كل الظروف مواتية حالياً لعودة اللاجئين السوريين طواعيةً إلى البلاد.. وقد ناشدنا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتسهيل تلك العودة".
أما ضمّ إسرائيل لهضبة الجولان فلا أحد يعترف به في العالم
كانت هضبة الجولان جزءاً من سوريا حتى احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وفي العقود التي تلت ذلك انتقل أكثر من 20 ألف إسرائيلي إلى المنطقة، التي يسكنها أيضاً ما يقرب من 20 ألف مسلم درزي، حسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية الذي لم يشر إلى عمليات التهجير الكبيرة لسكان الجولان.
فخلال حربي 1967 و1973، تشير التقديرات أنه هُجّر نحو 150 ألفاً من سكان الجولان باتجاه الداخل السوري. ولم يتبق سوى نحو 18 ألف سوري ممن ينتمون للطائفة الدرزية، وجميعهم تقريباً رفضوا بطاقة الهوية الإسرائيلية.
وفي عام 1981، ضمَّت الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن المنطقة على الرغم من الانتقادات الشديدة من المجتمع الدولي، الذي لا يزال لا يعترف بمطالبة إسرائيل بتبعية الأرض لها.
وبسبب طبيعتها الجغرافية تكتسب أهمية استراتيجية
وتعتبر تلك المنطقة، التي تتشكَّل من هضبة تفصل بين إسرائيل وسوريا، ذات أهمية حيوية من الناحية الاستراتيجية.
والسبب هو موقع الهضبة المرتفع المُطِلّ على بحيرة طبريا وسهل الحولة، الأمر الذي يكسبها أهمية عسكرية كبيرة.
وتوفر تلك المرتفعات لإسرائيل أفضلية كبيرة لمراقبة التطورات في سوريا.
كما تعمل تضاريس هضبة الجولان كحاجز طبيعي ضد أي توغل عسكري من سوريا باتجاه إسرائيل.
وبلغ عدد قرى الجولان قبل الاحتلال 164 قرية و146 مزرعة. أما عدد القرى التي وقعت تحت الاحتلال فبلغ 137 قرية و112 مزرعة إضافة إلى القنيطرة. وبلغ عدد القرى التي بقيت بسكانها 6 قرى، مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية والغجر وسحيتا. رحّل سكان سحيتا في مابعد إلى قرية مسعدة لتبقى 5 قرى.
ويبدو أن إسرائيل مصممة أكثر من أي وقت مضى على الاحتفاظ بالجولان
فكّرت الحكومات الإسرائيلية أحياناً في إعادة هضبة الجولان إلى سوريا مقابل السلام والاعتراف بها كدولة.
غير أنه في ظل النفوذ القوي لإيران على نظام الأسد، يعتقد كثير من المحللين أنَّ إسرائيل أكثر تصميماً من أي وقتٍ مضى الأعلى الاحتفاظ بقبضة قوية على الجولان.
لكن هل أصبح لدى إسرائيل الآن عدواً أكثر تصميماً؟ وإلى أي مدى ينبغي على تل أبيب أخذ كلمات المعلم بجدية؟
إذن هل يستطيع النظام أن ينفذ تهديداته ويحرر الجولان؟
يقول الدكتور جوناثان سباير، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للأخبار والتحليل، لموقع The Media Line الأميركي: "يشعر النظام السوري حالياً بثقة أكبر من أي وقتٍ مضى خلال السنوات السبع الماضية. لقد انتهت الخطورة عليه الآن، ولا توجد فرصة واقعية لسقوط النظام في أي وقتٍ قريب.
الأمر التالي الطبيعي هو السعي لطرد تلك القوات الأجنبية التي لا يحبها من سوريا، وما يسمى "تحرير" أو استعادة السيطرة على مرتفعات الجولان جزء من ذلك.
وطالب المعلم خلال خطابه بضرورة مغادرة القوات الأجنبية المنتشرة في سوريا. وللولايات المتحدة الأميركية حالياً حوالي ألفي جندي متمركزين في البلاد، يتمثل دورهم في تدريب وتقديم المشورة للقوات الكردية والسُنّيّة المعارضة للنظام. وتحتفظ فرنسا أيضاً بنحو ألف جندي هناك لمساعدة القوات المناهضة للنظام، بينما تتدخَّل تركيا في أحيان كثيرة عبر الحدود.
