تُظهِر اللوحة التي رسمها الفنان الأميركي شيبرد فيري، أون سان سو تشي، مستشارة الدولة في ميانمار، وهي مُحاطة بأشعة الشمس وسط عباراتٍ مثل "حرية القيادة" و"ادعم حقوق الإنسان" و"الديمقراطية في بورما". كان فيري وفق تقرير صحيفة The Guardian البريطانية قد رسم اللوحة بعد مدةٍ قصيرة من رسمه ملصقاً شهيراً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثم طُرِحَت للبيع في عام 2009؛ للمساعدة في جمع تبرعاتٍ لجماعات حقوق الإنسان، التي تقدَّمت بطلبٍ للجنرالات الذين كانوا يحكمون ميانمار آنذاك، من أجل إطلاق سراح أون سان سو تشي من الإقامة الجبرية.
وقال فيل روبرتسون، نائب مدير الشؤون الآسيوية في منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية: "في ذلك الوقت، كان فيري يتمتع بشعبيةٍ هائلة بسبب الصورة التي رسمها لأوباما؛ لذا كان الكثيرون متحمسين لأن تساعد هذه اللوحة المُلهِمة لأون سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل في الترويج لقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في ميانمار".
وقال إنَّ منظمة هيومان رايتس ووتش شجعت فيري على رسم اللوحة؛ لأنَّ بعض الموظفين "شعروا بأنَّها (أون سان سو تشي) كانت شخصية مُلهِمة دافعت بالفعل عن معاملة الناس بكرامة ودعم حقوق الإنسان".
"أسهمت في ارتكاب جرائم شنعاء"
لكن بعد 9 سنوات من ذلك الحين، يتهم محققو الأمم المتحدة العسكريين في ميانمار بالإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغا، الذين فرَّ منهم نحو مليون من البلاد هرباً من حملات القتل والاغتصاب والإحراق على مرِّ العامين الماضيين. واتهموا أون سان سو تشي بأنَّها "أسهمت في ارتكاب جرائم شنعاء".
لعام 2017، أقدمت نقابة مهنية بريطانية كبرى، وكلية لندن للاقتصاد، ومتحف الهولوكوست الأميركي والعاصمة الإيرلندية دبلن، وما لا يقل عن 4 مدن بريطانية، على سحب مراتب شرفية كبرى من أون سان سو تشي، وأدانتها لفشلها في حماية أقلية الروهينغا. ومع ذلك، ما زالت أون تحظى داخل ميانمار بشعبيةٍ كبيرة كما كانت في الماضي، ويُنظر إليها على أنَّها حصنٌ ضد التعدي العسكري على السياسة والإدانة الدولية.
وقال سايمون بيلينس، المدير التنفيذي السابق لمنظمة الحملة الأميركية في بورما: "ما زلتُ أحتفظ بنسخةٍ مؤطَّرة من اللوحة ممهورة بتوقيع شيبرد فيري، أهدتها لي زوجتي في أحد أعياد ميلادي".
في حين كان بيلينس يستعد لاجتماع عبر تطبيق Skype مع ناشطين حقوقيين آخرين في العام الماضي (2017)، أزال اللوحة عن جداره. وقال: "لم أرغب في أن يراها أحدٌ بالخلفية. فبالنسبة لي، تُمثِّل هذه اللوحة الآن الآمال التي توقعناها من أون سان سو تشي، ولا تُعبِّر بالتأكيد عن أدائها في السلطة".
ومن بين المنظمات الأخرى التي جَنت أموالاً من بيع لوحة فيري، مركزُ عمل حقوق الإنسان، الذي اشتهر مؤسسه جاك هيلي بحشد المشاهير لتعزيز الوعي بقضايا حقوق الإنسان. وقال جاك لصحيفة The Guardian البريطانية: "لم تُحقِّق ملصقات أون سان سو تشي مبيعاتٍ منذ سنوات. لقد تركنا معظم النسخ التي كانت لدينا مجاناً".
وفي منظمة هيومان رايتس ووتش، أرفق أحد الموظفين على إحدى النسخ من اللوحة في مكتب المنظمة بنيويورك ملحوظةً في نهاية عبارة "حرية القيادة"، كتب عليها: "أو لا".
وقال روبرتسون: "كل من رآها ضحك فوراً، ثم تساءل عمَّا إذا كان ينبغي أن يبكي بدلاً من الضحك. فالعمل في قضايا حقوق الإنسان يتطلَّب حساً فكاهياً حتى في أسوأ المواقف؛ لذا تركتُ هذه الملحوظة الناقدة المشيرة إلى فشل أون في قيادة حقوق الإنسان صدىً كبيراً".
كانت هذه اللوحة والملحوظة المُعلَّقة عليها في مكتب قسم الشؤون الآسيوية بـ"هيومان رايتس ووتش"، بينما "هناك نحو 200 نسخةٍ من اللوحة تراكم عليها التراب" في نيويورك، على حد قول روبرتسون.
"الأم سو" ما زالت تحظى باحترام
بيد أنَّ ردود الفعل على لوحة أون سان سو تشي المُلهِمة قوبلت بردِّ فعلٍ معاكس ببلادها، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، وبعد مدةٍ قصيرة من أعنف هجومٍ على الروهينغا في ميانمار، تجمَّع بضعة رسَّامين في أحد معارض يانغون لرسم لوحاتٍ للقائدة التي يُطلقون عليها "الأم سو"، مُحتجين على إزالة لوحةٍ أخرى لأون سان سو تشي من مبنى جامعة أوكسفورد قبل أسبوعٍ من ذلك.
وفي فبراير/شباط 2018، علَّقت حكومة يانغون الإقليمية لوحةً شاهقة الارتفاع لأون سان سو تشي في موقع بناء يطل على متنزه، عادةً ما يشهد احتجاجاتٍ سياسية تسحقها السلطات في بعض الأحيان.
وقال متحدثٌ باسم فيري إنَّه لن يتمكن من التعليق على الأمر؛ بسبب ضيق جدول أعماله. وحين سُئِل فيري، في حوارٍ أجرته معه مجلة Esquire الأميركية في عام 2015، عمَّا إذا كان باراك أوباما قد حقَّق التوقعات التي كانت مأمولةً منه حين رُسِم في لوحة "الأمل"، أجاب فيري: "لم يقترب منها حتى".