آلاف البشر معرَّضون للموت غرقاً، بعد أن اختفت قوارب إنقاذ المهاجرين من البحر المتوسط ، ومن يطبق قوانين البحار العريقة التي تلزم بإنقاذ الغرقى قد يلقى مصيراً بائساً.
فقد حذرت هيئات الإغاثة والمساعدات من أن آلاف المهاجرين يخاطرون بحياتهم بالموت غرقاً؛ بسبب القيود الصارمة المفروضة على قوارب الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية والتي أدت إلى غيابها عن البحر المتوسط منذ بدء عملها في أواخر عام 2015.
فمنذ 26 أغسطس/آب 2018، لم توجد أي قوارب إنقاذ أهلية على طرق الهجرة الرئيسية فيما بين شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
دولتان أوروبيتان هما سبب اختفاء قوارب إنقاذ المهاجرين
وأدت السياسات المناهضة للهجرة، التي تفرضها حكومتا مالطا وإيطاليا، اللتان أغلقتا موانئ الدولتين أمام قوارب المهاجرين، إلى انخفاض حاد في بعثات الإنقاذ.
ولكن، لا يزال الساعون وراء اللجوء السياسي يحاولون المخاطرة بالعبور. ومع ذلك، فمن الأرجح أن يتزايد تحطُّم سفن المهاجرين إلى حد كبير من دون وجود قوارب إنقاذ.
وعندما اختفت قوارب الإنقاذ من البحر المتوسط فيما بين 28 يونيو/حزيران و8 يوليو/تموز 2018؛ لقي خلال تلك الأيام، أكثر من 300 مهاجر مصرعهم بالبحر.
لقد انخفض عدد الضحايا، ولكن هذا لا يعني تحسُّن الأمر بل العكس الوضع بات أسوأ
وانخفض عدد الضحايا خلال العام الماضي (2017)، ولكن عدد الغارقين كنسبة من الوافدين في إيطاليا قد ارتفع إلى حد كبير خلال الشهور القليلة الماضية، مع ارتفاع إمكانية الوفاة في أثناء العبور إلى 3 أضعاف.
وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن 2383 مهاجراً قد لقوا حتفهم بعد تحطم قواربهم خلال عام 2017، مقارنة بـ100 ألف و308 مهاجرين تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا.
وفي عام 2018، وفي ظل الضغوط التي تتعرض لها قوارب المنظمات الأهلية من قِبل السلطات المالطية والإيطالية، وصل عدد الضحايا بالفعل إلى 1130، مقارنة بـ20 ألفاً و19 وافداً إلى البلاد.
ماذا حدث لقوارب الإنقاذ؟ أين ذهبت؟
ومن بين قوارب الإنقاذ الأهلية العشرة التي كانت تعمل في البحر المتوسط، تم احتجاز 3 قوارب بميناء فاليتا في مالطا خلال نزاع حول تسجيل العَلم.
وتم احتجاز سفينة "يوفينتا"، المملوكة لمنظمة "يوجيند رينديت" الأهلية الألمانية، أكثر من عام بميناء تراباني في جزيرة صقلية الإيطالية، رغم إسقاط النيابة في باليرمو تهم تهريب المهاجرين ضد طاقمها.
وفي غضون ذلك، تركت السفن الخاضعة لإدارة منظمة Open Arms الأهلية المياه العميقة بالبحر المتوسط خلال الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018)؛ بسبب إغلاق الموانئ الإيطالية، دون تحديد أي موعد لعودتها.
ومن المزمع أن ترحل سفينة "أكوارياس"، التي اضطرت خلال هذا الصيف إلى التوجه لإسبانيا بعد أن أغلقت إيطاليا ومالطا موانئهما أمامها، من فرنسا خلال الأيام القليلة القادمة. ومع ذلك، لا تستطيع المنظمات التي تتولى إدارتها، وهي "أطباء بلا حدود" و"SOS Mediterranee"، ضمان وجودها المستمر بالبحر.