وقال سباير: "هناك مفارقة في هذا؛ لأنَّ السبب الحقيقي الوحيد الذي كان وراء تمكُّن النظام السوري من البقاء هو وجود قوات أجنبية على الأراضي السورية أرادت مساعدته، وأعني روسيا وإيران".
وأكد سباير أنَّ "النظام السوري ليس قريباً من استعادة هضبة الجولان أكثر مما كان عليه الأمر منذ عام 1967. فلم يتغير شيء، باستثناء مزاج النظام. الأسد بالكاد لديه جيش".
غير أنه لديه خيار أكثر واقعية هو تحويلها إلى جنوب لبنان جديد
وأوضح سباير أنَّ الوجود المحتمل الآن أو في المستقبل لقوات مرتبطة بإيران قد يكون بهدف تحويل الحدود مع الجولان إلى وضعٍ يعيد إلى الأذهان جنوب لبنان، حيث قاتلت قوات حزب الله المدعومة من إيران -ولا تزال- ضد إسرائيل.
ولكن يجادل محللون آخرون في مجال الدفاع بأنَّه ينبغي على إسرائيل أخذ تصريحات وزير الخارجية السوري على محمل الجد.
لكن البعض في إسرائيل يخشى صحوة عربية إسلامية، وروسيا يمكن أن تدخل على الخط
يقول الدكتور مارتن شيرمان، المدير التنفيذي لمعهد إسرائيل للدراسات الاستراتيجية، لموقع The Media Line، إنَّ "تصريحات المعلم تبين أنَّه مهما كانت الظروف السائدة، يجب على إسرائيل الافتراض دائماً أنَّ العالم العربي سيعود ويطالب باستعادة الأرض منها". وأضاف: "سيحاول النظام السوري جعل الجولان نقطة لحشد الدعم في العالم الإسلامي".
وأوضح شيرمان، كما فعل سباير، أنَّ وجود حزب الله ووكلاء إيران على طول الحدود مع إسرائيل في سوريا يمكن أن يؤدي إلى إثارة توترات قد تتصاعد في نهاية المطاف لتؤدي إلى حرب.
وقال شيرمان: "لستُ متأكداً من أنَّ سوريا بمفردها تستطيع استعادة الجولان، لكن بالتأكيد تستطيع تشكيل تهديد أمني خطير على طول الحدود"، مضيفاً أنَّ "روسيا أيضاً يمكنها التدخل بقوة في حال نشوب مثل هذا الصراع. هناك العديد من السيناريوهات المحتملة، وأنا لست متفائلاً كثيراً".
ولذا يريدون الإسراع بضم الجولان لإسرائيل.. وهكذا جاءهم رد إدارة ترمب
وفي تصريح يبدو غريباً ومنافياً للقانون الدولي قال شيرمان: "إن ما ينبغي على إسرائيل فعله الآن هو الشروع في مبادرة دبلوماسية دولية قوية من أجل كسب اعتراف العالم بسيادتها على الجولان"، مشيراً إلى أنَّه يمكن للإسرائيليين متابعة هذا المسعى من خلال الضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ويقول شيرمان: "الوضع الأمني لإسرائيل في ظل سيطرتها على الجولان ودون تلك السيطرة سيكون مختلفاً للغاية، لاسيما المناطق الحدودية الشرقية التي تتحكم بشكل أساسي في الطرق المؤدية إلى دمشق". وأضاف: "من الضروري أن توضح إسرائيل موقفها بشأن تلك المسألة".
وكان جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، قد قال أثناء زيارةٍ لإسرائيل إنَّ إدارة ترمب لا تدرس في الوقت الراهن الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، على الرغم من محاولات الضغط للحصول على ذلك الاعتراف من داخل الكونغرس ومن الساسة الإسرائيليين، حسبما نقلت عنه صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثار مسألة اعتراف الولايات المتحدة بهضبة الجولان جزءاً من إسرائيل، في لقائه الأول بدونالد ترمب في فبراير/شباط 2017.