من المتوقع أن يقوم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بزيارة للمملكة العربية السعودية ستكون في إطار رد الزيارة التي سبق أن أداها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لروسيا في أكتوبر/ تشرين الثاني من العام الماضي (2017)، حسب تقرير نشرته صحيفة nezavisimaya gazeta الروسية.
وفي مقابلة مع صحيفة "الرياض" اليومية، أكدت الأستاذة بجامعة القاهرة نورهان الشيخ، أن هذه الزيارة تعتبر أنسب قرار يتخذه الزعيمان في الوقت الراهن. وبحسب "الشيخ"، شهدت العلاقة بين البلدين تحسناً ملحوظاً خلال العامين الماضيين. وقالت "الشيخ" إن "روسيا والمملكة العربية السعودية تحددان معاً أسعار النفط العالمية، كما يؤثر التعاون المتبادل بين البلدين على استقرار سوق النفط العالمية"، مشيرة إلى أن العلاقات بين البلدين تتجاوز ملف النفط لتخوض في مواضيع أخرى.
وشددت الأستاذة الجامعية على أهمية توقيت الزيارة، لأسباب عديدة، من بينها حل مشاكل الشرق الأوسط وخاصة المسألتين السورية واليمنية، وطرح مسألة التعاون الذي بات ضرورياً بين روسيا والمملكة العربية السعودية. وتعتبر روسيا في حاجة إلى السعودية؛ حتى تتمكن من تغيير موقف الرياض فيما يتعلق بالمسألة السورية؛ نظراً إلى أن المملكة العربية السعودية تعد لاعباً إقليمياً هاماً وقادراً على التأثير على قواعد اللعبة السورية؛ ومن ثم تعتبر مشاركتها مهمة لمناقشة مستقبل سوريا.
ولم يعلن بعدُ عن موعد الزيارة بصفة رسمية، لكن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قال إن زيارة الرئيس الروسي إلى الرياض، بدعوة من الملك سلمان، تجري مناقشتها منذ أوائل شهر سبتمبر/أيلول 2018. وأشار بيسكوف إلى أن "الملك السعودي دعا بوتين لزيارة الرياض في الوقت الذي يراه مناسباً". وفي وقت سابق، ناقش وزيرا خارجية البلدين المسألة لإعداد هذه الزيارة.
وفي 24 أغسطس/آب 2018، صرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بأن "تنظيم مثل هذه الزيارة من اختصاص الإدارة الرئاسية". ووفقاً لبوغدانوف، شهدت العلاقات الروسية-السعودية الكثير من التطورات، ومن الممكن تقييم نتائج التعاون الثنائي بأنها متوسطة؛ إذ تمكنت الدولتان من توقيع اتفاقيات تعتبر هامة نسبياً. ورداً على السؤال عما إذا كانت زيارة بوتين للرياض قيد الإعداد، أشار بوغدانوف إلى أن "العمل جارٍ على هذا الموضوع".
من جانبها، أشارت نورهان الشيخ إلى أهم القضايا التي من المتوقع مناقشتها في الاجتماع، حيث أوضحت أن "النقطة الرئيسية في الاجتماع تتعلق بأسعار النفط، علماً أن روسيا والسعودية هما المسؤولتان عن تحديد أسعار النفط. كما يؤثر التفاهم المتبادل بينهما على استقرار السوق العالمية، ما من شأنه أن يحافظ على مصالح البلدين الاقتصادية. وفي الوقت الراهن، تشهد أسعار النفط استقراراً".
تعاون بين أكبر منتجين للنفط
في ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، عن التحول الذي طرأ على منظمة أوبك بقيادة روسيا والمملكة العربية السعودية، أكبر منتجَين للنفط في العالم. وقد أدى التعاون المشترك بين البلدين، والمتمثل في قرار الحد من إنتاج النفط، إلى ارتفاع في الأسعار خلال العامين الماضيين، لتصل إلى 80 دولار للبرميل الواحد. ومما لا شك فيه أن المنظمة ستستمر في تحديد مستوى أسعار النفط في السوق العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم؛ أي الولايات المتحدة الأميركية.
وأضافت "الشيخ" أنه "على الرغم من أن النفط هو أحد أهم الأسس التي تنبني عليها العلاقات السعودية-الروسية، فإن التعاون الثنائي بين الدولتين يتجاوز مسألة النفط". وفي هذا الصدد، أشارت إلى مسألة التعاون العسكري بين روسيا والمملكة العربية السعودية المتمثلة في شراء المملكة منظومة إس-400 الروسية، بالإضافة إلى التعاون المتنامي في المجال النووي.