والنتيجة مآسٍ كبرى كتلك التي حدثت أمام سواحل ليبيا في البحر المتوسط
أدى غرق آخر سفينة مسجلة بالبحر المتوسط إلى وفاة أكثر من 100 شخص على سواحل ليبيا، بحسب شهادة الناجين التي حصلت عليها منظمة أطباء بلا حدود.
وذكر فريدريك بينارد، مدير العمليات بمنظمة "SOS Mediterranee"، أن "ما تم ذكره أمر مروع. هذه المأساة مستمرة منذ سنوات، وتتفاقم حدتها حالياً. هناك عدد قليل من القوارب؛ ومن ثم عدد أقل من المنقذين، ومن ثم تزداد حالات الوفيات".
ومن دون قوارب الإنقاذ التابعة للمنظمات الأهلية، فإن سواحل ليبيا تخضع لحماية حرس السواحل الليبية، الذي أبرم اتفاقاً مع إيطاليا عام 2017 لتسليم من يحاولون العبور إلى أوروبا لليبيا مرة أخرى، حيث تذكر هيئات الإغاثة أنهم يعانون التعذيب والانتهاكات.
ويذكر الناجون من السفينة الذين تركوا ليبيا في قاربين مطاطين، أنهم أبلغوا حرس السواحل الإيطالية أنه تم تفريغ الهواء من أحد القاربين، في حين تعطل محرك القارب الآخر.
ونقلت السلطات الإيطالية التحذير إلى حرس السواحل الليبية، الذي تمكن من إنقاذ نحو 300 شخص يتم احتجازهم حالياً في المعتقلات.
وقالت ريجينا كاترمبون، الشريكة المؤسسة ومديرة منظمة "Migrant Offshore Aid Station": "من المؤسف أن مثل تلك المآسي تحدث بصورة أكبر مما يتم الإعلان عنه. ويلقى المهاجرون حتفهم جراء سبب يمكن تجنبه، وهو الافتقار إلى برنامج قوي للبحث والإنقاذ".
"قوارب أجرة".. هكذا وصف حكام إيطاليا اليمينيون الجدد سفن الإنقاذ
ووصف الائتلاف الإيطالي الحاكم للتحالف اليميني لوزير الداخلية ماتيو سالفيني وحركة الـ5 نجوم الشعبية، قوارب المنظمات الأهلية باعتبارها "قوارب أجرة"، واتهمتها بالتعامل مع المهربين. وبعد الحملة الانتخابية التي تعهد خلالها سالفيني بتبني سياسات قاسية تجاه المهاجرين، تمثلت إحدى الخطوات الأولى في إغلاق الموانئ الإيطالية أمام سفن الإغاثة والمساعدات.
وذكر فولفيو فاسالو، أستاذ قانون اللجوء السياسي بجامعة باليرمو: "حصلت إيطاليا على ما تريده. وتمكنت روما من التخلص من رقابة المنظمات الأهلية، التي يمكن أن تكون شاهداً على انتهاكات حرس السواحل الليبية.
ولم يبقَ سوى هؤلاء البحارة والصيادين الذين ما زال بعضهم يخاطرون بحياتهم
ولا يبقى اليوم سوى السفن التجارية وسفن الصيادين؛ ولحسن الحظ، فإن بعضهم لا يزالون يلتزمون بقوانين البحر ويخاطرون بحياتهم".
ومنذ أسبوع، تم إلقاء القبض على 6 صيادين تونسيين بالبحر، اتهمتهم الشرطة الإيطالية بالتهريب، بعد أن أطلقت سفينتهم قارباً صغيراً كانت تسحبه وعلى متنه 14 مهاجراً، على بُعد 24 ميلاً من جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
ويذكر محامو المتهمين أنهم شاهدوا قارب مهاجرين يتعرض للغرق، وتم اتخاذ قرار بالإجماع بسحب القارب إلى المياه الإقليمية الإيطالية لإنقاذهم.