وبلغت قيمة التبادل التجاري بين السعودية وروسيا، في عام 2017، وفقاً لمصلحة الجمارك الفيدرالية الروسية، 915.2 مليون دولار، أي بارتفاعٍ نسبته 86% مقارنة بعام 2016. وفي الوقت ذاته، ارتفعت الصادرات الروسية نحو المملكة العربية السعودية بشكل كبير (بنسبة 119.6%)، لتصل قيمتها عام 2017 إلى 770.7 مليون دولار.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، وقّعت روسيا والسعودية عقد تعاون في مجال برنامج المفاعلات النووية الصغيرة ومتوسطة الحجم، التي يمكن استخدامها لتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر. كما خططت موسكو والرياض للعمل معاً من أجل إعداد الموظفين وتدريبهم للعمل على تطوير البرنامج السعودي النووي، وتطوير بنيته التحتية.
محطة طاقة نووية
ومن المتوقع أن يتم التوقيع على مناقصة لبناء أول محطة للطاقة النووية المتكونة من وحدتين نوويتين، وذلك بحلول نهاية عام 2018. ويعتقد الخبراء أن هناك فرصة كبيرة لشركة Rosatom الروسية للفوز بهذه المناقصة. وقد تم التوصل، في عام 2017، إلى اتفاق بشأن توريد الأنظمة الروسية المضادة للطائرات طراز "إس- 400" إلى المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من كل ما ذُكر آنفاً، أشار الخبراء مراراً وتكراراً إلى أن هناك العديد من المشاكل التي تقف عقبة أمام التعاون المثمر والفعال بين البلدين، علماً أن الكثير من الخطط المتعلقة بتوقيع اتفاقيات وعقود بين البلدين لم تُنفذ. وحسب الخبراء، تبدو مسألة إبرام صفقة لشراء السعودية معدات عسكرية روسية، مبهمة للغاية؛ وذلك بسبب موقف الحليف التقليدي للمملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة الأميركية، تجاه الأنظمة الروسية.
وتهدد واشنطن بفرض عقوبات على الدول التي تتعاون مع موسكو في المجال العسكري. وبناء على ذلك، يعتبر توريد المعدات الروسية من قبل السلطات السعودية أمرا شبه مستحيل، وفقا للخبراء.
التعاون من أجل ضبط أسعارالنفط
وأكد الباحث البارز في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو، أندريه كوروتايف، أن ملف النفط سيكون محور المحادثات الروسية السعودية المقبلة. ويعتمد البلدان المصدران للذهب الأسود بشكل كبير على استقرار أسعاره لضبط ميزانيتها. وبناء على ذلك، أدركت موسكو والرياض، في الآونة الأخيرة، أنه لا يمكن خدمة مصالح إحداهما بمنأى عن مصالح الأخرى، وبالتالي، يعتبر التعاون الثنائي ضروريا، لا سيما أن التعاون في إطار الأوبك حقق نتائج عظيمة لكلتيهما. كما لا يستبعد كوروتايف مناقشة البلدين لمسألة الحفاظ على مستويات أسعار النفط الحالية.
وبحسب كوروتايف، سيكون من الصعب مناقشة جميع القضايا الأخرى المتعلقة بالتعاون الاقتصادي، حيث قال: "في الحقيقة، لن تشهد المسائل الاقتصادية الأخرى تحولا كبيرا. كما أن هناك الكثير من النوايا السعودية الروسية لإبرام اتفاقيات، لكنها لم تتحقق إلى حد الآن، على غرار شراء أنظمة إس-400 الروسية التي لا تعتبر سوى وسيلة لدى الرياض للضغط على واشنطن، حيث قد تمكنها من الحصول على امتيازات واقتناء بعض التكنولوجيات العسكرية الأميركية".
في المقابل، يرى كوروتايف أن التعاون الروسي السعودي في مجال الطاقة النووية واقعي للغاية. وأوضح الباحث البارز أن "السعودية تخطط لحل قضايا الطاقة وتحلية مياه البحر، لذلك أعتقد أن الرياض تهتم بجدية بالتعاون مع الروس في هذا الشأن".